الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
قبل أكثر من خمسة وعشرين عام شرّف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله(عندما كان أميرا لمنطقة الرياض زيارته للعاصمة البريطانية الاحتفال الكبير الذي تقيمه جامعة اكسفورد العريقة بمناسبة حصول صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز على الدكتوراه من الجامعة، بحضور مدير الجامعة والأسرة الأكاديمية وعدد من طلاب الجامعة والملحقين الثقافيين للدول العربية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن سمو الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- أحد الطلبة الأوائل من خريجي مدارس الرياض، وحصل على درجة البكالوريوس من كلية العلوم الإدارية قسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.
وتعرف جامعة اكسفورد بأنها أحد الصروح الأكاديمية العالمية التي تتميز بمناهجها العلمية والتطبيقية العالية.
وتصنف كإحدى الجامعات الأكثر عراقة وتاريخا على مستوى العالم، من خلال نظامها الأكاديمي وقوة درجاتها العلمية ونظامها التعليمي.
وكان سموه قد ناقش رسالة الدكتوراه، وحصل عليها بتفوق والأمير فيصل بن سلمان آل سعود أمير منطقة المدينة المنورة تخصص في العلاقات الدولية والتاريخ الحديث للشرق الأوسط، وحاز على شهادة دكتوراه من جامعة أكسفورد، وقد عمل أستاذاً مساعداً في قسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود بالرياض ورئيسا مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق.
وصدرت عن «دار جداول» الطبعة الثانية من كتاب «إيران والسعودية والخليج سياسة القوة في مرحلة انتقالية 1968 - 1971» للمؤلف الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة قدّم فيها الطبعة الثانية بمقدمة جديدة، أجاب فيها على سؤال؛ لماذا هذه الطبعة؟ ذكر فيها أن «هذا الكتاب يُمثِّل جزءاً رئيساً من أطروحته لنيل درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد البريطانية، وأن الأمر لا يرتبط بالضرورة بنفاد الطبعة الأولى المحدودة جداً من الأسواق (2000 نسخة)، ولا بمتغيرات إقليمية تتعلق بالعلاقات السعودية - الإيرانية أو غيرها، وإنما لسببين عريضين، تميَّز بهما هذا المخطوط من وجهة نظره الشخصية، رغم جوانب نقصه الكثيرة ومحدودية إطاره الزمني» وكانت نصّ كلمة سموه الكريم التي بيّنت أن هذا الكتاب يعدّ جزءا رئيسا من أطروحته لنيل درجة الدكتوراه وأمر طباعة الرسالة لا يرتبط بالضرورة بنفاد الطبعة الأولى المحدودة جدًا من الأسواق (2000 نسخة)، ولا بمتغيرات إقليمية تتعلق بالعلاقات السعودية - الإيرانية أو غيرها وأرجع سبب طباعة الرسالة (الطبعة الثانية )إلى سببين ؛ السبب الأول يرتبط بمنهج البحث و السبب الثاني لإعادة الطباعة، فيعود إلى تقييم مصادر البحث، حيث لُوحظ مؤخرًا قلة اهتمام الكثير من الباحثين العرب في موضوعات ما يُسمى بـ«التاريخ المعاصر» أو الدراسات السياسية الإقليمية من ضعف الاعتناء بالمصادر الأولية وتجديدها، واللجوء إلى تحليلات واستنتاجات دراسات دولية وهذه نصّ مقدمة الكتاب كاملا:
«لماذا طبعة ثانية؟
يُمثِّـل هذا الكتاب جزءًا رئيسًا من أطروحتي لنيل درجة الدكتوراه من جامعتي البريطانية. كان آخر عمل قدّمته خلال مرحلة الدراسة، وبتجاوز الاختبار النهائي بمناقشة الأطروحة أنهيتُ صِفتي كطالب جامعي ليبدأ بعدها العمل في
مجالات متعددة.
أكتب هذه السطور وأنا على أُهبة الاستعداد للسفر لصحبة ابني الأكبر فهد إلى ولاية نيوجيرسي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يبدأ دراسته في جامعة برينستون، وبين رحلة الأب في الدراسات العليا، وبداية الدراسة الجامعية للابن مضت قرابة 24 عامًا (1999 - 2023)، لهذا وضعتُ نفسي أمام تساؤل: لماذا أوافق الآن على إعادة طباعة هذا الكتاب استجابةً لاقتراح الأخ الصديق محمد السيف صاحب «دار جداول» في ظل غياب أي إضافات أو تعديلات تُذكر على الطبعة الأولى؟!
الأمر لا يرتبط بالضرورة بنفاد الطبعة الأولى المحدودة جدًا من الأسواق (2000 نسخة)، ولا بمتغيرات إقليمية تتعلق بالعلاقات السعودية - الإيرانية أو غيرها، وإنما لسببين عريضين تميَّز بهما هذا المخطوط من وجهة نظري الشخصية رغم جوانب نقصه الكثيرة ومحدودية إطاره الزمني.
السبب الأول يرتبط بمنهج البحث، حيث حاول الباحث فهم الأوضاع الإقليمية من منظور القوى الإقليمية ذاتها، وليس القوى العالمية. بل إنه، وفي ظروف تاريخية محددة، تكون القوى الإقليمية هي التي تقود سياسات القوى العالمية وليس العكس حسب المفهوم السائد. حدث ذلك في الفترة التي غطّاها البحث من تنامي القوة العسكرية الإيرانية والقوة السياسية السعودية من جهة، وانشغال الولايات المتحدة الأميركية بحرب فيتنام، وانكماش النفوذ البريطاني لأسباب اقتصادية داخلية مزمنة؛ فكانت القدرة على إعادة ترتيب شؤون الإقليم لإيران والمملكة العربية السعودية سانحة بدرجة أكبر من أي وقت مضى.
مَن ينظر لعالم اليوم يُدرك أننا نمرُّ بمرحلة انتقالية يتشكَّل فيها عالم جديد بقوى متعددة، وإن كان بدرجات متفاوتة في القوّة، وتغيُّر في مفهوم القوة، من مفهوم ثنائي ينظر إلى القوة العسكرية والاقتصادية إلى مفهوم ثلاثي الأبعاد يضم إلى جانب ذلك القوة المعرفية والثقافية، أو ما يسمى بـ«القوة الناعمة». هذا التشكّل لا يخصّ منطقة الخليج العربية، أو الشرق الأوسط، وإنما يشمل أقاليم العالم المتعددة من أوروبا، وآسيا الوسطى، وجنوب شرق آسيا، وأميركا
اللاتينية وغيرها.
كما لاحظنا أن تلك التحوّلات في نظام القوى العالمية أصبحت محل حوارات ونقاشات تُعيدنا إلى أطروحات عقود خلت من حوار عالم اقتصادي مجزّأ إلى شمال وجنوب، وحالة سياسية تبحث عن بديل لنظام القطبية الثنائية أثناء الحرب الباردة، وطرح مفهوم عدم الانحياز اليوم لا يختلف في منطلقاته عن سياسات جواهر لآل نهرو في الهند أو سوهارتو في إندونيسيا.
لذلك نحن بحاجة اليوم لفهم أعمق لدوافع ومحركات سياسات القوى الإقليمية وحاجاتها السياسية والاقتصادية بشكل متجدّد ومنفتح في مختلف مناطق العالم.
أما السبب الثاني لإعادة الطباعة، فيعود إلى تقييم مصادر البحث، حيث لاحظ كاتب هذه السطور مؤخرًا قلة اهتمام الكثير من الباحثين العرب في موضوعات ما يُسمى بـ«التاريخ المعاصر» أو الدراسات السياسية الإقليمية من ضعف الاعتناء بالمصادر الأولية وتجديدها، واللجوء إلى تحليلات واستنتاجات دراسات دولية، سواء لأسماء كتَّـاب لامعين، أو دراسات لمراكز بحوث شهيرة. أدى هذا في كثير من الحالات إلى خلط بين المعلومة والاستنتاج، والوقائع والآراء؛ وبالتالي إلى ضعف في التحليلات النهائية لتلك الدراسات.
إن المصادر الأولية بأنواعها؛ كالوثائق الحكومية، أو المقابلات الشخصية، أو السير الذاتية؛ هي ينابيع متجددة من شأنها تجديد المعارف المتصلة بالموضوعات محل الدراسات كما تُجدِّد ينابيع المياه جريان الأنهار والجداول.
وأكاد أجزم أنَّ مصادر البحث الأوّلية متاحة للباحثين في الموضوعات المعاصرة اليوم في منطقتنا العربية أكثر من أي وقت مضى؛ فكثير من الحكومات تنشرُ العديد من وثائقها بشكل أكثر أريحية واستجابة لحاجات البحث الأكاديمي، كما أن تطوُّر التقنية ومحرّكات البحث، وقيام العديد من صنَّاع القرار بتوثيق تجاربهم يُحتِّم على الباحثين تقليل الاعتماد شبه الكليّ على مخرجات الأرشيفات الحكومية البريطانية والأميركية والروسية والعثمانية وغيرها بشكل عام لفهم ما كان يدور في منطقتنا.
مرّة أخرى نأمل أن يستفيدَ الباحثون والمؤرّخون مما هو متاح اليوم بين أيديهم ليفتحوا آفاقًا رحبة وجديدة لفهم الحاضر، واستشراف المستقبل»