انتهى شهر أغسطس الذي يحمل معه من كل عام احتفالية خاصة لعشاق الأدب والترجمة حيث عرف هذا الشهر بـ Women in Translation Month أو شهر المرأة في الترجمة. تأسست هذه الفعالية عام 2014 بمبادرة من الأكاديمية ميتال رادزينسكي كمنصة للترويج للأعمال الأدبية المترجمة لكاتبات من مختلف أنحاء العالم واللاتي يكتبن بغير اللغة الإنجليزية، وقد لاقت هذه الفكرة ترحيباً واسعاً من الوسط الأدبي والثقافي واحُتفل بها عالمياً. يهدف شهر أغسطس إلى الإشادة بإسهامات المرأة في الأدب العالمي من خلال الترجمة، وكذلك تسليط الضوء على الأعمال المترجمة، وتقام خلال هذا الشهر العديد من الفعاليات والندوات الأدبية التي تسلط الضوء على إنجازات المترجمات والكاتبات من مختلف الثقافات، كما تطلق العديد من حملات القراءة ونوادي الكتاب لتشجيع الجمهور على قراءة ومناقشة الأعمال المترجمة. إلى جانب تفاعل القراء في منصات التواصل الاجتماعي تحت وسم وتغريدات خاصة بهذا الشهر بهدف مشاركتهم ما قرأوه من الأدب المترجم. فلطالما لعبت الترجمة دوراً حيوياً في نشر الأدب والثقافة وتعزيز التفاهم بين الشعوب ونشر الوعي بأدب المرأة ودورها المؤثر في الساحة الأدبية العالمية.
الوقت ليس بمتأخر لتسليط الضوء على كاتبات القصة القصيرة في السعودية وترجمة أعمالهن إلى اللغة الإنجليزية بمبادرة من هيئة الأدب والنشر والترجمة. فقد أطلقت الهيئة سلسلة قصصية سنوية منذ عام 2018 بعنوان «قصص من السعودية» باللغتين العربية والإنجليزية تحتفي بالقصة القصيرة وكتّابها من داخل المملكة العربية السعودية. تضمّ السلسلة مجموعة مختارات كتبتها كاتبات وكتّاب سعوديون تمثّل مساهماتهم الإبداعية في القصة القصيرة. وتسلّط السلسلة الضوء على المواهب الأدبية السعودية وتعرّف القارئ العالمي على الثقافة والمجتمع السعودي من خلال نصوص إبداعية مترجمة في مبادرة مهمة لدعم الأدب السعودي وترجمته، ولطالما كان الأدب النسائي السعودي يواجه تحديات كبيرة في النشر والترجمة والانتشار خارج حدود المملكة. وعلى الرغم من ذلك فقد بدأ الوضع يتغير تدريجياً مع بروز العديد من الكاتبات السعوديات اللاتي أثبتن قدرتهن على إنتاج أدب رفيع المستوى.
ومنذ أول إصدار لسلسلة «قصص من السعودية 2018 « تضمنت مجموعة من القصص القصيرة لكاتبات سعوديات معاصرات وترجمت هذه القصص إلى اللغة الإنجليزية لنشرها عالمياً. وتعد هذه السلسلة خطوة مهمة في دعم الأدب النسائي السعودي ونشره خارج المملكة، حيث سلطت الضوء على مواهب نسائية متميزة من خلال نشر وترجمة 26 قصة لكاتبات سعوديات مثل أميمة الخميس ووفاء الحربي والهنوف الدغيشم ووفاء الراجح وغيرهن. كما أتاحت الفرصة للقارئ العالمي للتعرف على المرأة السعودية ووجهة نظرها وحضورها المستمر من خلال الأدب والقصص القصيرة. تنوعت الموضوعات والأساليب التي تناولتها كاتبات القصة القصيرة في سلسلة «قصص من السعودية» بشكل لافت ما بين الواقعية والرومانسية والخيال مع التركيز على قضايا المرأة وتجاربها في المجتمع السعودي.
فمن ناحية الموضوعات تطرقت الكاتبات إلى قضايا اجتماعية مختلفة مثل الزواج والطلاق والعلاقات الأسرية، إلى جانب قضايا أخرى مثل التغيرات الاجتماعية والثقافية والتحديات التي تواجهها المرأة في المجتمع، وكما تناولن موضوعات إنسانية عامة مثل الحب والألم والفراق والأحلام. وأما من ناحية الأسلوب فقد اتسم أسلوب بعض الكاتبات بالواقعية في تصوير الواقع الاجتماعي، في حين مال أسلوب كاتبات أخريات إلى الرومانسية والخيال في سرد الأحداث. وتميز عمل بعضهن بالغنى الوصفي والتركيز على التفاصيل بينما اتسم أسلوب كاتبات أخريات بالاختزال والحبكة الدرامية المشوقة. كما تنوع السرد ما بين السرد الأول والثالث مع استخدام أسلوب الاسترجاع في كثير من القصص. واعتمدت الكاتبات على أدوات أدبية مختلفة كالرمز والاستعارة والتشبيه لإثراء النصوص وتعميق أبعادها. وأظهرت بذلك السلسلة التنوع الكبير في موضوعات وأساليب الكاتبات السعوديات مما يعكس ثراء الأدب النسائي وقدرته على معالجة القضايا الإنسانية المختلفة بطرق فنية متميزة.
وقد لاقت الترجمة الإنجليزية لهذه القصص القصيرة استحساناً واسعاً وساهمت في تعريف القارئ الأجنبي بالثقافة السعودية من منظور أدبي نسائي. لتكون بذلك سلسلة «قصص من السعودية» قد قدمت إسهاماً بارزاً في دعم مسيرة الأدب النسائي في المملكة وفتحت آفاقا جديدة أمامه للانتشار عالمياً من خلال الترجمة. وهو ما يعكس مدى التطور الذي حققه الأدب السعودي النسائي وقدرته على تجاوز الحدود والوصول إلى القارئ العالمي. ولكن كان من المستحسن لو أن الترجمة أوردت أسماء المترجمات والمترجمين، فعلى خلاف الإصدار الأول والذي كان من ترجمة مها الفالح لم يُلا حظ إيراد أسماء المترجمين في الإصدارات اللاحقة. وهذه نقطة مهمة حيث إنها تلعب دورا كبيراً في بروز أسمائهم محلياً وإقليمياً وعالمياً وتساهم أيضا في إعطاء مادة ثرية للمهتمين في تحليل أساليب المترجمات والمترجمين وترجمة هذا الجنس الأدبي.
** **
- د. إيمان صريد المطيري