في البداية أريد الإشارة إلى مفهوم الهُوية: فهي مصدر صناعي من الضمير (هو)، باختصار هي الخصائص التي يتميز بها المرء من غيره. وهي تختلف عن الماهية، فماهية الشيء: هي حقيقته، كقولنا: ما هو كذا؟
الهُوية ليست الهَوية: فالهَوية: هي البئر البعيدة القعر.
بالنسبة إلى، «هُوية اللغة العربية» تشير إلى الجوانب الثقافية والتاريخية والفنية والاجتماعية التي تميز اللغة العربية وتميزها عن اللغات الأخرى. إنها تعبر عن الطابع الفريد والهُوية الثقافية للغة العربية كلغة وثقافة. كما تشمل هُوية اللغة العربية، مجموعة من العناصر المهمة؛ فيما يتعلق بالعناصر الفنية: اللغة العربية تمتلك تراثًا أدبيًّا غنيًّا يمتد لآلاف السنين، ويشمل الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرح والنثر الأدبي. يعتبر هذا التراث الأدبي جزءًا أساسيًا من هُوية اللغة العربية. فاللغة العربية تعتبر وسيلة للتعبير الفني من خلال الشعر والأغاني والموسيقى والفنون التشكيلية. حيث تمتاز اللغة العربية بإمكانياتها الفنية الغنية وتعبيرها المتنوع. إذ يكمن دور اللغة العربية في المحافظة على الهُوية في حفظ اللغة الفنون العربية عن طريق: الشعر، النثر، الأغنية، المسرح.
من أهم الأقوال التي قيلت في اللغة والهُوية:
المرء مخبوء تحت لسانه، فإذا تحدث عُرف. (علي بن أبي طالب).
إن الذين يتكلمون بلغة واحدة يشكلون كيانا واحدا متكاملا بروابط متينة، وإن كانت مرئية.(فيخته الفيلسوف الألماني).
ما ذلت لغة قوم إلا ذلوا، ولا انحطت إلا كان أمرهم في ذهاب وإدبار. (الرافعي).
بشكل عام، هُوية اللغة العربية تتجسد في التراث الثقافي والفني والتعبير اللغوي للعرب والمجتمعات الناطقة بالعربية. إنها تعكس العمق التاريخي والتراث الغني للغة العربية وتعزز الانتماء الثقافي والوعي الثقافي للأفراد والمجتمعات.
ترتكز الحضارة العربية والإسلامية على اللغة العربية بشكل واضح وجلي، حيث نجد أن اللغة العربية قبل نزول القرآن الكريم كانت لغة شعر ونثر، لا تتجاوزهما إلى إبداعات أخرى أو فنون متعددة، لكن نزول القرآن الكريم باللغة العربية مكنها دون غيرها لتكون لغة حضارة تعتمد على العلم والفكر والأدب، فكانت لغة تنتقل إليها حضارات الهند وثقافة اليونان وفنون العصر السائد في القرن السادس الميلادي. ثم حدث التطور الهائل للغة العربية بفضل احتوائها هذه الثقافات والفنون المتعددة من مختلف الثقافات والحضارات، فأبدع علماء وشعراء وكتاب العرب والمسلمين وأحدثوا وطوروا علومًا وفنونًا في شتى المجالات أضاءت جنبات العالم وأسست وساهمت في الحضارة الإنسانية.
- من أهم الأقوال التي تعبر عن أهمية اللغة العربية للفرد والمجتمع والعالم أجمع:
- يقول عنها عمر بن الخطاب: تعلموا العربية؛ فإنها تثبت العقل، وتزيد في المروءة.
- يقول عنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ورعاه: بلادنا المملكة العربية السعودية دولة عربية أصيلة، جعلت اللغة العربية أساسًا لأنظمتها جميعًا، وهي تؤسس تعليمها على هذه اللغة الشريفة، وتدعم حضورها في المجالات المختلفة، وقد أسست الكليات، والأقسام والمعاهد وكراسي البحث في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها؛ لدعم اللغة العربية، وتعليمها وتعلمها.
- يقول عنها روجر بيكون: من أراد أن يتعلم فليتعلم اللغة العربية؛ لأنها هي لغة العالم.
- يقول عنها وليم مرسيه: العبارة العربية كالعود؛ إذا نقرتَ على أحد أوتاره رنّت لديك جميع الأوتار وخفقت، ثم تُحَرِّك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موكبا من العواطف والصور.
- يقول عنها وليم ورك: إن للعربية لينا ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقًا لمقتضيات العصر.
وقبل الختام، نستذكر أبرز جهود المملكة العربية السعودية عبر المراكز والمبادرات الثقافية في الحفاظ على هُوية اللغة العربية الفنية. نعني بالمراكز الثقافية في هذا السياق المؤسسات أو المنظمات أو المجامع اللُغوية وكل ما من شأنه المساهمة في دعم وتعزيز اللغة العربية وفنونها محليا وإقليما وعالميا. تهدف هذه المراكز الثقافية إلى تعزيز اللغة العربية كهُوية وثقافة وانتماء من خلال تقديم الدعم والترويج للأدب العربي والشعر والمسرح والفنون البصرية والموسيقى والسينما وغيرها من التعبيرات الفنية التي تستخدم اللغة العربية كوسيلة للتعبير والتواصل الفني. وتلعب هذه المراكز دورا رئيسيا في الحفاظ على هُوية اللغة العربية الفنية وتعزيز حضورها على الصعيدين المحلي والعالمي. ومن أبرز هذه المراكز الثقافية في السياق السعودي:
- مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية: حيث أبرمت اليونسكو في الأول/د يسمبر 2016 اتفاق شراكة مع مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية وأطلقت في إطارها برنامجاً لتعزيز اللغة العربية في اليونسكو، الذي يضم مجموعة كبيرة من الأنشطة والفعاليات والمنشورات التي تعزز إسهامات اللغة العربية وفنونها في الحضارة العالمية.
- مجْمَع الملك سلمان العالمي للغة العربية: يعكس هذا المجمع ريادة أرض الضاد، ومنبعها، ومهبط الوحي والرسالة بلسان عربي مبين، ولحماية العربية لغةً وثقافةً وفنونًا شتى، ودعمها، والمحافظة عليها، وتيسير تعلمها؛ ليكون المجمع بمنزلةٍ مرجعيةٍ علمية وطنية في كل ما يتعلق باللغة العربية وعلومها وفنونها. وهو ضمن المبادرات الاستراتيجية الوطنية الثقافية في ضوء رؤية المملكة 2030.
- مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء): يعد من أهم الروافد العالمية للتعرف على اللغة العربية وفنونها من خلال الانفتاح على مختلف ثقافات ولغات العالم، عبر تقديم العروض الفنية والثقافية المتنوعة، بما في ذلك المعارض الفنية، والمسرحيات، والحفلات الموسيقية والمسابقات والمحاضرات الشعرية والنثرية.
- مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للتخطيط والسياسات اللغوية: تتمثل رؤية المركز في الريادة والمرجعية العالمية في خدمة اللغة العربية؛ لتحقيق رسالته في خدمة اللغة العربية عالميًا، وتعزيز إسهامها الحضاري والعلمي والثقافي، وإمكاناتها بالوسائل المختلفة.
- المتحف الوطني السعودي: الذي يعكس عمق وعراقة اللغة العربية عبر التاريخ وإسهامها في الحضارات الإنسانية عبر العصور، من أرض لغة الضاد ومهبط الوحي وأرض الحضارات المملكة العربية السعودية.
- السفارات والملحقيات الثقافية السعودية: طالما كان لها دور كبير في إبراز أهمية اللغة العربية وإسهاماتها الثقافية والفنية في مختلفة الحضارات العالمية: عن طريق إقامة المعارض الفنية والأمسيات الشعرية والحفلات الموسيقية والمسابقات العالمية.
- متحف الفيصل للفن العربي الإسلامي: يعرض متحف الفيصل للفن العربي الإسلامي مجموعات يحفظها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. يحافظ المتحف على التراث الإنساني، ويثري المشهديْنِ الأكاديميّ والثقافيّ بإتاحة مصادر تُلهِم زائريه للإبحار في عبق الماضي وتوسيع آفاقهم، إضافة إلى حَفْزِ الحوار بين الباحثين والمفكرين والفنانين وكل من لديه فضول للمعرفة.
وغيرها الكثير الذي لا يتسع المقام لذكرها. هذه مجرد بعض الأمثلة عن جهود المملكة العربية السعودية الثقافية التي تسعى للحفاظ على هوُية اللغة العربية الفنية وإبرازها محليا وعالميا من خلال إقامة المتاحف والفعاليات وتنظيم الأنشطة لذلك.
** **
د. عادل بن مصيلح المظيبري - عضو هيئة التدريس في جامعة الطائف