الجزائر - وردة أيوب عزيزي:
يعد الروائي السعودي عبدالعزيز بن صالح الصقعبي من الروائيين البارزين في المملكة في حقيبته الثقافية تسع روايات وثماني مجموعات قصصية والعديد من المسرحيات، نال العديد من الجوائز، يمتطي صهوة الكتابة ليسرجها إبداعاً ودهشة، تُلونها فسيفساء لغته الغنية بالمفردات الثرية بالأصالة والحكمة تميزاً، متفرد بأسلوبه، صادق في بوحه مبدع في سرده حدّ التفرد -عبد العزيز الصقعبي الرجل المثقف الواعي والمتمكن من زمام السرد، المنسوج إبداعه بالخيال والواقع؛ إنسان يتميز بالصبر؛ منحته الكتابة حياة مختلفة، فأخلص لها، فالقلم رفيقه الدائم والورقة هي مساحته التي يمارس عليها طقوسه الخاصة بتكوين مختلف الأجناس، الكتابة لديه مغامرة ومتعة فنية، نستضيفه في هذا الحوار للحديث عن الإبداع والثقافة.. فإلى نص الحوار:
* يقول «فرانسيس بيكون» إنَّ القراءة تصنع إنساناً كاملاً، والمشورة تصنع إنساناً مستعداً، والكتابة تصنع إنساناً دقيقاً.. ماذا صنعت ومنحت الكتابة للصقعبي؟
- الكتابة منحتني حياة مختلفة، أشعر بذلك وأنا أسترجع علاقاتي مع الآخرين، ميلي إلى العزلة أحياناً، اختياري صداقات محددة، الإحساس بالمتعة بعد كتابة نص، والسعادة عند تلقيه من قبل القراء، الكتابة صنعت مني إنساناً يحب معرفة التفاصيل لأغلب الأشياء، إنساناً يتميز بالصبر والجلد في البحث والقراءة والاستكشاف، وربما الأهم من ذلك، العلاقة الأزلية مع شخصيات نصوصي القصصية والروائية، مع اتساع دائرة العلاقات مع آخرين تجمعهم الكلمة، في بقاع مختلفة بالعالم.
* هل عشقك للقلم ساعدك في أن تصبح روائياً ناجحاً وقاصاً متفرّداً؟ أم هي طقوس أخرى أعانتك على ذلك؟ وما هي اللبنة الأساسية في صقل موهبتك؟ وهل واجهت عراقيل في بداية مشوارك؟
- منذ صغري بعد تعلمي القراءة والكتابة، أصبح القلم رفيقي الدائم وكانت الورقة هي المساحة التي أمارس عليها متعة تكوين الأشياء المختلفة، من خطوط لدوائر ورسومات غير مكتملة، لنقل بعض الجمل وكتابتها، ومن ثم التخيل وممارسة الكتابة، خطوات رتيبة في البداية، ومتسارعة في النهاية، كان الكتاب المدرسي وسيلة للتعلم، ولكن من جانب آخر كانت مجلات الكومكس المصورة وقصص الأطفال هي الجاذب الأكبر للقراءة خارج دائرة التعليم المدرسي، والتي من عندها انطلقت لممارسة القراءة، لتتسع بقراءة الصحف والمجلات، ومن هنا بدأت الرغبة بحجز مساحة خاصة لي في تلك المطبوعات ولو بذكر اسمي في صفحات القراء، لتتسع المساحة، من بضع أسطر في صفحات القراء بالصحف اليومية والمجلات الأسبوعية، إلي صفحة أو أكثر، وهذا حفزني للمواصلة لأجد ما كتبته بالقلم على أوراق بيضاء، مطبوعاً بكتاب تجاوز عدد صفحاته المائة.
البيئة التي عشت فيها بدءاً من أسرتي، مروراً بمراحل التعليم المختلفة والتي لم تبتعد مطلقاً عن الأدب والثقافة، إضافة إلى أنني عشت مرحلة الطفولة والشباب في مدينة الطائف الجميلة والمختلفة، بوجود المكتبات وانتشار الفنون الشعبية، واختلاف سكانها، حيث إنهم من مناطق مختلفة في السعودية قدموا لهذه المدينة للعمل وبالذات العسكري، وتوجه الدولة بأن تكون الطائف عاصمة صيفية للبلاد، كل تلك الأشياء مجتمعة صقلت موهبة الكتابة ووسعت خيالي لأجد نفسي كاتباً يسعى لأن يكون متميزاً.
* هل الرواية مشروع مثقف؟ ومن المستفيد برأيك القارئ أم الكاتب؟
- بدأت بكتابة القصة القصيرة، ولم أجرؤ على كتابة الرواية بشكل حقيقي إلا في مرحلة متأخرة، ربما كانت هنالك محاولات لكنها بدائية، أتفق معك أن الرواية (مشروع مثقف) لأنني دائماً أكرر في كل لقاء أو ندوة أن الروائي المتميز يجب أن يكون لديه ثلاث تجارب، التجربة الحياتية، والتجربة القرائية، ثم التجربة الكتابية، هذه هي الثقافة، حيث يجب على الكاتب أن يستوعب كل الأحداث والمتغيرات الحياتية، ويلم بها، ويوسع قراءاته لما يفيده ويضيف لمشروعه الكتابي، ومن ثم يكون ممارساً حقيقياً للكتابة، والفائدة بكل تأكيد تعود للكاتب أولاً باتساع مداركه، وتنتقل للقارئ الذي سيكتسب معلومة حقيقية في الرواية، لقد قلت في حوار سابق أن الرواية مشروع بحث وأنا أعني ذلك، فهي لا تختلف عن كثير من ال رسائل العلمية، بل تضيف عليها متعة الحدث والحكاية.
* وهل اختلفتَ مع تفاصيل روايتك أم الجزء الكبير فيها هو أنت؟
- لدي أكثر من رواية، اقترب بعضها مني حتى كاد أن يتحول إلى سيرة ذاتية، ولكن جنحت إلى الخيال هرباً من الواقع، في بعض رواياتي مثل طائف الأنس وغفوة ذات ظهيرة، كان البطل ينتقل من مدينة الطائف إلى الرياض، وهذا ما حدث لي فعلاً، هذا الحدث غير موجود في رواية رائحة الفحم التي كتبتها في مدينة الطائف، بعض الروايات التي كتبتها ترصد المتغيِّرات ليس في هاتين المدينتين فقط، بل في العالم وتأثيرها على المجتمع في المملكة لعربية السعودية.
* دور المرأة السعودية في التأسيس لقيم الكتابة الأدبية؟ وهل لا بد من نهوضها لتتحرر من قيود السلطة الأدبية؟
- الحديث يطول عن دور المرأة في التأسيس لقيم الكتابة الأدبية، وأنا لا أحب أن أفصل المرأة عن الرجل في الفعل الثقافي، هي مشارك في ذلك، وحضور المرأة متميز، بعض الكاتبات حصلن على جوائز على مستوى الوطن العربي، ومن يطلع على إصدارات المبدعات السعوديات يجد أنهن كسرن كل قيود السلطة الأدبية وامتلكن القدرة في الكتابة الحرة، لا أحد يستطيع أن يمنع أي كاتبة من النشر، ولا أن يكون وصياً عليها، أمامها كل قنوات التعبير، وبالتأكيد سمعت عن تمكين المرأة السعودية في رؤية المملكة الحديثة 2030م، وأعتقد أن حضور المرأة سيتضح بصورة أكبر في المستقبل.
* أين تكمن جماليات الفن الإبداعي في الرواية؟
- اللغة العربية السليمة هي الأساس، وعدم سرد الأحداث مباشرة، إضافة إلى احترام القارئ، الكتابة أمانة، يجب على الكاتب أن يبتعد عن الأدلجة فهي تفسد العمل، لذا فمن المهم أن تتوفر في الرواية خاصيتي المتعة والفائدة، وبكل تأكيد يجب أن يتسم العمل بالتشويق، ويكون متماسكاً من بدايته لآخر كلمة، لأن القارئ ليس ملزماً بإكمال النص إذا كان منفراً أو رديئاً، بل سيتجه إلى المكتبة ليست العربية فقط، بل العالمية والتي تزخر بأعمال كثيرة تتمير بجماليات الفن الإبداعي.
* وأيهما أفضل أن تكون روائياً يحاكي واقعاً مراً بكل آلامه وأفراحه؟ أم قاصاً استثنائياً؟
- هنالك كتَّاب وجدوا أن القصة هي المتنفس الوحيد لهم فأخلصوا لها مثل سعيد الكفراوي في مصر ومحمد علوان في السعودية رحمهما الله، بالنسبة لي أتمنى أن أقدم ما هو الأفضل في القصة والرواية وأيضاً المسرحية، وبالمناسبة القصة تحاكي الواقع دائماً، والقصة فن جميل وصعب، ولكن الرواية فيها المساحة الكبيرة للبوح.
* هل قرأنا ثقافة الشعوب من خلال ما يقدمه الكاتب؟ أم هُوية الكاتب لا تُقرأ؟
- من ضمن متع القراءة، الاطلاع على ثقافة الشعوب، ماركيز وأمادو وبورخس وكويلهو عرفنا من خلال كتبهم الثقافة اللاتينية، لنطلع على الواقعية السحرية، الأمر ينطبق على كل بقاع العالم، وكان لي حظ المشاركة في الأسبوع الثقافي السعودي الذي أقيم بالجزائر عام 1984م لأقرأ لكثير من المبدعين وأطلع على الثقافة الجزائرية من خلال كتابات الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة وواسيني الأعرج وغيرهم، أعتقد أن هوية الكاتب تتضح من قراءته.
* متى يكون لدينا وعي الكتابة وصناعتها؟
- ما زالت صناعة النشر والكتابة متخلفة في الوطن العربي، هنالك دور نشر جيدة، ومجتهدة، ولكن يتوقف عملها عند نشر الكتاب، حقوق المؤلف مهدرة، التأليف للأسف لا يؤكل خبزاً، بل يحتاج غالباً أن يدفع المؤلف المال ليضمن نشر كتابه بصورة جيدة، ليس هناك مؤسسات تدعم الكاتب ليقدم عمله بصورة جيدة إلا فيما ندر، لا أدري متى يكون الوعي بأهمية الكتابة وصناعتها، فالكاتب يبقى في الظل حتى تنتشله إحدى الجوائز فيسلط الضوء عليه، لا يوجد في الوطن العربي قنوات لتسليط الضوء على الكتاب الجيد والتعريف والترويج له.
* هل يرهقك الجمع بين الأجناس الأدبية؟ أم تراها مغامرة ومتعة فنية؟
- أنا كائن سردي، بعيد تماماً عن نظم وكتابة الشعر، وبالطبع أمارس متعة كتابة جميع أجناس السرد من قصة ورواية ومسرحية، حتى المقال، ومع شيء من الحرفية أمارس كتابة السيناريو وفق الحاجة، ولكن بصورة محدودة جداً، الكتابة مغامرة ومتعة فنية، وكل جنس مختلف عن الآخر، فالرواية لها شروطها الخاصة التي تختلف عن القصة والمسرحية، والقصة حالة كتابية ممتعة، والمسرحية متعتها الأهم حين تنفذ على خشبة المسرح مع مطالعة ردة فعل الجمهور مباشرة.