مالك بن نبي

حياة كاتب...

وكاتب حياة

إذا «الشخص» يوماً أراد الحياة...

فلا بد أن يستجيب القدر..

عذرًا أيها «الشابي»....

حياة مالك قررت أن أغير البيت قليلاً...

في كتاب يهرب فيه بن نبي من المواجهة مع قرائه بطريقة طرح فريدة على أنه مجموعة أوراق رماها شخص بجانبه وهو يصلي في المحراب، وكأنه يريد أن يشير إلى أن هذه المذكرات لا تخص حياته فقط، ولكنها قصة حياة كل جزائري عاش تلك الفترة.

تبدأ الحكاية بذكريات الطفولة والمراهقة، وجدَّته التي لها الدور الأكبر في تنشئته فكرياً، ومعلمته «مدام بيل» والتي حكى عنها كلاماً جميلاً ينمُّ عن وفاء، والتي لم تستوعب إنها كانت تدِّرس أحد أفضل مفكري العرب والمسلمين في القرن العشرين.

ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن رحلته من مدينة تبسه إلى باريس بالبحر، في تجربة يراها البعض شاقة، ولكنني أراها حياة ممتعة، حيث تنتقل الباخرة أيامًا تعيش فيها تجربة السفر، ثم تقف في مدينة تنزل فيها يوماً وليلة لتكتشفها. إنها حياة تعيش فيها الحياة بكل تفاصيلها. رحلة ابن نبي إلى باريس عبر الباخرة تعبّر عن روح مغامرة حلوة، أجمل ما فيها أنه توقف في اللحظة المناسبة فكما أن اتخاذ الفعل قرار، فإن التوقف عنه قرار آخر!

ويعود إلى المغامرة ثانية نفسها، «وأقلتني الباخرة بعد أيام ثلاثة إلى عنّابة في طريقي إلى باريس» ويتضح فارق السن ووضوح الهدف هذه المرة. الرحلة الأولى كانت طيش مراهق دون هدف واضح، أما هنا فالوصول كان «وسيلة» لتحقيق الهدف. من يريد الوصول إلى القمة لا بد من وضوح الهدف عنده، فالحياة قرارات من يريد أن ينجح فيها عليه أن يتخذها. وهذا يؤكد دور الجراءة في تحقيق النجاح فعندما قرر السفر كان شاباً صغيراً.

تميّز ابن نبي بحس إسلامي مرتفع، ظاهر بين جوانحه، يظهر في كل صفحة وأحياناً في كل سطر. ففي قصة أوردها عن أشخاص استضافوه وصديقه في مقهى أثناء رحلته الأولى في باريس عندما لم يجدا مأوى، نسب ذلك إلى روح «إسلامية» أكثر من كونها «عربية شعبوية»، مؤكداً كذلك على أن الإسلام هو الذي صقل الأخلاق.

يشير المؤلف إلى الملك عبدالعزيز -رحمه الله تعالى- باعتباره الأمل الذي يعيد مجد الأمة الإسلامية، الذي يترقبه مفكروا الأمة في ذلك الوقت، وعندما يؤكد أن حركة الملك عبدالعزيز التصحيحية «لتحرير العالم الإسلامي المنهار منذ سقوط خلافة بغداد»، فهذا كلام كبير لأسباب عدة، أولها: تهميش ما يقارب من 600 سنة من حكم بني عثمان.

ثانياً: الملك عبدالعزيز شكل أملاً وحلماً لكثير من مفكري العالم الإسلامي في تلك الفترة، كشعاع نور انبثق من بعيد ليكون قائداً مجدداً، وبطلاً جديداً يعيد للأمة الإسلامية مجدها.

ثالثاً: التأكيد على ارتباط المسلمين بالجزيرة العربية كمهد الإسلام.

أخيرًا...

الكتاب جميل يحكي ذكريات إنسان أجمل، بأسلوب لا يقل جمالاً عن مؤلفه...

ما بعد أخيراً...

حياة الناجحين والعظماء أساسها الجراءة والتحدي... وملخصها حروف «راءة».. قـ«راءة»، وجـ«راءة».

** **

- خالد الذييب