الثقافية - علي القحطاني:
أشاد د.عائض الردادي وكيل وزارة الإعلام والمدير العام لوكالة الأنباء السعودية وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة بقرار إنشاء مجمع الملك سلمان العالمي، ويؤكد ذلك على ريادة المملكة في خدمة اللغة العربية، وفي لقاء د.عائض الردادي لـ»الثقافية» بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية عَدَّ إصدار «معجم الرياض للغة العربية المعاصرة» عملاً رائداً في إصدار المعجمات الرقمية، أول معجم رقمي تفاعلي يطبق الصناعة المعجمية الحديثة إلكترونياً، وتحدث من خلال خبراته الإعلامية الطويلة عن صرامة وحزم وسائل الإعلام قديمًا في اختيار المذيعين الأكفاء، وكان قدماء المذيعين دائمي الاطلاع على كتب اللغة: نحواً وصرفاً ومعاجم،
وهذا هو السبيل الذي يستطيع به المذيع أن يكون مذيعاً سليم اللغة، وتحدث عن تجربة الأعضاء السعوديين في مجمع القاهرة اللغوي، وأشار إلى أن علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر هو أول عالم سعودي ينضم إلى مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1378هـ -1958 م وقد دعا أكثر من مرة إلى إنشاء مجمع لغوي سعودي للغة العربية، وتحدث د.عائض الردادي عن عضويته بمجمع اللغة العربية بالقاهرة ووجد أنها تجربة ثرية استفاد منها، وتحدث عن تجربته في تدريس المهارات اللغوية من خلال دورات تدريبية للمذيعين، ومن أجل ذلك ألّف كتابه «كيف يصون المذيع لسانه من الخطأ؟»
معجم الرياض للغة العربية المعاصرة
إنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يعتبر قراراً تاريخياً مميزاً في المجال الثقافي السعودي على المستوى العالمي، ويعد إنشاء هذا المجمع تحقيقاً لسعي المملكة في إبراز مكانتها وتأكيد ريادتها في خدمة اللغة العربية.. كيف تقرأ هذا المنجز الثقافي، ونحن نحتفي باليوم العالمي للغة العربية؟
- يأتي إنشاء المجمع تأكيداً لريادة المملكة في خدمة اللغة العربية، فهي مهبط الوحي ومهد العربية، ومن أرضها دوّنت اللغة العربية بكل علومها، ويعدُّ إصدار «معجم الرياض للغة العربية المعاصرة» عملاً رائداً في إصدار المعجمات الرقمية، وقد دشّن في 12-3-1445هـ، الموافق 27-9-2023 م، وتميّز في اختيار مواده، وتنظيمها وشروحها، وعرضها رقيماً بطريقة سهلة للمتلقي، مستفيداً من التقنيات الحديثة بإتاحة المادة المعجمية مقروءة آلياً، مستنداً لعدد من المدونات اللغوية، وقد أعلن وقت صدوره أن عدد كلماته 120.513، والمترادفات 18.000، والمعاني 145.000، والتراكيب 24.258، والمتضادات 1.700.
وحسب علمي هو أول معجم رقمي تفاعلي يطبق الصناعة المعجمية الحديثة إلكترونياً، وما سبقه هو إما مدونات لغوية محوسبة، وهي تختلف في مادتها عن المعجم اللغوي الذي صنعه مجمع الملك سلمان، لأنها إما حوسبة لمعجمات قديمة وإما تصوير لمعجمات ورقية، مفردة أو معجمة في موقع واحد، أما معجم الرياض للغة العربية فهو معجم رقمي طبّق التقنية في صناعة معجم، وسهل الرجوع إليها من خلال الشابكة (الإنترنت).
وللمجمع نشاط كبير في إقامة المسابقات والدورات اللغوية في الداخل والخارج، ونشر كثير من الكتب اللغوية: تأليفاً أو تحقيقاً.
المذيعون القدامى والفصاحة
كانت وسائل الإعلام قديماً صارمةً وحازمة في اختيار المذيعين الأكفاء، واليوم كثر اللحن وفساد اللغة على ألسنتهم، ما السبيل برأيك لاكتسابهم المهارات اللغوية اللازمة في مجال عملهم؟
- بالفعل كانت وسائل الإعلام (الإذاعة والتلفاز) صارمة وحازمة في اختيار المذيعين الأكفاء، ولم يكن المذيع يصل إلى المايكروفون إلا بعد مشوار طويل من التدريب، حيث تُجْرَى له تجربة مبدئية لمعرفة الصلاحية من حيث الصوت واللغة والأداء، فإذا اجتازها يواصل التدريب مع كبار المذيعين لمدة 3 أشهر على الأقل، ثم تُجْرَى له تجربة أخرى فإن اجتازها سُمح له بإكمال التدريب بمرافقة مذيع في استديو البث دون خروج صوته، وبعد نحو 6 أشهر، يخرج صوته في فقرات الربط بين البرامج بحضور المذيع، وبعد نحو سنة يمكن أن ينفذ فترة في استديو البث، ويبدأ المشاركة في تقديم البرامج بالتدرج، وفي كل مرحلة تُجْرَى له تجربة صوتية يسمعها أكثر من مسؤول، ثم تجربة لقراءة مواجز الأنباء، ثم بعد حوالي سنتين تُجْرَى له تجربة لقراءة نشرات الأخبار بعد أن يكون قد اكتسب القدرة الجيدة على التقديم الجيد، وهذا مسار مطبق في كل الإذاعات، وهو المسار الذي خرَّج المذيعين المقتدرين في السابق، ويضاف إلى ذلك ترشيحه لحضور دورات في مراكز التدريب الإذاعي، والاطلاع على ما يكتبه المراقب اللغوي عند سماعه للبرامج المسجلة قبل إذاعتها، وكان قدماء المذيعين دائمي الاطلاع على كتب اللغة: نحواً وصرفاً ومعاجم، وهذا هو السبيل الذي يستطيع به المذيع أن يكون مذيعاً سليم اللغة، أما إن كان يدخل إلى المعترك دون ثقافة أو تدريب متدرج فسيكثر منه اللحن، مما ينفي عنه صفة المذيع المهني، ويسيء للغة، ويؤذي أذن المتابع، وقد يصرفه عن المتابعة.
السعوديون في مجمع القاهرة
بما أنك عضو في أحد المجامع اللغوية العريقة في القاهرة، كيف تصف تجربة الأعضاء السعوديين فيها، وعلى وجه أخص تجربتك؟
- كان علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر هو أول عالم سعودي ينضم إلى مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1378هـ -1958 م (وكان عضواً في مجامع أخرى أيضًا) واستمر عضواً في مجمع القاهرة إلى وفاته عام 1421هـ -2000م، وقد دعا أكثر من مرة إلى إنشاء مجمع لغوي سعودي للغة العربية، وكان يحرص على انضمام سعوديين للمجامع، لذا تقدم بترشيح سعوديين لعضوية مجمع اللغة العربية في القاهرة، فوافق المجمع وانضموا لعضوية المجمع، وهم حسن بن عبدالله القرشي، وعبدالعزيز الرفاعي، وعبدالله بن خميس، ومحمد بن عمر بن عقيل (أبو عبدالرحمن الظاهري)، ويحيي المعلمي، تم ضَمَّ مجمع القاهرة أعضاء آخرين هم: أحمد الضبيب، ومحمد الربيّع، وعبدالعزيز التويجري، وعوض القوزي، وعائض الردادي، وعبدالله عسيلان، وعبدالله العثيمين (توفى بعد ترشيحه بأشهر ولم يحضر جلسات المجمع).
أما عضويتي فتعود لعام 1435هـ (2013م)، ويعود الفضل في ترشيحي للدكتور عوض القوزي - رحمه الله - الذي رشحني دون إخباري، وفي 8-12-2013م تلقيت خطاباً من رئيس المجمع بالموافقة على انتخابي عضواً بالإجماع، وحضرت كل جلسات المجلس السنوية، وشاركت فيها عدا سنة التوقف للاجتماعات، بسبب جائحة كورونا، وتقدّمت بعدّة بحوث، أكثرها طبعته في كتب، وشاركت بالمناقشة في كل الجلسات، وقد كانت تجربتي في المجلس تجربة ثرية استفدت منها كثيراً، ولقيت بحوثي قبولاً من العلماء واستفدت كثيراً من مناقشاتهم.
اليوم العالمي للغة العربية
ليتك توجز كلمتك في اليوم العالمي للغة العربية 18 ديسمبر؟
اللغة - أي لغة - هوية حضارية للأمة، وهي من أهم ثوابت الحفاظ على الهوية، وحسبنا مثلاً في هذا المجال دول أوروبا التي اتحدت سياسياً واقتصادياً ولم تتنازل أي دولة -مهما صغرت - عن لغتها، فالتخلي عن اللغة هزيمة حضارية وإلغاء لأحد أسس السيادة الوطنية.
اللغة العربية لا خوف عليها من الضياع، فهي محفوظة بحفظ القرآن الكريم، ولكن الخطر في ضياع الهوية العربية، وفي التحلل منها كتابة أو نطقاً بإحلال لغة أخرى مكانها، وهو خطر وضياع للهوية العربية، وهذا لا يعني عدم تعلم اللغات الأخرى، فشتان بين تعلم لغة وإحلال لغة أخرى محل اللغة الأم، وزماننا زمان صراع الهويات الحضارية من خلال القوة الناعمة.
ومن أهم ما يُنبّه إليه في اليوم العالمي للغة العربية ما يلاحظ من الانحاء للعمالة الأجنبية بتكسير اللغة، بدلاً من النطق الصحيح، والأمر الثاني هو ما يشاهد من هرولة بعض العرب نحو اللغات المهيمنة وإظهار ذلك بأنه يدل على التطور بينما هو هزيمة حضارية والآخر لا يقبل أن يتنازل عن لغته إرضاء للآخرين، وعلى وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة في وجوب استخدام اللغة العربية الفصحى نطقاً، وكتابة بالحرف العربي الجميل، والأمر الثالث الاتجاه نحو العاميات في انكفاء على القطْرية، ولغة الضاد هي الجامعة للعرب من الخليج إلى المحيط.
وفي اليوم العالمي يجب على العرب أن ينطقوا باللغة العربية، ويكتبوا بها، ويهجروا الحرف الأجنبي في لغة العربيزي، وأن يكونوا كالصين وفرنسا وألمانيا وكوريا في الحفاظ على لغاتهم، فاللغة هوية حضارية، واستقلال ثقافي، وحياتها حياة لأمتها.
اليوم العالمي للغو العربية مناسبة للحفاظ على اللغة بوصفها جزءاً رئيساً في هوية العرب، أما من يتحذلق بكلمات أجنبية ظناً منه من أن ذلك يعلي شأنه فهو كالغراب الذي أضاع مشيته، فاللغة الأجنبية ليست بديلاً للغة العربية ولا بد من تعليمها للصغار لتستقيم ألسنتهم ويحفظوا هويتهم، ويعرفوا في هذا اليوم أن اللغة العربية هوية وانتماء وأن إحلال لغة أخرى مكانها أشد من احتلال الجيوش للأرض.
دورات تدريبية لغوية للمذيعين
طلب منك عام 1416هـ - 1995 م إلقاء محاضرات لمدة 3 ساعات في دورة نظمها للمذيعين المركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني في دمشق حول «مسائل لغوية» دون أن يحدد هذه المسائل، رأيك من خلال تجربتك الإعلامية ما هي المسائل اللغوية والنحوية التي يحتاج إليها المذيع؟
- ما أشرتم إليه من أنني في التاريخ المذكور حددت لي ثلاث ساعات لمسائل لغوية تتعلق بعمل المذيع دون تحديد لتلك المسائل، هو ما دعاني لتأليف كتابي «كيف يصون المذيع لسانه من الخطأ؟»، لأنني من خلال تجربتي الإعلامية وممارستي الإذاعية عرفت ما يحتاج إليه المذيع في صناعته ليسلم لسانه من الخطأ، فهو يحتاج إلى بعض مسائل اللغة وأبوابها إضافةً إلى مسائل أخرى لينطق نطقاً صحيحاً سليماً من الخطأ، فهو يحتاج إلى النحو والصرف لضبط الكلمة كما يحتاج إلى المعجم القرآني لضبط النص القرآني ولمعجم الحديث لضبط النص الحديثي ولمعجمات الأعلام والأماكن لضبطها، وللصوتيات لإخراج الحروف من مخارجها الصحيحة، وإلى معاجم اللغة لمعرفة الدلالة الدقيقة للكلمة، ولذا رأيت أن أرشد المذيع أو المقدّم إلى المصادر والمراجع في كل ذلك لتكون بين يديه في مكتبة صغيرة، يرجع إلى كل منها بحسب حاجته.
وقد اخترت أيسر الكتب التي يسهل الرجوع إليها ويؤدي الغرض، وابتعدت عن الكتب الصعبة أو المطولة، فالهدف أن يصل المذيع إلى النطق الصحيح للكلمة ليحمي لسانه من الخطأ، وقد جاء الكتاب في فصول حسب ذلك: فصل في ضبط نصوص القرآن الكريم، يليه فصل في ضبط الحديث الشريف، تم فصول في الضبط النحوي والصرفي، وفي ضبط بنية الكلمة (المعاجم)، وفي ضبط المعرَّب قديماً وحديثاً، وفي الفروق اللغوية، وفي التصويب اللغوي، وضبط الألفاظ الأجنبية الحديثة، والضبط الصوتي، وضبط أسماء المواضع والأعلام، وفي كل منها ذكرت المصادر لذلك، وكان ذلك في زمان تأليف الكتاب، أما الآن فقد يسرت الشبكة (الإنترنت) كثيراً على المذيع، فهو يستطيع الوصول إلى ضبط ما يحتاج إليه في وقت وجيز من خلال جواله.
إلغاء مواد التحرير العربي
من الملاحظ أن هناك إلغاء وتقليلاً للمواد العامة للطلاب في الكتابة والتحرير العربي على مستوى جامعاتنا في الكليات العلمية (الطب والهندسة)، ما خطورة ذلك التوجه على لغة الضاد؟
- لا أعرف مستوى تدريس الكتابة والتحرير في الكليات العلمية، ولكن الذي أعرفه أن أول ما يبدأ به الأستاذ المشرف في الجامعات الأجنبية مع طلابه الأجانب هو تصحيح الأخطاء اللغوية، ولا يقول: إن الطالب يدرس فيزياء (مثلاً) ولا شيء عليه إن كتب بلغة خاطئة، والملاحظ أن بعض المتخصصين علمياً لا يستطيع أن يعبر عن فكرته باللغة العربية، والموضوع ليس في المصطلحات التي لا تتغير بل في التعبير عن الفكرة أو كتابتها أو تكون لغته في الكلام مزيجاً من لغتين، فلا العربي يفهم ما يقول، ولا الأجنبي يفهم منه.
** **
@ali_s_alq