يمثل الاهتمام بالحرمين الشريفين وقاصديهما، أولوية لدى القيادة الرشيدة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها. وبمناسبة الذكرى العاشرة لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز نستعرض أبعاد هذا الاهتمام بالحرمين والمشاعر المقدسة منذ عهد الملك المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وهو نهج سار عليه ملوك البلاد حتى هذا العهد الزاهر الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث يتابع عنايته بالحرمين الشريفين والمشاعر من خلال زيارات ميدانية لمكة المكرمة والمدينة المنورة لمتابعة مشاريعها والعناية بها، وهو ما أكد استمرارية النهج الذي قامت عليه بلادنا منذ تأسيسها، وهو العناية والاهتمام بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، لتمكين الحجاج والمعتمرين من أداء مناسكهم بيسر وسهولة.
وتعد توسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي درة الأعمال التي اضطلعت بها المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين منذ تأسيسها، حيث يأتيان في مقدمة الاهتمامات الكبرى للمملكة، انطلاقاً من إيمانها العميق بشرف خدمة الأماكن المقدسة..
حيث بدأت جهود التوسعة الكبرى للحرمين الشريفين في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عندما أدرك الحاجة إلى توسيع الحرمين لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج والمعتمرين وذلك في عام 1925، حيث أمر الملك عبدالعزيز بإجراء أول توسعة كبيرة للمسجد الحرام، والتي شملت ترميم وتوسعة المسعى بين الصفا والمروة، وتوسيع المساحات المحيطة بالكعبة المشرفة. كما شملت التوسعة تحسين الإضاءة وتوفير الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء.
وفي عهد الملك سعود بن عبدالعزيز، استمرت جهود التوسعة لتشمل بناء المظلات وتوسيع المساحات المحيطة بالحرم. كما تم تركيب إضاءة حديثة وتحسين نظام الصوت لتسهيل وصوله لكافة أرجاء الحرم كما تم توسعة المسعى مما سهل حركة الحجاج، لتستمر بعد ذلك جهود التوسعة في السنوات اللاحقة حيث شهدت فترة حكم الملك فيصل توسعات كبيرة في الحرمين الشريفين، وتمت إضافة طابقين جديدين للمسعى، وتم استكمال بنائها في عهد الملك خالد الذي شهد أيضاً بناء ساحات خارجية جديدة. كما تم تركيب أنظمة تبريد وتكييف حديثة لتوفير بيئة مريحة للحجاج والمعتمرين خلال أشهر الصيف. وكانت هذه التوسعات خطوة كبيرة نحو تحسين قدرة الحرمين على استقبال الأعداد المتزايدة من الزوار.
وفي عهد الملك فهد تم اطلاق أكبر توسعة للحرمين الشريفين في ذلك الوقت حيث أمر بتوسعة الحرم المكي بشكل كبير لتشمل بناء أروقة جديدة وساحات إضافية، مما زاد من قدرة المسجد الحرام على استيعاب الملايين من الحجاج والمعتمرين.
وفي المدينة المنورة، شملت التوسعة في عهد الملك فهد زيادة كبيرة في مساحة المسجد النبوي، مما سمح باستيعاب المزيد من المصلين، وتم بناء مظلات ضخمة في الساحات الخارجية للمسجد النبوي لتوفير الراحة للمصلين، وتحسين نظام التكييف والتبريد داخل المسجد.
وفي عهد الملك عبدالله تم إطلاق مشروع توسعة الحرم المكي الذي يعد الأكبر في تاريخ المسجد الحرام. تضمنت هذه التوسعة بناء مبانٍ جديدة وتطوير المسعى ليصبح مؤلفًا من ثلاثة طوابق، وزيادة سعة الحرم لاستيعاب أكثر من مليوني مصل. كما تم تطوير منطقة الجمرات في منى لتسهل على الحجاج رمي الجمرات بأمان وسلاسة، حيث تم بناء جسور متعددة الطوابق لتوزيع الحجاج على مستويات مختلفة، مما يقلل من الازدحام ويضمن سلامة الحجاج.
وفي المسجد النبوي، استمر العمل على زيادة الطاقة الاستيعابية من خلال توسعة الساحات المحيطة وبناء مظلات ضخمة تغطي المساحات الخارجية، وتطوير المرافق والخدمات داخل المسجد لضمان توفير أعلى مستويات الراحة للمصلين.
وفي العهد الزاهر عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، استمرت المملكة في تنفيذ مشاريع التوسعة الكبرى للحرمين الشريفين. حيث تركزت هذه الجهود على تنفيذ المرحلة الثالثة من توسعة الحرم المكي، والتي شملت توسعة ساحات المسجد الحرام وبناء مبانٍ جديدة للخدمات والمرافق، كما تم تطوير منطقة المطاف حول الكعبة لتسهيل حركة الطائفين وزيادة سعة المطاف.
إضافة إلى ذلك، تم التركيز على تطوير البنية التحتية في مكة المكرمة والمدينة المنورة لدعم مشاريع التوسعة، مثل بناء أنفاق وجسور جديدة لتسهيل حركة الحجاج والمعتمرين، وتطوير منظومة النقل العام، بما في ذلك مشروع قطار الحرمين السريع الذي يربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة، مما يسهل انتقال الحجاج والمعتمرين بين المدينتين.
الخدمات الصحية
وإلى جانب جهود التوسعة، عملت المملكة على تقديم أفضل الخدمات للحجاج والمعتمرين لضمان راحتهم وسلامتهم أثناء أداء المناسك. تشمل هذه الخدمات مجموعة من الإجراءات والمشاريع التي تم تنفيذها ومنها الخدمات الصحية حيث تولي المملكة أهمية كبيرة لتوفير الرعاية الصحية للحجاج والمعتمرين. فقد تم بناء مستشفيات ومراكز صحية متطورة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، مجهزة بأحدث الأجهزة الطبية والكوادر البشرية المدربة للتعامل مع الحالات الطارئة.
خلال موسم الحج، يتم نشر آلاف الأطباء والممرضين في مختلف المواقع لخدمة الحجاج وتقديم الرعاية الطبية لهم على مدار الساعة.
خدمات النقل
أولت المملكة اهتمامًا كبيرًا بتطوير خدمات النقل للحجاج والمعتمرين، من أبرز مشاريع النقل مشروع قطار الحرمين السريع الذي يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ويمر بجدة ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، كما تم تطوير شبكة طرق وأنفاق وجسور لتسهيل حركة المركبات وتقليل الازدحام. بالإضافة إلى ذلك، يتم توفير خدمات نقل مجانية داخل مكة المكرمة والمدينة المنورة خلال مواسم الحج والعمرة لتسهيل تنقل الحجاج إضافة إلى توفير شبكة طرق بين المشاعر عبر مشروع قطار المشاعر.
التوسعة السعودية الثالثة
الجدير بالذكر أن المشروع الشامل للتوسعة السعودية الثالثة الكبرى للمسجد الحرام التي تتم حالياً في هذا العهد الزاهر يشتمل على المكونات الرئيسة، وهي: مبنى التوسعة الرئيسي للمسجد الحرام، وتوسعة المسعى الذي افتتح سابقاً، وتوسعة المطاف والساحات الخارجية، والجسور، والمساطب، ومجمع مباني الخدمات المركزية، ونفق الخدمات، والمباني الأمنية، والمستشفى، وأنفاق المشاة، ومحطات النقل، والجسور المؤدية إلى الحرم، والطريق الدائري الأول المحيط بمنطقة المسجد الحرام، والبنية التحتية التي تشمل محطات الكهرباء وخزانات المياه وتصريف السيول.
وقد دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز العديد من المشاريع الرئيسة، ومنها مشروع مبنى التوسعة الرئيسي، ومشروع الساحات، ومشروع أنفاق المشاة، ومشروع محطة الخدمات المركزية للحرم، ومشروع الطريق الدائري الأول، وتدشين ما تبقى من مشروعات، هي: مباني توسعة المطاف بكامل تجهيزاتها ومرافقها، وكذلك مباني المساطب، والمباني الأمنية، والمستشفى؛ ليقفز معها استيعاب المسجد الحرام إلى أكثر من مليوني مصلٍّ.
هذا واشتمل المشروع على ستة أدوار للصلاة، و(680) سلماً كهربائياً، و(24) مصعداً لذوي الاحتياجات الخاصة، و(21.000) دورة مياه ومواضئ.
وتضمن المشروع إنشاء 78 باباً أوتوماتيكياً تغلق بالتحكم عن بُعد، تحيط بالحرم في الدور الأرضي، كما يشتمل مشروع توسعة الحرم على أنظمة صوتية متطورة من خلال تزويد الحرم بأكثر من أربعة آلاف سماعة للصوت، هذا عدا عن كاميرات المراقبة المتطورة.
واشتمل المشروع على تنفيذ أكبر توسعة لصحن المطاف، التي يسرت للحجاج والمعتمرين أداء شعيرة الطواف، وحقق قفزة ونقلة نوعية في مستوى منظومة الخدمات التي تقدمها المملكة للمسجد الحرام وقاصديه، ولم يقتصر على استيعاب مضاعفة أعداد الطائفين، بل تجاوز ذلك إلى جودة وتنوع الخدمات التي وفرها المشروع، فضلاً عن تلبية الفراغات الداخلية ومسارات الطواف لكل المتطلبات الوظيفية والتشغيلية لجميع المستخدمين، بما في ذلك كبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة، من خلال منظومة حركة مستقلة ومتكاملة، فأصبح يتسع إلى (105) آلاف طائف في الساعة.
المسجد النبوي الشريف
وفي المدينة المنورة يحظى مشروع توسعته وتطوير المسجد النبوي الشريف وتطوير المناطق المحيطة به اهتماما كبيرا حيث شمل مشروع التوسعة الكبرى للمسجد النبوي الشريف وتطوير المناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى المشاريع المتزامنة مع مشروع التوسعة، التي تصب جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، وكذلك خدمة أهالي المدينة المنورة وزوارها.