مؤلَّفان في تراثنا يحملان اسم»سِفْر السَّعادة»: آخرهما: «سِفْر السَّعادة» لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي الشِّيْرَازي (ت826هـ)، صاحب «القاموس المحيط»، وطبع طبعة قديمة عني بها لجنة من كبار العلماء على نفقة دار العصور للطبع والنشر، بشارع الخليج المصري بالظاهر، بمصر، وذكر عليها أنها قوبلت على نسخة مطبوعة بمصر سنة1330هـ, وقد هدف فيه مؤلِّفه إلى إثبات أبواب ثبتت في صحاح الأحاديث النبوية، يعتمد عليها في باب العبادات، بعيدًا عن الخلافات.
وأولهما: وهو الذي يدور عليه حديثنا، كتاب «سِفْر السَّعَادة وسَفِيْر الإفادة» لعَلَم الدين أبي الحسن علي بن محمد السَّخَاوي(ت642هـ)، حقَّقه الدكتور محمد أحمد الدالي تحقيقًا علميًّا فائقًا، وقدَّم له الدكتور شاكر الفحام فازداد نورًا على نور، وطبع بدار صادر، بيروت، ط2، 1995م.
وهو كتاب خُصِّص جزؤه الأول لشرح معاني الأبنية وشرح إشكالاتها، وفي الجزء الثاني منه اشتمل على عدة فنون من مجالس العلماء، وبعض القضايا والمناقشات في النحو والصرف والقافية، ومعاني الشعر، وختمه المؤلف بمنظومة في المشترك اللفظي من تأليفه.
ورصد المحقِّق من موارد هذا الكتاب: «الصحاح» للجوهري (ت393هـ)، و»كتاب الأبنية» لصالح الجَرْمِيّ(ت225هـ)، و»أبنية كتاب سيبويه» للزُّبَيْدي(ت379هـ)، و»المنصف» و»سر صناعة الإعراب» كلاهما لابن جِنِّي(ت392هـ)، و»المعرَّب» للجَوالِيْقي(ت450هـ)، و»شأن الدعاء» للخَطَّابي (ت388هـ)، و»كتاب المسائل الحلبيَّات» وغيره لأبي علي الفارسي (ت377هـ)، و»الصَّاهل والشَّاحِج» للمعرِّي(ت499هـ)، و»الجمهرة» و»الاشتقاق» لابن دُرَيْد(ت321هـ)، و»النَّبات» لأبي حَنيفة(ت282هـ)، و»جواهر المسائل العشر» وغيره من كتب ابن بَرِّي، و»معاني الشعر» للأُشْنَانْدَاني (ت256هـ)، و»القوافي» للأَخْفَش سعيد بن مسعدة (ت215هـ)، و»مجالس العلماء» للزَّجَّاجي (ت340هـ)، و»الكامل» للمبرِّد(ت286هـ)، و»ديوان أبي تمَّام» بشرح الخطيب التَّبْريزي(ت502هـ).
ويظهر من كم هذه الكتب التي اعتمد عليها أهميته في حفظ النصوص وتوثيق النسبة، والاطمئنان إلى عدم وجود نقص في النسخ التي وصلت لنا من هذه الكتب.
وقد اعتمد محققه -رحمه الله- على عدة نسخ كلها جيدة؛ هي-حسب وصفه-: نسخة بخط المؤلِّف نفسه، وكانت عبارة عن مسودة يضيف إليها ويحذف ويعدِّل، ولم يبيِّض نسخة نهائية، وتفرَّدت بزيادات ليست في النسخ الأخرى زادها المؤلِّف بعدُ، وعليها اثنان وأربعون بلوغ قراءة على المؤلِّف. وقد سقط من هذه النسخة الكراسة السادسة فأُلحِقت بها بخط مغاير لخط المؤلِّف. والنسخة الثانية كتبت سنة(635هـ) وعليها إجازة المؤلِّف بخطِّه لكاتبها نجم الدين أبي إبراهيم إسحاق بن أبي القاسم بن مهاد الحموي. والنسخة الثالثة نسخة دار الكتب الظاهرية، وهي الوحيدة من بين النسخ التي قسمت إلى قسمين بناءً على موافقة المؤلِّف. والنسخة الرابعة مخطوطة عارف حكمت، نسخها عن نسخة للمؤلِّف محمدُ بن عبد المنعم بن علي بن عبد الغني القرشي، وعليها إجازة المؤلِّف بخطِّه لجلال الدين محلي بن أبي طاهر بن محلي الرِّقِّي ولابنه أبي الحسن، وطِباق سماع لستين شخصًا.
ولاحظْ من خلال الوصف الذي ذكرته لك نقلًا عن مقدمة المحقق أن الكتاب كان يزيد فيه مؤلِّفه ويضيف، ونسخته تحمل زيادات عن النسخ الأخرى زادها بعد النَّسْخ منها، وبعد قراءتها عليه، وأنه سقطت منها كراسة وأُلحِقَت من مخطوطة أخرى لا تحمل زيادات المؤلِّف.
وأثناء تصفحي لكتاب»تذكرة النحاة» لأبي حيَّان الغِرناطي (ت745هـ)، تحقيق الدكتور عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة، ط1، 1986م. الذي يتميز بأنه «ضم بين دفتيه نقولًا من كتب كثيرة ضلَّت طريقها إلينا» كما قال العلامة محمد الكتاني، وللأسف لم يسلم من الضياع من هذا الكتاب غير المجلد الثاني من جملة أربعة مجلدات، ومنه نسخة واحدة فقط، كما قال محققه.
ويظهر في تحقيق المحقق العجلة وعدم المراجعة، فقد ذكر في الدراسة ص (م21) أنه حصل على التذكرة ويقوم بتحقيقه منذ فترة، وذكر أيضًا ص (م23):» وترددت في نشرها وتحقيقها...إلى أن نصحني أحد الأساتذة بأن أقوم بالتعريف بالمخطوط والإشارة إلى الرغبة في التحقيق كإعلان ضمني لمن لديه علم بنسخ أخرى لها...وهأنا أنفذ النصيحة وأقوم بما أشار إليه». تخيل هذا الكلام في مقدمة تحقيق الكتاب، والظاهر أنه كتبه قديمًا ثم أضافه لمقدمة التحقيق دون مراجعة.
أقول: وأثناء تصفُّحي له رأيت المؤلِّف قد نقل في أربع صفحات؛(589-592) مختصرًا لكتاب ابن خَالَوَيْه (ت370هـ): «الأيام والشهور»، حيث قال:»هذا مختصر في الأيام والشهور مما رواه الحسين بن خَالَوَيْه»... ثم قال في آخر النقل:»... نجز هذا المختصر في الأيام والشهور من كتاب سِفْر السعادة وسفير الإفادة لأبي الحَسَن السَّخَاوي».
وقد بحثت في «سِفْر السَّعَادة» عن النقل المذكور، مرة عن طريق فهرس الأعلام، ومرة عن طريق فهرس الكتب المذكورة في الكتاب، ومرة عن طريق فهرس الموضوعات، ومرة عن طريق فهرس الألفاظ، ومرة عن طريق تصفح المواضع مظنة إيراد مثل هذا النقل، ومرة عن طريق التصفح العام، فلم أجد له ذكرًا.
وغالب الظن أن هذا النقل كان مكتوبًا في الكراسة التي سقطت من نسخة المؤلِّف وأُدْرِجت بخطٍّ مختلفٍ نقلًا عن نسخة أخرى غير نسخة المؤلِّف، وهي تبدأ بالورقة 52 عند قوله:»قوله فعيلل قال». وتنتهي عند الورقة 61 عند قوله:»قوله: ومعنى ذلك كثرة الماء»، ويوافق في المطبوع من آخر سطر (ص227) إلى آخر سطر (ص276). والله أعلم.
** **
- د. محمد علي عطا
Ma.ata.2020@gmail.com