إذا عرَّفنا الدهشة بأنها شعور يعتري الإنسان عند حدوث أمر غير متوقع، أو غير متوقع في وقت حدوثه، أو غير متوقع بهذا الحجم أو بتلك القوة، فإن معنى ذلك أن يستمر حصول الدهشة طوال حياتنا. لكن الواقع يقول خلاف ذلك حين نلحظ قلة حصولها في واقعنا، حيث يفترض أن تحصل عند الوقوع على معلومة جديدة. ولا يقتصر حصول الدهشة على الأحداث والمواقف بل يتجاوزها إلى الأفكار والمعلومات، ومنها أيضًا قراءة الكتب، حيث يعد كل خروج عن المألوف فيه دهشة.
فبينما هناك من الكتب ما يبقيك في حالة مستمرة من الدهشة تبدأ حين شراء الكتاب ولا تنتهي عند آخر سطر فيه، هناك في المقابل كتب لا يكاد القارئ يشعر بالدهشة فيها. وبين هذا وذاك تتفاوت مستويات الدهشة التي تخلقها الكتب في نفوس القراء، وهو ما يتناسب مع نجاحها.
وقد تسهم الدهشة في استدامة القراءة حين تصل علاقة القارئ بكتاب ما أن يجده كقارة شاسعة مترامية الأطراف لا مجرد كتاب؛ فيصطحبه معه في كل مكان حتى إلى غرفة نومه، وأن يستبدله باللحاف، وأن يتدثر به أو يتوسده طمعًا في استمرار الدهشة من أي نوع، وأن ينسحب ذلك نحو كتب أخرى شبيهة به. في حين يتسبب غياب الدهشة في الخمول والدعة واللامبالاة والركون إلى الراهن؛ لأن معنى ذلك أن يصبح الكتاب حينها لا يستحق العناء.
وهكذا يمكن أن تدفع القراءة إلى الدهشة كما تدفع هذه الأخيرة نحو مزيد من القراءة، خالقة حالة من التدافع الإيجابي بين الفعلين لا يكاد يتوقف أبدًا إلا عند حافة القبر. تشبه هذه الدهشة في جانبها الإيجابي ما ينتاب الأطفال حين يواجهون مواقف الحياة بدهشة محاولين اكتشاف الجديد بفضول لا نهاية له، تجعل أدمغتهم متفتحة على كل شيء.
أما عند الفلاسفة فإن فاقد الدهشة كائن ميت؛ لأن الفيلسوف يعيش على الدهشة ويتنفس بالانبهار ويرفض التعود، حيث تدفعه لطرح الأسئلة، وأما انعدامها فيسبب الخمول الفكري.
*إن عملية الإبداع السحرية المخيفة، تجعل من المبدع نوعًا من طفل يحمل دهشته ورعشته أمام الجديد أبدًا. حنا مينة.
** **
- يوسف أحمد الحسن