لقد شعرت في نهاية اختباري لدبلوم»اللغة العربية»بالسعادة؛ والأمل يحدو ركابي نحو التغيير والتجديد في ثقافتي المعرفية.
وكانت أيام جميلة قضيتها مع «لغة الضاد»، ويكمن الجمال فيها باستعدادي اليومي في القراءة والتحضير لكل مادة مقررة علينا.
فيالها من أيام بهيجة عشتها مع لغة الضاد وعلومها (النحو والبلاغة وعلم الصرف وغيرها) من تلك العلوم المعرفية المثرية بفوائدها وجمالها وشواهدها ويصدق فيها قول الشاعر احمد شوقي:
إنّ الّذي ملأ اللغات محاسنًا
جعلَ الجمالَ وسرّه في الضّاد
تعرفت على جمالها وسحر أنغام حروفها وكلماتها ووقعها على القلب، وعشقتها ودخل في قلبي حبها لفصاحتها وبلاغتها لكونها لغة القرآن التي قال عنها رب العزة والجلال في كتابه الكريم: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
وإذا تفاخرت الشعوبُ بما أتى
بلغاتها، وبمنطق الأفواهِ
فلنا الذي لايبلغون جماله
لغةٌ بها يُتلى كلامُ اللهِ
و»اللغة العربية» بجميع فنونها بحر لا ساحل له مهما انغمست فيه فلن تقدر أن تخرج منه ولو قضيت عمرك كله في السباحة بين أمواجه، وقد اختارها الله تعالى وأنزل بها خاتمة كتبه، وجعلها لسان خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضلهم، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.
قال الله عز وجل: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ).
ولقد أوصانا الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتعلم اللغة العربية حيث قال: «تَعَلَّموا العَرَبيَّةَ» .
ولأهمية اللغة العربية ولكونها لسان العرب الناطق قال عنها الإمام الشافعي رحمه الله:”اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد -صلى الله عليه وسلم- ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأولى”.
وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني وتوليداً للكلمات وهي شعار الملّة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم» (ص203) : «فإنّ اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون» .
وتُعتبر اللغة العربية لغة غنية عزيزة أبية حيث إن لها العديد من المِيزات وهي لغة العذوبة والمعاني الرقيقة فهناك ملايين الأبيات قد كُتبت بها؛ ومنها شعر الوصف والغزل والرثاء والحب والهِجاء والحزن..
و»اللغة العربية» من أقدم اللغات التي مازالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب وصرف ونحو وأدب وخيال مع الاستطاعة في التعبير بكل الصيغ والمعاني والمرادفات عن مدارك العلوم المختلفة.
وتنقسم علوم»اللغة العربية» إلى ثلاثة أقسام ذكرها شيخنا الدكتور سليمان العيوني:
«القسم الأول: علوم تصحيح؛ وهي التي تصحح الكلام وتقي من الخطأ.
وتشمل علم النحو، وعلم الصرف، وعلم متن اللغة.
القسم الثاني: علوم تفصيح؛ وهي التي ترتقي بالكلام من التصحيح إلى مراتب الفصاحة والبلاغة.
وتشمل الأدب والبلاغة وفقه اللغة.
القسم الثالث: علوم تخصص؛ وهي بقية علوم اللغة العربية والتي يختص بدراستها كعلوم الخط والإملاء وقوانين القراءة والنقد ونحو ذلك».
ومن أبرز ماتقرر علينا دراسته من هذه العلوم في الدبلوم على سبيل المثال:
علم النحو: وهو من أهم علوم اللغة العربية لدوره الكبير في فهم مقاصد الكلام والتراكيب اللغوية ومعرفة مدى قوتها من ضعفها وصحتها من سقمها:
النحو يبسط من لسان الألكنِ
والمرء تكرمه إذا لم يلحنِ
وإذا طلبت من العلوم أجلّها
فأجلّها منها مقيم الألسنِ
قال الإمام السيوطي رحمه الله: «من فاته علم النحو فاته المعظمُ».
وقد قيل في النظم:
مَن فاتَه النحوُ فذاك الأخْرَسُ
وفهمُه في كل عِلْمٍ مُفلِسُ
علم الصرف:
وهو حفظ اللسان من الخطأ في قراءة القرآن وهو يدرس أبنية الكلمة العربية وأحوالها وأحكامها غير الإعرابية.
وقد أطلق عليه بعضهم علم التصريف.
وتلك الكلمة مستوحاة من القرآن الكريم في قول الله عزّ وجل”وتصريف الرياح”.
حاولتُ صرفَ فؤادي عن محبّتكم
لكنّه كان ..(ممنوعاً من الصرْفِ)!
علم البلاغة:
هي لغة تنبئ عن الوصول والانتهاء، قال تعالى:« ولّما بلغ أشدَّه» أي وصل. وهي اسم مشتق من فعل بلغ، بمعنى أدرك الغاية أو الوصول إلى النهاية.
والبلاغة تدل في «اللغة العربية» على إيصال معنى الخطاب كاملًا إلى الشخص الآخر، سواء أكان سامعًا أم قارئًا.
ويُقسّم علم البلاغة إلى ثلاثة أقسام، وهي على النحو الآتي:
-علم المعاني: هو العلم الذي يُعرَف من خلاله أحوال اللفظ العربيّ، والتي بها يُطابق مقتضى الحال.
-علم البيان: هو العلم الذي يُعرف من خلاله إيراد المعنى الواحد بطرق متعددة، ويكون ذلك عبر وضوح الدلالة عليه.
-علم البديع: هو العلم الذي يُعرف به وجوه تحسين الكلام، وذلك بعد مراعاة تطبيقه على مقتضى الحال، ووضوح الدلالة.
ويُعدُّ علم البلاغة فضيلة تسمو على غيرها من الفضائل؛ إذ افتخر النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم بهذا العلم، ومِن البلاغة إيصال الكلام بإيجاز على حد قول الشاعر:
مَا الجودُ عَن كَثرَةِ الأَموالِ وَالنَّشَبِ
وَلَا البَلاغَةُ فِي الإِكثارِ وَالخُطَبِ
وَلَا الشَجَاعَةُ عَن جِسمٍ وَلَا جَلَدٍ
وَلَا الإِمارَةُ إِرثٌ عَن أَبٍ فَأَبِ
لكِنَّها هِمَمٌ أَدَّت إِلى رِفَعٍ
وَكُلُّ ذَلِكَ طَبعٌ غَيرُ مُكتَسَبِ
المعاجم: وهي كل قائمة تجمع كلمات في لغة معينة، على نسق منطقي معين، وتهدف إلى ربط كل كلمة منها بمعناها، وإيضاح علاقتها بمدلولها.
إن المعاجم ثروة علمية
وبها المعاني تُبانُ وتُعرفُ
وللمُعجم العربي فضل ودور كبير في حفظ «اللّغة العربيّة» والحفاظ على رونق لغة القرآن الكريم التي تتّصف بالبلاغة والإيجاز.
وقد عرف المستشرقون أهمية «اللغة العربية» ومنزلتها وسعتها فقالوا في تعظيمها ما شهد به الأعداء .. ومنهم:
- جوستاف جرونيباوم حيث قال : «عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- أنزلها قرآناً عربياً والله يقول لنبيه: صلى الله عليه وسلم{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} وما من لغة تستطيع أن تطاول اللغة العربية في شرفها».
- جورج سارتون المؤرخ البلجيكي قال: «وهبَ الله اللغة العربية مرونةً جعلتها قادرةً على أن تدوّن الوحي أحسن تدوين بجميع دقائق معانيه ولغاته، وأن تعبّر عنه بعباراتٍ عليها طلاوة وفيها متانة».
- بارثلمي هربلو قال: «إن اللغة العربية أعظم اللغات آداباً وأسماها بلاغة وفصاحة وهي لغة الضاد».
فعلى المسلم أن يعرفَ أهميةَ هذه اللغة ومكانتها، وأن يعتز بلغته العربية لا بغيرها من اللغات، حيث إنها منبر الثقافة الحقيقي، فتلك اللغة شهدت العديد من الحضارات، وسردت آلاف الكتب، ونظمت معلّقات الشعر، وكتبت مقامات الأدب، وكانت ولازالت أم اللغات.
فالثقافة الحقيقة باللغة العربية لا يمكن اكتسابها من مواقع التواصل الاجتماعي بل موقعها الحقيقي تلك الكتب التي غلفها التراب في المكتبات ومجالس العلم.
مجالس العلم تروي كل قصتنا
إن قلت حدثنا يحيى وسفيانُ
فيجب علينا أن نعلمَ أنَّ «اللغةَ العربية» بحرٌ لا تكفي السباحة فيه، بل أن نغوصَ في مكنونِه ومعانيه، ونستخرج مفرداته الجميلة والبديعة التي تصنعه وتُلبسه لِباسًا جذابًا.
لغة حباها الله حرفًا خالدًا
فتوضعت عبـقًا على الأكوان
وتلألأت بالضاد تشمخ عـزةً
وتسيل شهدًا في فم الأزمان
وقد استقر في نفسي بعد دراستي في «دبلوم اللغة العربية» عظم شأن هذه اللغة ومنزلتها من علوم الإسلام ، فهي إقليد خزائن العلم ، وآلة للفقه والإستنباط ، وذخيرة للمجتهد، ومدخل لجميع العلوم والمعارف، فيالها من كنز ثمين، وصيد وفير، لمن تعلو به الهمة في الجد والطلب.
** **
- منى بنت سعود الشعلان