في جلسة اعتيادية مع الأصدقاء ككل مساء، لم يشاركهم يوسف الحديث الدائر صدفة حول فواتح الشهية، تظاهر بانشغاله عنهم بهاتفه الجوال كما هو سائد في معظم لقاءاتهم، بدت ابتسامة خفيفة على محياه،، لاحظها قاسم فانشغل بها .. ما تفسيرها، لِمَ كانت؟
أخذ يرمقه بنظرات متتالية علّه يفهم سرّ تلك الابتسامة الغامضة .. هل يسخر منا بطريقته الخاصة؟ أعرفه ..يتمتم قاسم، لا يعلق ولا يشارك فيما لا يعجبه .. تلك الابتسامة الخبيثة وسيلته للاستهزاء.
( أضحكنا معك يا يوسف .. ) يقول قاسم.
لم ينتبه يوسف لانشغال قاسم به، ولا أعطى اهتمامًا بتعليقاته.
أخذ يردد طلبه بصوت أعلى مما لفت نظر المجموعة لشيء لم يلاحظه أحد منهم، فأثار لديهم فضولاً لمعرفة ما جرى.
بهذا التركيز أفزعوا يوسف .. إذ الأنظار كلها متجهة نحوه دون أن يدرك ما الذي يبحث عنه أولئك الأصحاب..
كرّر الرجل طلبه .. ضحّكنا معك يا رجل.
ماذا؟ أضحككم بماذا؟
- بالذي أضحكك.
أنا؟
نعم .. أنت، فمن يعرف غيرك؟ ربما كالعادة حديثنا لا يعجبك، لا تتهرب من مسؤوليتك.
أستغفر الله العظيم.. ما بكم يا جماعة؟ هل صاحبنا بحالة طبيعية؟ أيش اللي ضحّكنا وخبرنا ومسؤولية وماهو معجبنا, ما الخبر؟
- الخبر عندك .. لسنا أطفالاً أمامك.
- يا إخوان رجاءً .. فكوني من هالبلشة، أنا لا أعرف ما الذي تريدون الوصول إليه، وإلحاحكم هذا بدأ يزعجني فعلاً.
• ونحن لماذا لا يكون من حقنا الانزعاج من شخص قد يبدي لنا غير ما يبطن, فأنت على الأقل تحاول الاستخفاف بنا أو أنك تتجسس علينا .. فأنا رأيتك تبتسم دون سبب واضح .. وأُقسم على ذلك.
- فعلاً أنا كنت أبتسم لموضوع خطر على بالي .. وهو ما لا يخصّك ولا يهم أيّاً من الموجودين..
صمت يوسف وأطرق يستعيد ما بدا له قبل لحظات.. يحدّث نفسه ..لو يعلمون تعليقي على حديثهم حول فواتح الشهية وأنّ أفضلها عندي هو البصل الأخضر، كيف أقول لهم؟ سيكون اسمي لديهم منذ هذه اللحظة أبا البصل، تعال يابصل .. ابعد يا بصل .. ترى أزعجتنا برائحتك .. لا لا لن أخبرهم.
- حتى ولو .. بعد أن تخبرنا، نحن الذين نقرر أنه يخصنا أو لا يخصنا، لكنك ملزم بإخبارنا الآن.
• لابد أنك يا قاسم قد جننت، وأكرر قولي .. هذا الموضوع لا يخصك ولن أخبرك به.
• ستخبرنا غصبًا عنك.
غصب لا يوجد غصب، وصدقني أنها ستكون مشكلة لو عرفتم.
بل المشكلة إذا لم تخبرنا، يرد قاسم.
طيب أريد فرصة للغد.
بل الآن .. ويمد قاسم يده لسكين حادة كانت قرب طبق الفاكهة.
يا صبر الأرض ويا صبر المؤمنين, يتمتم يوسف.
أنا لست الأرض وأنت لست بالمؤمن..هيّا تكلم ..بانفعال قالها قاسم.
أعوذ بالله منك .. هل جننت، ألا تسمعون ما يقول هذا المعتوه؟ يخاطب المجموعة الصامتة.
ويتقابلان وقوفًا، يوسف بخوفه وذهوله وقاسم بغضبه والشّرر في عينيه وقد أحكم قبضته على السكين..
اخز الشيطان يا رجل .. العن إبليس .. يحاول يوسف تهدئة صاحبه.
تكلم.. وإلا ..
يا جماعة أبعدوا عني هذا الرجل، ما بكم؟ ألا ترونه على وشك ارتكاب جريمة..
يقوم أحدهم مندفعاً لإبعاد قاسم والآخر يحاول أخذ السكين من يده..
يرفعها مهددًا فيتراجعون.. ويقترب من يوسف ويحكم قبضته على عنقه محقرًا ومستهزئًا..تقول إنني على وشك ارتكاب جريمة؟ ألا تريد أن تتكلم؟ يهاجمه الاثنان لإنقاذ يوسف،، وبضربة خاطفة يهوي قاسم بتلك السكين بكل خسِّة ووحشية في صدر يوسف .. ويخرّ صريعًا.
لم يتنازل ذوو يوسف رغم كل مساعي جماعة قاسم ووجهاء المنطقة ومحاولاتهم إلصاق التهمة بكيد الشيطان ومكر إبليس اللعين، وإظهار محاسن العفو وعرض الملايين والتذكير بشهامة قبيلة يوسف وكرمها الذائع الصيت.
أخذ الحكم صورته النهائية باستكمال كل درجات القضاء وصدر أمر التنفيذ، فتم قَوَد الجاني مكبلًا بالحديد، ثم أناخه رجال الشرطة بساحة العدل أمام الجموع الغفيرة، ومع كلمات رئيس لجنة التنفيذ المهيبة بالقول أقدم الماثل أمامكم المدعو قاسم .. يتوجه إليه الجلاد بسيف الحق ليهوي بضربةٍ مستحقة لتفصل رأسه عن جسده ..
«وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون».
** **
عقل بن مناور الضميري - الجوف