ماذا عساي أن أكتب عن شامخ سامق عال مقامه عانق الكلمة والفكر والوجدان، وحمل على عاتقه تشظي الإنسان وقلقه وتمزقه.
ماذا سأكتب؟
فالمعاني تتضاءل أمام شموخه وسمو خلقه والكلمات تتقزم أمام علمه ورقيه وأدبه ونبله ولطفه.
هل أكتب عن إنجازاته العلمية والفكرية عن دراساته وأبحاثه وكتبه وأوراقه عن إبداعه وأشعاره. كيف لي ذلك؟
والكل يدرك أن فكره وعلمه قبس سطع في الأذهان والعقول فأنار ظلمتها، وبددت حلكتها.
ماذا عساي أن أكتب عن نموذج قل الزمان أن يجود بمثله. هل سأوفيه حقه؟
ما سأورده هو غيض من فيض.
فالعالي الشامخ السامق كان واحة لا تضن بظلها، ولا تقصره على بقعة دون أخرى كان نبعاً رقراقاً للنقاء والصفاء ودوحة وارفة الظلال أورقت بشراً على من عرفه ومن لم يعرفه.
طاقة إنسانية متجددة وحيوية مشتعلة.
زرعه القدر في فضائلي فقادني إلى منابع الدهشة ورفرف برحابة على أوج المشاعر فأشرعت له الأبواب وعانقت معه آمال الحياة.
تفاعل بحب ولطف وهدوء مع قلقي وحيرتي مساند وداعم فاحتضن نزقي، وروَّض جموحي مردداً مقولة والدته عليهما من الله رحمة ورضوانا «ما كل شوكة نقعد لها بمنقاش» فكان سبباً لأتغاضى، وأتجاوز ليسير ركب الحياة في رتم لا يأبه للغيوم.
كان العالي الشامخ السامق عبقري في تعامله مع الأنثى حريصاً على الجبر ومدرك إنها - أمانة ما خلقت للإهانة- متفهماً لطبيعتها مرناً ليناً عادلاً مجتهداً لحفظ التوازن النفسي والاستقرار الأسري.
تميز بالثبات الانفعالي في تعامله مع أبنائه فكان الأب الحنون والمربي الأرب فبادلوه وداً بود، وأضافوا إلى ذلك تقديراً واحتراماً، وتعاملوا معه بخجل إزاء ما يقعون فيه من أخطاء.
كان العالي الشامخ السامق ديناً يختم القرآن ثلاثاً إلى أربع مرات في الشهر مداوماً على سنة الوضوء، وبعد صلاة الفجر لا يغادر مصلاه إلا بعد شروق الشمس، ويعقبها بصلاة الضحى.
تقياً، صالحاً،صادقاً، له من الخبايا ما لله بها عليم، واصلاً لرحمه.
كان لهم نهر فياض بالود والإيثار والاهتمام.
ما يستذكر جم يوقظ في نفسي ونفوس محبيه كوامن الوجع.. عزاؤنا جميعاً أنه ترك لنا إرثاً عظيماً من الحب والتكاتف والترابط تشد فينا العزم أن نتقبل فجائع الموت بصبر واستسلام لقضائه.
** **
- د. سارة الأزوري