الثقافية - علي القحطاني:
تيمّمت تغريد الشيخ باللغة العربية منذ أن كانت صبية ورأت مكتبة أبيها مليئة بالمعاجم والكتب اللغوية، وهو يعمل في تصحيح وتدقيق وتنقيح الكتب مع دور النّشر، وتعلقت بقراءة كتب الأدب ودواوين الشعر وتخصّصت في الجامعة بآداب اللغة العربية وعلومها ثم اختارت تحقيق المخطوطات في الماجستير، وكانت ترى أن منتهى أحلامها الذهبية أن تكون متخصصة في لغة الضاد، وفي لقاء الأستاذة تغريد الشيخ مع «الثقافية»
تحدثت عن دوافعها لتأليف معجمها الشامل حول «المُعجم في اللُّغة والنَّحو والصَّرف والإعراب والمُصطلحات العلميّة والفلسفيّة والقانونيّة الحديثة» الذي استغرق منها عشر سنوات وبمعاينة ومراجعة المتخصصين في كل المجالات وأشارت إلى تحويل المعجم بعد سنة من إصداره إلى معجم إلكتروني على الأجهزة الذّكيّة (Apple، Android)، مع إضافة كلّ فترة عددًا كبيرًا من الكلمات والمصطلحات كما تحدثت الأستاذة تتغريد الشيخ عن تأليفها لكتابين عن الدكتور عبد العزيز محيي الدين خوجة وزير الثقافة والإعلام الأسبق ورأت أنه شاعر مميز وعاشق للغة العربية.
البدايات.. ومرحلة الطفولة
* تعود علاقتك بالأدب واللُّغة إلى الطّفولة وكان والدك يعمل في تصحيح وتدقيق وتنقيح الكتب مع دور النّشر، حدّثينا عن تلك المرحلة؟
لعلَّ أجمل ما في حياتي أنني وُلدتُ في منزل جدرانه من الكتب، مع والد يعمل في هذه الكتب وتحمل اسمه كمحقق ومصحح لها، شغف والدي بعمله انتقل إليَّ حتى صار من أحلامي في الطّفولة أن يكون اسمي منحوتًا على الكتب، كنت أقرأ الكتب بنهم، قرأت طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم، وعشقتُ المعاجم التي كان والدي يضعها بين أيدينا لنعود إليها عندما يصعب علينا فهم لفظ من الألفاظ. ولأجل تحقيق حلمي تخصّصت في الجامعة بآداب اللغة العربية وعلومها ثم اخترت تحقيق المخطوطات في الماجستير، وهو من أكثر الفروع صعوبة ومتعةً في آن، فتحقيق المخطوطات يحتاج إلى امتلاك المعرفة بكل علوم العربية وإلى الصبر والتأني.
المعجم الشامل
كان دافعك لتأليف «المُعجم في اللُّغة والنَّحو والصَّرف والإعراب والمُصطلحات العلميّة والفلسفيّة والقانونيّة الحديثة» ما رأيتيه من معاجم عربية منشورة ومشوّهة على الإنترنت وكلها نسخ تجارية... ليتك تتحدثين عن هذا المعجم؟
أثناء عملي بتحقيق مخطوط «اعتلال القلوب» للخرائطي الذي توفّي سنة 327 هـ، كنت أرجع إلى المعاجم القديمة كلسان العرب وتاج العروس والقاموس المحيط وغيرها، وكنت أغوص بين الصفحات وأشعر بمتعة كبيرة بهذه الرّحلات في بطون المعاجم ثم أنتبه أنني شردت عن هدفي الأساسيّ.
وقتها فكّرت: إذا كنت أنا المتخصصة بالتحقيق والخبيرة بالمعاجم أضيع الهدف الأساسيّ الذي أريده فماذا يفعل الطالب والباحث والإنسان العادي إذا أراد الوصول إلى كلمة ما، وخصوصًا أننا في عصر يحتاج فيه الإنسان إلى الوصول إلى المعلومة بأسرع الطرق.
بحثت في المعاجم الحديثة فوجدت أنها حذفت الكثير من الكلمات بحجّة أنها كلمات بائدة أو غير مستخدمة في العصر الحديث، فسألت نفسي: ماذا يفعل الطالب الجامعي أو الباحث إذا أراد أن يفهم كلمة وردت في الشعر القديم أو كتب التراث التي نعتز بها ونفتخر بها؟
هنا قررت أن أعمل على معجم مرتَّب بطريقة بسيطة وهي حسب إملاء الكلمة ونطقها، وأن أحافظ على جذر الكلمة وأن أذكر الفعل المضارع للفعل الثلاثي مع ضبط عين الفعل، ثم وجدت أنه لا بدّ من ذكر مصادر الفعل، وجموع الاسم.
ووضعت خطّة كاملة لهذا العمل مع فريق العمل في دار النّخبة التي أملكها ووضعنا مدّة زمنية لهذا العمل، وعندما أنهينا تفريغ المادة اللغوية من لسان العرب ورتبنا المادة حسب إملاء الكلمة، راجعنا المادة كلها على تاج العروس والقاموس المحيط واستكملنا ما كان ناقصًا.
طبعًا المعجم صُحِّح أكثر من خمس مرات بواسطة أساتذة متخصصين باللغة العربية.
محتويات المعجم
ماذا يضم المعجم وما أبرز محتوياته وكم استغرق العمل على إنجازه، وهل كان هناك فريق عمل ساعدكم على إتمامه؟
عندما أنهينا العمل وجدت أن الطالب أو الباحث قد يحتاج إلى إعراب كلمات معينة فأضفنا معجم إعراب للكلمات التي إعرابها ثابت؛ مثل: (حيث، حينئذ، الهمزة....) وغيرها، ثم وجدت أن هناك كلمات دخلت في كلامنا وأحاديثنا ولكن الكثيرين لا يعرفون معناها الحقيقي فقررنا إضافة الكلمات التي تُستعمل وكتبناها بالأحرف العربية ووضعنا اللفظ بالأحرف اللاتينية.
طبعًا من الإضافات المهمّة في هذا المعجم التعريفات العلمية، فالمعاجم القديمة مثلًا كانت تتجاهل التعريفات العلمية، فكان المسؤول عن المادة العلمية البروفيسور منيب العيد أستاذ علم الفلك والفيزياء في الجامعة الأميركية في بيروت والذي كان يقدّم لنا المعلومات العلمية وكنّا نصوغها بأسلوب مختصر ومفيد.
ثم أضفنا مصطلحات فلسفية وقانونية...
استمرّ العمل في المعجم عشر سنوات مع فريق عمل يقارب الثلاثين شخصًا من المتخصصين وأبصر النور عام 2010 م.
كتابات عن عبد العزيز خوجة
لك كتابان عن أعمال الدكتور عبد العزيز خوجة الشعرية، وللدكتور خوجة اهتمام وهو محبّ للغة العربية هل لنا أن نعرف شيئًا عن ذلك؟
الدكتور عبد العزيز محيي الدين خوجة شاعر مميز وعاشق للغة العربية، وقد ألّفت دراسة نقدية عن شعره «تقنيات التعبير في شعر عبد العزيز خوجة»، و»أيام مع عبد العزيز خوجة» ضمن سلسلة أيام معهم.
ولا بدَّ أن أذكر في هذا المقام أن الدكتور عبد العزيز خوجة قد دعم المعجم ماديًّا إلى أن أبصر النّور.
تحويل المعاجم للعالم الرقمي
هل المعاجم متوفرة في العالم الرقمي؟ أم تكتفين بنشرها ورقيًّا؟
طبعًا حوّلنا المعجم بعد سنة إلى معجم إلكتروني على الأجهزة الذّكيّة (Apple)، (Android) ونحن نضيف كلّ فترة عددًا كبيرًا من الكلمات والمصطلحات.
تبسيط اللغة أمام الأجيال
تسعون من خلال دار النّخبة التي تشرفين عليها إلى تبسيط اللغة من نحو وصرف وإملاء أمام الناشئة والطلاب والقراء بشكل عام، ما تقييمكم لهذا العمل؟
أنا ألّفتُ عددًا كبيرًا من الكتب في تبسيط اللغة العربية للناشئة قبل أن أُؤسّس دار النخبة، وقد استفاد منها الطّلاب في كل المراحل، وهي مفيدة لغير المتخصصين باللغة العربية.
تحديات أمام اللغة العربية
من وجهة نظرك كمتخصصة ما الأخطار الَّتي تواجه اللغة العربية اليوم؟
المشكلة في عصرنا أن الاهتمام باللغة العربية يأتي بعد الاهتمام باللغات الأجنبية في المدارس، حتى الأهل صاروا يتفاخرون أن أبناءهم يتكلمون اللغات الأجنبية دائمًا، لا بدّ هنا من الإشارة إلى أهمية المعاجم ودورها في الحفاظ على الهويّة العربية.
أشعار العشق والتراث
لك جهد في تأليف المعاجم الأدبية، وأصدرت معجم «أشعار العشق في كتب التراث العربي» من أين جمعت مادته وما المراجع التي استندت عليها؟
في أثناء عملي بتحقيق مخطوط «اعتلال القلوب»، جمعت كلّ الكتب المشابهة، ووجدت أنّ كثيرًا منها طُبع طبعات تجارية بدون تحقيق، فجمعت الأشعار الواردة في أربعة عشر كتابًا، ونقَحتُ الأشعار ورتبتها، وأصدرتها في كتاب «معجم أشعار العشق في كتب التّراث العربي».
اللحن ومذيعو هذا العصر
يلاحظ أن المذيعين القدامى كانوا مجيدين، ويتحدثون اللّغة العربيّة الفصحى بإتقان واليوم تكثر العاميات واللحن على ألسنة مذيعي هذا الجيل ما السبيل لتقويم ألسنتهم؟
على من يدرس الإعلام أن يتقن اللغة العربية، ويهتم بكل فروعها، وكان الواحد منهم يهتم بالثقافة العامة من شعر ونثر، ولكن اليوم أظن أن اللغة العربية صارت ثانوية بالنسبة إلى الذين يدرسون الإعلام، لا يمكن أن تتقن اللغة العربية إذا لم تقرأ القرآن الكريم، وتفهمه ولم تحفظ الشعر العربي والكتب التراثية... نتمنى أن تكون اللغة العربية مادة أساسية في كلّيات الإعلام.
أخيرًا أقول إنّ اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وقد حفظها الله من الضياع، وعلينا أن نتمسك بها، ونعتزّ ونفخر، وأن نورثها لأبنائنا بصورتها الجميلة.
** **
- @ali_s_alq