هناك نوع من القُرّاء يتفاعل مع النصوص تفاعلًا خاصًّا يقوم على المتعة بشكل أساس، وتزجية الوقت بسعادة وسلام دون التعمق في المعاني والمفاهيم، تمامًا كما يفعل السائح عندما يزور بلدًا ويقضي فيه يومًا أو أيامًا، فيمر على أهم معالمه وأجملها، ويقيم في الأماكن التي تناسبه وتتناسب مع دخله، ويتعرف على الجوانب المشرقة منه بعيدًا عن كل ما قد يعكر صفوه؛ فلا يدلف مثلًا إلى الشوارع الخلفية أو الأحياء الشعبية والفقيرة، ولذلك فقد لا يتعرف على جميع خفايا ذلك البلد وتفاصيله.
وهكذا فإن هذا النوع من القراء (السياحي) لا يعمد إلى التوقف طويلًا عند المعاني وما خلفها، بل يكتفي بالقراءة السريعة، وربما السطحية، التي تدخل البهجة والمتعة والسلام إلى نفسه، وربما القليل من المعرفة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل هذه القراءة مطلوبة أم لا؟ ومن يحتاج إليها؟
الحقيقة أننا جميعنا يمكن أن نحتاج إلى مثل هذه القراءة بين الفينة والأخرى، تمامًا كما نحتاج إلى السفر والسياحة في أماكن لم نزرها من قبل، فنزورها ونتعرف على الجوانب والمناطق الجميلة فيها، ونبتعد عن كل منظر غيرِ جميل أو يمكن أن يعكر صفو سياحتنا. يحتاج إليها الجميع حتى من قضى عمرًا طويلًا في القراءة وتمرّس فيها قارئًا لمئات الكتب أو آلافها.
ولذلك فإن القراءة السياحية مطلوبة، بل ومفيدة رغم ما تبدو عليه من بساطة، ومن ثَم ينبغي أن نحاول تخيُّر ما يمكن أن يفيدنا منها بعيدًا عن الكتب الفكرية العميقة أو أي نوع من الكتب التي تحتاج إلى جهد لقراءتها. فقد تكون كتبًا ذات صفحات قليلة، أو ذات محتوى خفيف كالقصص القصيرة أو الروايات غير الطويلة والمسلية، وربما بعض الكتب المعلوماتية الخفيفة، أو كتب المسابقات أو الطرائف والنكت، أو الكتب المتعلقة بأدب الرحلات، خاصة تلك التي صيغت بأساليب أدبية جاذبة.
** **
- يوسف أحمد الحسن