في مجالسنا العربية تأخذ الحكاية والأقصوصة مكانها بيننا، فمن خلالها يبدع كبار السن في تحديد ما يرمون إليه وما يحاولون إيصالة مما لا قدرة للكلام المباشر به، ودائماً ما أطرح على نفسي سؤالاً ولكني أؤجل بحثة، وهو كيف تطورت الحكاية أو الرواية بشكلها الحالي؟ وما مراحل تطورها؟ وعندما قررت البحث صدمت بغزارة التقليدية في الإجابة على فحوى هذا السؤال إلى أن قرأت أهم كتابين في وجهة نظري بشقة العربي والغربي والتي تناولت وأشبعت هذا السؤال جواباً.
ففي افتتاحية فصل الحس الواقعي في كتاب «في الرواية» يكتب لنا أميل زولا النتيجة على قمة السطر الأول «في الماضي كان أجمل ثناء يمكن أن نخص به روائياً في القول: إنه يتمتع بمخيلة. أما اليوم يعد مثل هذا الثناء انتقاداً. ذلك أن جميع شروط الرواية قد تغيرت. ولم تعد المخيلة هي الخاصية الرئيسية للروائي». وبعد أسطر قليلة يضع زولا فضل التطور لروائيين كالفرنسيان لبلزاك (1799-1850) وستندال (1783- 1842) فهما بوصفه العظيمان لأنهما رسما ملامح حقبتيهما وليس لأنهما أبدعا حكايات، «هما بالذات من قادا هذا التطور فانطلاقا من أعمالهما ولم تعد المخيلة شيئاً ذا بال في الرواية، ثم ضرب لنا مثال للتطور من عالم أخر عندما أورد أسماء روائية كالفرنسي المعروف غستافو فلوبير (1821 – 1880) وألفونس دوديه (1840- 1897) وقال «إأن مواهبهم لا تنبع مما يتخيلونه بل من قدرة كل منهم على تصوير الطبيعة بقوة». فالوقائع بوصفة ليست إلا تطورات منطقية للشخوص، فالأمر الأساسي هو تحريك كائنات حية وجعلها تلعب أمام نظر القراء الكوميديا أو الملهاة الإنسانية بأكبر ما يمكن من الطبيعية. ذلك أن كل جهود الكتاب تنحو إلى إخفاء المتخيل تحت رهاب الواقع .
ويبدع لنا ميشال بوتور وهو من أعم كتاب الرواية الجديدة لفكرة الرواية المعاصرة بشكلها حيث يقول «وفي وقتنا الحاضر لا يوجود لشكل أدبي يتمتع بالقوة التي تتمتع بها الرواية، إذ إننا نستطيع أن نربط بها بطريقة دقيقة كل الدقة حوادث حياتنا اليومية التي لا قيمة لها في الظاهر والأفكار والحدس والأحلام التي هي ظاهرياً أكثر ما تكون بعيداً عن لغتنا اليومية».
ويرى الدكتور الطيب بو عزة في كتابة «ماهية الرواية» بأن الرواية منذ تأسيسها ما طلبت غير سبر لغز الكائن وفرادتها تتحدد في كون أسلوب سبرها متعددة ومتداخلة، وهنا يوسع بو عزة تشعب الإجابة ويجعل بأن تطور الرواية هو بقدرتها على أن تطرق كل لون وإضفاء الصيغة البشرية والإنسانية عليه.
** **
- إبراهيم المكرمي