كتب الأستاذُ عبد الله بن خميس معجماً للمواضع في أرض اليمامة، وكرّر ذكر مشاهدات لم تعد موجودةً، ولا تسعفنا به صورة، فرصدتها، وأضفت إليها من المعجم ما يعكس وفاء ابن خميس لليمامة، ولذلكم العهد وأهله، وبعض أخبار استحسنت ذكرها.
كان -رحمه الله - يتردّد على الرياض قادماً من بلده الدرعية وهو غلامٌ على ظهر جمل سنة 1350 - 1356هـ تقريباً، يسير رويداً رويداً، ويَطلّ عليها وعلى زروعها من مرتفعاتها الشمالية الغربيّة، وتتبدّى له شيئاً فشيئاً كلّما اصّعّد، حتى تكتمل دائرتها الطينيّة في عينيه، تُحيط بها الخُضرةُ من كل جانب، وتبدو له كدينار ذهب وسط كساءٍ أخضر، فيقف هنيهةً، يرنو بطرفه، ويُغذّى بصره، ثمّ ينحدر، وتغيب خضرتها الجنوبية عن ناظريه، ثمّ دائرتها الطينية، ويحلّ محلّها رؤوس نخيل باسقات، ترتفع عنه كلّما اقترب، وتُشنّف آذانه أصوات طيور، تزدادُ قوّةً في سمعه مع اقترابه، وتختلط بأصوات نواعير الماء، ورُغاء السواني، ثم يقطعها صياحُ محّالةٍ يُذكّر بآباءٍ عاشوا قبلُ في شقاءٍ وهناء، وبلاءٍ وعطاء، وحُزنٍ وفرح.
وكانت مدينة الرياض وزروعها المحيطة بها - بحسب ما عهده ابن خميس - تُشكّل شبهَ دائرةٍ منخفضةٍ، وسطَ شبهِ دائرة من الجبال المتطامنة، أو ما يُسمّى بالحزون، جمع حزن، وذكر مسمّياتها، ففي شرقها: جبل أبي غارب الممتد من الشمال إلى الجنوب، وفي شمالها والشمال الغربيّ والغرب: مرتفعات الوشام، والشميسي، وأمّ سليم، وفي جنوبها: حَزن خنشليلة وغيره (1/294، 490-491)(1). وسيل المرتفعات الشمالية والشرقية يتحدّر وينساق بين جنبات وادٍ يُقال له أبو رفيع، ويدخل نخيلَ البلدة وزروعها، ويصبُّ في وادي البطحاء، ويخرج من جهة جنوبها، وفي سنة 1328هـ، دخل بصورة أكبر من المعتاد، فأضرّ، وتهدّمت بيوت، ولذلك أمر الملك عبد العزيز ببناء يوجّه جريان السّيل إلى وادي البطحاء، وعُرفت تلكم السنة بِـ(سنة أبو رُفيع)، وهي قبل ولادة ابن خميس بإحدى عشرة سنة، إلا أنّه رواها متخوّفاً، كأنّه منذر جيش، وضرب مثلاً سائراً، وهو قول الشاعر الخلاوي: (وادٍ جرى لا بُدّ يجري من الحيا إما جرى عام جرى عام عايد)، وتخوّفه يعكس تخوّفَ أهل الخبرة في زمنه، وهو محلّ اهتمام الملك سلمان بن عبد العزيز لما كان أميراً للرياض، أو كما يلقّبه ابن خميس: (أمير اليمامة) (2/474)، ولهذا اهتمّ أيّده الله ببنية الرياض التحتية، واستحضر تضاريسها مع تمدّد وسرعة حراك العمران فيها(2).
يقول ابن خميس: (عهدت الرياض يحوطها سورٌ لا يتجاوز خمسة كيلومترات، وتتخلّله أبراج مراقبة (مقاصير)، وأبواب (دراويز)؛ كالثميري، ودخنة، وابن سويلم، والظهيرة، والبديعة، تُغلقُ وتُفتحُ في أوقات معلومة) (1/294، 474)، ونقطةُ تجمّع القوافل يكون خارج البلد، وتحديداً في وادي البطحاء، وهو حيٌّ من أحياء الرياض اليوم، ويراهم الخارج من دروازة الثميري جنوباً، وكانت البطحاءُ وادياً يُعمر بالخيام وحركة الإبل المحمّلة بكساء، وغذاء، أو بأصحاب عاداتٍ وأُعطيات من بادية وحاضرة، أو بغُزاة قافلين أو نافرين، وقطعانِ أغنام هنا، وهناك، وخيولٍ تذرع الوادي جيئةً وذهاباً، إمّا مُهداة، أو مُعطاة، أو ذاهبة للحلبة، أو تستعدّ لغزو، أو آيبة منه، ولا بُدّ من رؤية حمولٍ متفرّقة من أقط وسمن، وما تخرجه أرض الجزيرة، وتصنعه أيدي أهلها. يقول ابن خميس وهو يتذكّر ذلك المشهد: (وفي موضع البنك الأهلي الآن: حوضٌ مُستطيلٌ تُمدُّه بئرُ (الحسي) بالماء، عن طريق (السواني)، ويتدافع عليه السُّقاةُ والرُّعاةُ بإبلهم، يُقابله من الجنوب الغربيّ دروازةُ الثميري، تُفتح بعد صلاة الفجر، ويتدافع الناس عليه، وإذا جاءت الساعة التاسعة ليلاً؛ أُغلق كما تُغلق سائر أبواب المدينة، وتظلُّ البطحاءُ مُجتمعاً للغادين والرّائحين. هذان مظهران من مظاهر الحياة في هذه البطحاء في مدّةٍ لا تتجاوز أربعين عاماً، والغيبُ يُظهر في طيّاته عجائب، فسُبحان من هو كلّ يومٍ في شأن) (1/ 164)(3).
وكان ابن خميس وغيره إذا دخل من دروازة الثميري؛ أخذه الدرب إلى مركز البلدة، حيث موقع الإمارة اليوم وجامع الإمام تركي بن عبد الله تقريباً، تحفّ بهما محالٌّ (حارات)؛ كدخنة، والدحو، والشرقية، والمعيقلية، وفي مركز المدينة: مشهدٌ معتاد ومألوف، كان السُّفّار إليها يروونه، وهو ميدان الصفاة الواسع الكبير أمام جامع الإمام تركي، تقوم على جوانبه قصور الملك عبد العزيز وآل سعود، ويمتدّ من الغرب إلى الشرق بخمسمائة متر طولاً تقريباً، في مائة متر عرضاً، وبها جميع الأسواق، موزّعة في وسطها وعلى جوانبها، ومشهد قوافل الميرة القادمة من أحساء الخير، تموّن قصر الحكم كل يوم، ويليه مشهد مناخ الوافدين الدائم والمتكرّر، يبدأ من انبلاج الصّبح، يفدون أفواجاً على مطاياهم، ويستقبلهم إبراهيم بن جميعة، ورفقته، ويُنزلونهم منازلهم، ويقابلون الإمام عبد العزيز، ويسلّمون عليه، ويرفعون إليه رغائبهم، ويبثّون شكاواهم، ويحلّ مشكلاتهم، أو يدفعها للشرع، ويأخذون أعطياتهم، إن جاءوا لأجلها، وينتهي أمرهم في يوم أو يومين، ويغادرون، ويفدُ غيرهم أفواجاً تلو أفواج أيام السّنة كلها، تصحب بعضهم إبلٌ نجيبة، وخيولٌ أصيلة، فلا تعدم سماع رغاء وغثاء، وحمحمة وصهيل، وأصوات باعة من الرجال والنساء، وعلى مرأى ومسمع؛ سوقُ إبلٍ تُركب وتُجرّب في حيّز ضيّق، تُسمع فيه جلبةٌ لا تنقطع.
ومن رافق الوافدين؛ شاهد صفوف الصّحون ذات القواعد الطويلة، تقابلها (الصياني)، في ثلاث ضيافات متدرّجة كل يوم، تُقدّم معاً، الأولى: ضيافة خريمس في القصر الشمالي المطلّ على الصفاة، والثانية: ضيافة ابن مسلّم، وهي أرقى درجة، تكون في القاعات الأرضيّة من قصر سُكنى الملك عبد العزيز، والثالثة: مائدة الملك، يكون فيها ضيوفه الكبار، وأسرته، وعليةُ القوم، وكلها تُقدّم في موعدين، الأوّل قرابة الساعة التاسعة صباحاً، والثاني في الساعة الرابعة، بعد صلاة العصر، وإذا جاءت الساعة التاسعة ليلاً: أُغلقت أبواب القصور، وتبعتها الدراويز، وصَمَتَت المدينة، وأَطبَقَ الظلام، إلا من قنديل خافت معلّق على خشبة منصوبة في أطول بناء في قصر الحكم، يُضاء بالغاز الأبيض السائل، ويعلقُ حتى الصباح (1/412، 491-492)(4).
وذكر ابن خميس مشاهد مألوفة خارج سور الرياض القديمة، منها: الموضع الذي شُيّدت فيه قصور (المربّع) سنة 1357هـ، قال: (عهدت بها آباراً متناثرةً تزرع في الشتاء، وتعطّل في الصيف)(2/352) ، وذكر (المعذر) الذي فيه مستشفى التخصصي اليوم، فقال: (كانت تعذر فيه الخيول، وبها منابت تألفها، كالنّصي، وغيره، ثمّ أصبح ممرّاً، وغُرس بجانب به نخيلٌ، واتُّخذ بها شريعة لشرب المارّة، ومسجد، وأدركت به شجرة طلح معمّرة، ذات ظلّ وطيب مقيل، ثم أدركه العمران، وقامت فيه قصور أبناء الملك عبد العزيز: فهد، ونايف، وسلمان، وغيرهم) (2/378)، وذكر النّاصريّة، فقال: (كنت أعهدها مزارع في فصل الشتاء، تنبثّ الآبار فيها هنا وهناك) (2/259)، وذكر المنصورية، جنوب الرياض، وأنّها كانت متنزّهاً جميلاً، به قصور(2/396-397)، وذكر بنبان، الواقع شمال مدينة الرياض، فقال: (اتّخذه الملك عبد العزيز حمىً لإبل الجهاد، فكانت تعجّ بما لا يُحصى من كرائم الإبل الحرائر والعمانيات والباطنيات وغيرها، فلا تسمع إلا حنيناً ورغاءً وأصوات الحداة وهزج الماتحين وضوضاء الرعاة، واليوم امّحت هذه الظاهرة تماماً) (1/181).
وذكر سيح وادي حنيفة، والسّيح: ماءٌ يجري على ظاهر الأرض، وسيح وادي حنيفة كان بحسب ابن خميس ممتدّاً من (الوَصِيل) قرب الدرعية، إلى حائر سبيع، وروى عن من أدركه أنه كان يجري، وتوضع على مواضع جريانه حجارة يمرّ عليها المشاة، وكان الوادي ملتفّاً بشجر كثيف، وبعض مواضعه يتهيّبها المارّة، ويخافون الوحوش والهوامّ (2/46)، وذكر حائر سبيع، وهو أحد أحياء مدينة الرياض اليوم، والحائر: اسمٌ للماء الذي يجد أرضاً صلبة ويبقى مدّة من الزّمن، قال عنه: (كان إلى زمن قريب غابة ملتفّة بشجر الطرفاء، والغاف، والسّلم، والعشر، وغيرها) (1/287).
وذكر العيون التي عهدها، قال: (أدركنا عيناً، تنحدر أنفاقها من أعلى الرياض، وتنقاد من خلال وادي الوتر (البطحاء)، وتصبّ في روضة، اسمها: الخِضرمة، وهي غير خِضرمة الخرج، ولمّا امتدّ العمران في الرياض، وتوسّع؛ تبيّنت أنفاق تلكم العين، وشاهدنا اتّجاه مجراها، وعُثر على نفقها تحت بناء مؤسسة النّقد بأعلى البطحاء شرقيها، فظنّه بعض الصحفيين كهفاً، ونُشر الخبر في صحيفة الرياض، وصحّحته في وقته، وبيّنت أنّها عين الخضراء) (1/37)، (2/197).
وإذا عرّف ابن خميس بالمواضع في أرض اليمامة؛ فإنّه يذكر ما اتّصل بها من أحداثٍ جسام، وأسماء أعلام، ولا يقتصر على ذكر مشاهداته، ومن ذلك: أنّه رسم للدرعية؛ فذكر خبر وفود مانع بن ربيعة المريدي على رئيس حجر والجِزعة: علي بن درع، وعمارة البلدة بعد ذلك، وما جرى عليها من تفرّق وضعف، ثمّ اجتماع على يد المؤسّس الإمام محمد بن سعود، وفضله بعد الله تعالى عليها وعلى الرياض ونجد وطول البلاد وعرضها، يقول ابن خميس: (أراد الله لهذه البلاد وأهلها بوساطته خيراً وفضلاً عميماً وتاريخاً مجيداً وعقيدة سلفية صحيحة وقوة ومتاعاً فله الحمد والشكر والمنّة) (1/42)، ورسم لـ(هضبة عليّة) القريبة من مدينة الخرج، وذكر كهفاً فيها، عُرف بغار تركي، لأنّ الإمام تركي بن عبد الله؛ لجأ إليه، واختبأ فيه، وتزوّج من امرأة من آل شامر، ووُلد له جلوي، وبقي اسم جلوي دليلاً على حُقبة تاريخيّة حرجة، مكث فيها الإمام تركي يفترش الوعر، ويأنس للوحش، ويطرب لعواء الذئب، ليس له صاحبٌ إلا سيفه الأجرب، يتقلّده إذا الصّبح تنفّس، ويبيت يحرسه إذا الليل عسعس (2/ 178، 229)، ورَسم لوادي (أبي جفان)، فذكر خبر مرور الملك عبد العزيز عليه ليلة عيد الفطر، سنة 1319هـ في طريقه لفتح الرياض، وبات مع صحبه هناك (1/57)، ورسم لـ جبل (أبي غارب)، فعرّج على شعب الشّقيب، وذكر أنّ الملك عبد العزيز خبّأ في موضع رحب فيه خيولَه وركائبه، صحبة عشرين رجلاً من رفاقه، وسار بأربعين آخرين ليلة الخامس من شهر شوال لفتح الرياض، وهي الليلة التي نودي في صبيحتها: (الحكم لله ثمّ لعبد العزيز بن سعود) (2/61، 209)، ورسم ابن خميس للرياض، فكتب بقلم وفيّ أمين؛ أسماء بعض أهل الفضل فيها، وبدأ بآل الشيخ محمد بن عبد الوهاب: عبد الرحمن بن حسن، وعبد اللطيف بن عبد الرحمن، وعبد الله بن عبد اللطيف وغيرهم، قال: (نذكرهم بالاعتزاز، صحبوا حكام الرياض على البرّ والتقوى، والجهاد، والنّضال، وأعطوا المثل الأعلى لحملة العلم، وورثة الأنبياء، وأروا المنهج الصحيح لمن أراد أن يقتفيهم من خَلَفِهم وغيرِ خَلَفِهم) (1/501)، وثنّى بذكر أهل بطولات ومآثر، رافقوا الملك عبد العزيز في غزواته، وأبلوا في معارك توحيد البلاد واجتماعها بعد فرقة، منهم: عبد الله بن حسن آل دغيثر، وآل ريّس، وثلاثة من الحقابين، كلهم قتلوا في معركة البكيرية، وقُتل فيها حامل الراية عبد اللطيف المعشوق، فحملها ابنه منصور، وقُتل، ومنم: سعد الشماسي، وإبراهيم بن ودعان، اللذان استماتا في معركة جراب، لمّا تفاجأ الملك عبد العزيز وجيشه بسلاح جديد في يد سعود بن رشيد، أمدّته به الدولة العثمانية، وأحدث فارقاً سريعاً في سير المعركة، إلا أنّهما صبرا صبر الأبطال، وحافظا على الراية، ولم تسقط، وعبد الرحمن بن زيد، قُتل في معركة الدبدبة، التي قُطع فيها دابر فتنة من عُرفوا بالإخوان، وآل بتال، قُتل منهم خمسة نفر في معركة البكيرية، وآل حميضان، وغيرهم (1/502-504)، واعتذر عن عدم استيعاب أسماء أصحاب المآثر والبطولات، وأعتذرُ أنا أيضاً عن الاختصار، والاقتصار فيما بقي على بعض رفقة الملك عبد العزيز في فتح الرياض، فإنّ ابن خميس ذكرهم في مناسبات، منها: أثناء كلامه عن رسم (الرياض)، حيث ذكر: زيد بن زيد، وإبراهيم النفيسي، وعبد اللطيف المعشوق(1/ 502-504)، ومنها: أثناء كلامه عن رسم (ليلى) و(الأفلاج)، فإنّه ذكر حزام العجالين (1/319)، (2/103).
ولا يُغفل ابن خميس ذكر ما اتّصل بالمواضع من أشعار فصيحة، ونبطيّة، يردّدها الرواة والإخباريّون في مجالسهم، ومن ذلك: أنّه ذكر أبيات الشاعر محمد العوني الحربية، التي لم ننقطع عن تردادها في مناسبات، ومنها قوله:
مني عليكم يا هل العوجا سلام
واختصّ ابو تركي عَمَى عين الحريب
اندب هل العوجا مدابيس الظلام
هم درعك الضّافي إلى بار الصّحيب
عينك إلى سهرت يعافون المنام
غِشٍ لغيرك وانت لك مثل الحليب
وعرّف (هل العوجا)، فقال: (هي نخوة الأئمة من آل سعود، وهي صيغة تدلّ على عقد شرف يُناط بجيد أهل العارض، وإذا جدّ الجدّ، وبلغ الحزام الطبيين؛ زلزلها عبد العزيز بصوته الجهوري، النافذ: (راع العوجا وانا ابو تركي)، وهكذا يفعل حُكام آل سعود إذا رفرفت الراية الخضراء، وتكسّرت العزاوي والنخوات حولها، يقدمونها إلى حياض الموت، ويدفعونها إلى العزّ والشرف وإعلاء كلمة الله، قال بعض الناس أبطال آل سعود وأهل الدرعية، وأهل العارض معهم: نحن أهل العوجاء، إمعاناً في الإيمان بها، وتصديقاً لها، وتحقيقاً في متابعتها، ويعلّل بعضهم بتعليل آخر، فيقول: إنّ العوجا اسم فرس مشهورة عند العرب، ورث نسلها أبناء مانع بن ربيعة، وآلت إلى آل سعود، فاعتزوا بها، وأرجّح الأوّل) (1/500)، (2/187-188).
وذكر أبيات الشاعر عبد الله بن محمد الصبي، ومنها قوله في مدح الملك عبد العزيز:
هو عمود الدين ما شاف من فتق رفاه
كنّه المهدي ويا قرب سعد من دليل
وقوله: (يا قرب سُعد من دليل) مثلٌ سائر، ومعناه: أنّ الواقف على نقى (دليل)، يُشاهد ماء سعد، والعكس (2/25).
وممّا استطر بذكره ابن خميس: طُرفٌ متّصلة ذهنيّاً بمواضع حصلت فيها، ومن ذلك: أنّه ذكر روضة الخفس الواقعة بجانب جبال (العَرَمة)، وقال: (تربّع فيها الملك عبد العزيز في إحدى السنوات، وشاهد بعض جلساءه ومرافقيه بقرةً تذرع الرّوضة جيئةً وذهاباً، ولا تبالي بمن حولها، وكان فيهم: الشاعر المازح نافع بن فضليّة، فسأل عن البقرة، فقيل له: إنّها لمضاوي بنت الملك عبد العزيز الصّغيرة المُدلّلة، فارتجل، وقال:
عينيك يا بقرة مضاوي
ارعي وحنّا من وراك
الخفس ما هو لك حراوي
مير الملك طوّل خطاك(1/394)
وذكر أنقية الدهناء، ومنها: (الدويدات)، وهي أنقية حُمرٌ، متجاورة، متشابهة، بعضها في موضع اسمه: (السّرو)، وبعضها في موضعٍ اسمه: (جهام)، ولا يفرّق بينها إلا من استوعب أرض الجزيرة، وذرعها، كالملك عبد العزيز، وذكر حادثة تدل على ذلك، وهي أنّه خيّم في روضة خريم للقنص، و(خريم) نقى، أُضيفت له الروضة، وكان مع الملك بعض أبناءه الصغار، وتوجّهوا مع سائق سيّارة للفرجة، وأبعد، وتعطّلت بهم السيّارة، فاضطرّ السائق إلى الترجّل، وترك السيارة بمن فيها، وانطلق يطلب العون، فما وصل خيام الملك إلا بعد لأيٍ وشدّة، وإذا بالملك مهتمّاً للأمر، فاستدعاه، واستخبره، فقال السائق: (السيارة تعطّلت في الدويدات)، ففاجأه الملك بسؤاله: هل هم في السرو، أو جهام؟ فبُهت السائق، وتلعثم، وبادر بقوله: (فيهن كلّهن)، فضحك الملك (1/380، 444).
معجم اليمامة للأستاذ عبد الله بن خميس ديوانٌ جُمع فيه أسماء بلدان، وجبال، وشعاب، وسهول، ووديان، ورياض، وكل موضع يُذكّر بمشاهدات، وأشعار، وأخبارِ من مرّ عليه، أو أقام عنده، وإذا تكرّرت الذكرى؛ أحدثت عبرة، قال أبو العلاء المعرّي:
منازلُ قومٍ حدّثتنا حديثهم
ولم أرَ أحلى من حديث المنازلِ
**_**_**_**_**_**
هوامش:
(1) وصفها بأنّها شبه دائرة منخفضة وسط شبه دائرة من الحزون: بلجريف، وباركلي، وفيلبي، والكاظمي، يُنظر: (الرياض كما وصفها بلجريف) د. محمد آل زلفة، ص12-16، و(عبر الأراضي الوهابية على ظهر جمل) لباركلي، ترجمة الخريجي، ص181-184، و(الرياض كما رآها فيلبي)، د. محمد آل زلفة، ص29، 37-38، وأحمد الكاظمي (يوميات الرياض)، ص(43).
(2) لقاء تلفزيوني قديم مع جلالته حفظه الله تعالى، بُثّ في قناة ذكريات السعودية.
(3) وذكر أنّه كتب معجمه في عهد الملك خالد (1/505)، وقوله: (في مدة لا تتجاوز أربعين عاماً) يُستدلّ به على أنّه كتبه سنة 1398هـ تقريباً.
(4) يُنظر: عبد الكريم الجهيمان (مذكرات)، ص102-103.
** **
- د. عبدالله بن سعد أباحسين