الساعة العاشرة مساء
أ
تلقيت اتصالًا هاتفيًا من موظف في شركة توصيل
قال السيد قيس الانسان: أرجو أن ترسل لي موقعك حتى أتمكن من تسليمك طردًا لك.
أرسلت الموقع أتساءل ما هو هذا الطرد أنا لم أشتر شيئا عن طريق « أون لاين»
بعد حوالي نصف ساعة وصل المندوب وسلمني الطرد.
الطرد كان عبارة عن صندوق كرتوني أسود مزخرف بشريط أبيض لامع مع وجود ثلاثة من ورد الياسمين الطبيعي...وملصق ورقة بيضاء كتب عليها :
المرسل إليه: الأستاذ قيس الإنسان
العنوان: قلب ليلاه
المرسل: من ليلى
العنوان: قلب قيس
وكتب تحت هذا العنوان عبارة جميلة
« إن أروع هدية تلقيتها في حياتي هي أنت..»
حاولت أن أفتح الصندوق برفق وحذر كجراح قلب حتى لا تتمزق هذه العبارة الجميلة لأنها تستحق الحياة!
فتحت الصندوق وكان فيه عدة أشياء مبعثرة وغير مرتبة!!
ساعة يد ثمينة وفاخرة لكنها مكسورة!
قارورة عطر لم يتبق من العطر فيها إلا القليل!!
ورواية من روايات مصطفى لطفي المنفلوطي منزوع كثيرًا من صفحاتها!
وعلبة دواء مسكن قوي لكنها فارغة!
وشريط «كاست» كتب عليه نجاة الصغيرة التي تحبها!
وأثناء نوبة الاستغراب لامست يدي في قاع الصندوق ظرف رسالة وكتب عليه
إلى أغلى إنسان.. من الأعماق كتبت لك مثلما من الأعماق قرأت لك!!
من الأعماق صمتي نطق ينادي عليك!
فتحت الرسالة والشوق والخوف فيني ومعي!!
وبدأت أقرأ رسالتها التالية:
إلى أعز الناس
إلى أقرب إنسان مني وأبعد عني!!
تحية لك من قلبي
لست أدري هل ستسعدك هديتي المبعثرة أم تسوؤك!
وأنا أعد لك الهدية تذكرت أنك يومًا كتبت « أروع ما في شوارد نفسي أنها حين تضيع مني تنقلني إليك»
وهذه هداياي المبعثرة تشبه شواردك لأنها شوارد نفسي التي وجود طيفك فيها تلبسها كما تلبسني!!
قيس ....!!!
أعلم أن هديتي قد أصابتك بالدهشة والاستغراب!!
كأني بجنون تعلقي فيك أردت الانتقام منك ومن رقة وقسوة الدهشة التي أصابتني برصاص الحبر من بندقية خاطرك...أزيزها أصبح العزف الذي أعشقه!!!
كلمات ساحرة من جنوني فيها ألفت تناقضي!
كلمات تسعدني وأحبها!
كلمات تؤلمني وأحبها!
كلمات تبكيني وتبكيني وتبكيني وأحبها أكثر!!
حتى ألفت نصوصك وألفت جراحك وألفتك أنت دون سواك!!!
قيس يا قلب قلبي أنت
بعثت لك هدايا مكسورة وممزقة وخالية ومبعثرة!!!
وحتى أبدد حيرتك حول حال هداياي التي بين يديك هذا «كتالوج» تفاصيلها!
الساعة
اشتريت لك ساعة فاخرة وعمداً كسرتها.. وفقعت عينها اللامعة
لأني أريدها أن تُبقي كل لحظة سعيدة قد تعيشها أطول عمرًا
وجعلت عقارب الساعة جاثية دون حراك على الساعة السادسة فجرًا لتؤشر دائمًا على وقت فجر أبيض
ينجلي فيه سواد ليل كآبتك ووحدتك وحزنك!!
الرواية
من ضمن الهدايا ستجد رواية «مجدولين» للمنفلوطي التي تحبها لأن مجدولين كانت صديقتنا في بعض ليالينا الطويلة كانت معنا...!!
مزقت صفحات من الرواية وأبقيتُ صفحات فيها مشاهد كنت كثيرًا ما تُعيد قراءتها تبكيك وتبوح بمكنون نفسك...لعلها ُتريحك!!
وكم أخاف يا قيس الإنسان أن تكون مأساة «مجدولين وستيفن « تشبه مأساة «قيس وليلى»
قارورة العطر
ضمن الهدايا قارورة العطر التي أصبحت مثلما هي عطرك المفضل أصبحت هي عطري الوحيد!!
وقبل أن أضع العطر في الصندوق نثرت على ذكرياتي معك رسائلك قصصك خواطرك وهداياك بل إني رشيت
على صورك كي يزيد العطر من أناقتك و من شذى يفوح من مزهر قلبك!!
نصف ما في قارورة العطر أرسلته لك.!
ونصف ما في قارورة العطر أبقيته لدي من أجلك...!!
شريط نجاة الصغيرة
. وضعت لك شريط « كاست» فيه بعض مقاطع من أغاني الطيبة نجاة الصغيرة التي تطرب لها
وصوتها يرافقك في السفر والسهر وأثناء الكتابة!
اخترت لك مقاطع رائعة من روائعها وروائع عبد الوهاب وبليغ وستجد أن المقطع الأخير من قصيدة المبدع نزار قباني «أسالك الرحيلاء» يجعلني أشعر كأن من كتب الكلمات هي أنا يا ليلى وكأن صوت نجاة مدبلج فالصوت صوتي والرجاء رجائي!!
حين تشدو..:
انزع حبيبي معطف السفر
وابق معي حتى نهايات العمر...
إلى أن تقول....»
ماذا أنا لو أنت. لا تحبني. ما الليل ما النجوم ما السهر؟.
علبة الدواء
وضعت لك من قلة حيلتي دواء بلا دواء. علبة الدواء التي ضمن هداياي لك مسكن قوي لكنها فارغة ...لأني أريدك يا قيس قلبي أن تتعايش مع جمرة حب لا تنطفئ وغيمة حرمان لا تنجلي!
فهذا المسكن لن يستطيع أن يُكمم أفواه جراحك التي تئن!؟
المسكن الخاص بك في صيدلية الأيام وصيدلية أيامك خالية!!
وأخيرًا ... اعذرني واعلم أنني لو أهديتك كنز عمري فأنت تستحق!!
انتبه لقلبك ومن أسكنت فيه
حفظك ربي وأسعدك
«محبتك ليلى»
انتهيت من قراءة رسالة ليلى المؤثرة ...فتحت قلمي ببطء كأني طالب كسول في قاعة امتحان
لمادة الرياضيات ...يدي ترتعش وأهداب عيني الندية ترتعش وكتبت لليلى رسالة لن تقرأها
ليلى
يا أعز النساء أنت «يا ليلاي»
صندوق هداياك المبعثرة بين يدي بكل حواسي لامستها.
صندوق هداياك يشبه الصندوق الأسود للطائرة التي تسقط ويحتفظ بآخر الدعوات وآخر الكلمات وآخر صراخ الفزع والبكاء!!!
ولكن صندوق هداياك الأسود من نوع آخر سقط من طائر الحلم و من عثر عليه هو الضحية!!
سقط من علو شاهق في أعماق حبيب على سحيق أعماق حبيبه!!
ليلى .... أنا وأنت توأمان
انتبهي لقلبك ومن سكن فيه
محبك قيس
فرغت من كتابة رسالتي طويتها ووضعتها في كفن الصندوق أغلقته ثم قبلته
وقرأت الفاتحة
الحمد لله رب العالمين
** **
- عبد العزيز حمد الجطيلي
ayamcan@hotmail.com