الثقافية - علي القحطاني:
تكمن أهمية الدراسات البحثية لأدب الأطفال واليافعين في هذا العصر الذي انشغل الصغار فيه بالأجهزة اللوحية والألعاب الإلكترونية، وأدى ذلك إلى عزوفهم عن القراءة وتأتي أهمية تلك الدراسات لإثراء الجانبي البحثي في أدب الأطفال، وفي لقاء «الثقافية «مع الأستاذ محمد الراشدي الذي تحدث عن عن الحاجة الملحة وأهمية تلك المشاريع الجادة لواقع الدراسات الأدبية والنقدية عن أدب الطفل، وتحدث الراشدي عن ورقته في هذا الشأن، وكانت عن «التلقي النقدي لقصص الأطفال في المملكة-دراسة في نماذج مختارة»، وفيها تناول بالدراسة مجموعة من الآثار النقدية التي كتبها نقاد من السعودية حول قصص الأطفال في المملكة، وتقصى البحث آليات التلقي النقدي لتلك القصص وتقويمه للحراك النقد الأدبي ونقد أدب الأطفال خصوصًا في المشهد الثقافي السعودي وختم الأستاذ محمد الراشدي بحديثه عن واقع الدراسات في أدب الأطفال واليافعين في المؤسسات الأكاديمية السعودية.
أدب الأطفال واليافعين
* كيف ترى مستقبل مشروع الدراسات البحثية في أدب الأطفال واليافعين وتأثيرها على واقع الدراسات النقدية والأدبية؟ وماهي في نظركم أهمية هذا المشروع؟
مشروع الدراسات البحثية في أدب الأطفال واليافعين إضافة نوعية للمشهد النقدي، واقتناصة فريدة وذكية لإثراء الجانب البحثي في حقل شديد الأهمية من حقول البحث العلمي المرتبط بصنف أدبي شديد الخصوصية والاختلاف وأعني بذلك أدب الأطفال، الذي جاء هذا المشروع ليعيده إلى واجهة الاهتمام البحثي ويلفت النظر إليه ويمنحه مساحة ضوء واهتمام مستحقة بالنظر إلى أهمية هذا الأدب وحاجته الملحة إلى التناول النقدي الجاد.
وأهمية هذا المشروع -في تقديري- تكمن في عدة نقاط؛ أهمها توقيته الذي يصادف زمنًا تتناهب الطفل فيه اهتمامات وصوارف شتى، الأمر الذي يعمق الحاجة إلى أدب نوعي ينافس بقوة كل تلك الصوارف والشواغل، وبالتالي إلى نقد جاد يستشعر أهمية هذا الأدب وجدوى التناول العلمي لمضامينه.
والنقطة الثانية في أهمية هذا المشروع صدوره عن المؤسسة الثقافية الرسمية وفق ضوابط ومحددات وآلية عمل دقيقة ومنضبطة، وهو ما يعزز جدية المشروع وأهميته والثمار اليانعة التي ينتظر أن تنضج بين يدي الباحثين فيه.
والنقطة الثالثة أن هذا المشروع يفتح الباب واسعًا للبحث النقدي في مجال أدب الطفل وهو ما يعزز فرص زيادة المنتج الإبداعي في هذا المجال، والعناية بثرائه وجودته.
دراسة نقد قصص الأطفال
* حدثنا عن بحثك في مشروع الدراسات البحثية في أدب الأطفال واليافعين؟
بحثي عنوانه: «التلقي النقدي لقصص الأطفال في المملكة-دراسة في نماذج مختارة»، ومجاله نقد النقد، حيث أتناول فيه بالدراسة مجموعة من الآثار النقدية التي كتبها نقاد من السعودية حول قصص الأطفال في المملكة، ويتقصى البحث آليات التلقي النقدي لتلك القصص، وسبل الممارسة النقدية إلى سبر أغوار ذلك المنجز الإبداعي، والقواسم المشتركة في تلك الدراسات، وأبرز ملامح التجربة النقدية المحلية في جانبها المتعلق بقصص الأطفال في المملكة.
تقويم الحراك النقد الأدبي
* ما تقويمك لحراك النقد الأدبي ونقد أدب الأطفال خصوصًا في المشهد الثقافي السعودي؟
انطلاقًا من الخصوصية الشديدة لأدب الطفل، وصعوبة الكتابة فيه، ومن خلال ما وقفت عليه من نتاج نقدي متعلق بأدب الطفل محليًا؛ أستطيع القول إن هذا الشكل من النقد ما يزال دون ما يتوقع منه؛ إن كان في حجم المنجز، أو في تنوعه ومضامينه، ومواكبته للمشهد الإبداعي في حقل الكتابة للطفل بمختلف أجناس تلك الكتابة.
وقد استأثرت أشكال الأدب الأخرى الموجهة لغير الطفل على أكثر النتاج النقدي، وبقيت الحاجة متفاقمة إلى نقد يمنح ذلك الأدب أهميته الخاصة، التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بقيم التربية ورؤى المستقبل، التي يسهم أدب الطفل في تعزيزها، وبالتالي فإن تعزيز دور النقد الجاد لذلك الأدب يصب مباشرة في الغايات العليا المتوخاة من الكتابة للطفل، في جانب يفصح بجلاء عن أهمية خاصة لذلك الأدب وما يتكون حوله من النقد، ليست لأي لون غيره من ألوان الأدب على اختلافها.
المؤسسات الأكاديمية وأدب الأطفال
* ماهو تقييمكم لواقع الدراسات في أدب الأطفال واليافعين في المؤسسات الأكاديمية السعودية؟
ثمة دراسات متمكنة وناضجة تتحرك في مساحات زمنية متفاوتة، وتتناول منجزًا غزيرًا، وبمنهجية علمية منضبطة وصارمة، وتطرح قضايا وإشكالات على درجة عالية من الأهمية بالنسبة للطفل، وتقترح حلولًا علمية منطقية لبعض ما يخبر عنه الدرس العلمي من إشكالات وأزمات الكتابة في أدب الطفل.
لكن تلك الدراسات بالنظر إلى تجدد ووفرة المنتج في أدب الطفل تظل قليلة محدودة، فضلًا عن أن التحولات الهائلة في واقع الحياة، والتغيرات المتسارعة حول الطفل تستدعي باستمرار تجددًا دائمًا في أشكال وقوالب ومضامين الكتابة للطفل، وهو ما يستدعي بالضرورة المواكبة النقدية، وبالنظر إلى بطء ومحدودية الممارسة النقدية في حقل أدب الطفل؛ فإن ذلك يخلق مسافة تتسع باستمرار بين أدب الطفل ونقاد أدب الطفل.
الصعوبات والمعوقات
* ما الصعوبات التي تواجه الباحث في مجال أدب الأطفال واليافعين؟
صعوبات البحث العلمي في أدب الطفل هي امتداد لصعوبات الكتابة في أدب الطفل نفسها؛ فالصعوبة قاسم مشترك بين الأديب والناقد في أدب الطفل، لكن أعتقد أن إحدى أهم إشكالات نقد أدب الطفل تكمن في عينة البحث ونماذجه، في ظل وفرة ما يكتب وعدم انضباط معاييره؛ كالشرائح العمرية التي يكتب لأجلها مثلًا، والتفاوت الكبير في جودة ذلك المنتج بين ما يكتب منه ليكون أدبًا حقيقيًا، وما تنتجه ضرورات ومطالب العمل التجاري والتسويق الذي أنتج سوقًا رائجة لأعمال وتجارب رديئة تتعقد معها مهمة الباحث في العثور على أعمال تمثل فعلًا نماذج مستوفية جودة وشروط ما ينبغي أن يقدم باسم أدب الأطفال.
فضلًا عن أن مقاربة أدب الطفل نقديًا تستدعي آليات ورؤى خاصة تستبطن اختلاف ذلك النوع من الأدب وخصوصية الكتابة فيه، وهو ما يلفت النظر إلى أهمية الناقد المتخصص الواعي بطبيعة ذلك الأدب ومتلقيه.
معالجة نقد أدب الطفل
* للنقد مسارات متعددة؛ ما سبب اهتمامك وتوجهك لاختيار أدب الأطفال واختياره مجالًا للدراسة؟
موضوع بحثي في نقد النقد، وبابه التلقي، وعينته البحثية مجموعة من الدراسات النقدية حول أدب الطفل، وبالتالي فأنا لا أدرس النص الإبداعي المقدم للطفل مباشرة، لكني أدرس نقاد ذلك الأدب، وقد درجت على ذلك في دراسات وأبحاث سابقة تعنى بالتلقي ونقد النقد، وهذا البحث امتداد لها، لكن مع ذلك فإن لهذا البحث اختلافه من منطلق أنه يعالج نقد أدب الطفل، وبالتالي فهو يقارب حالات خاصة من التعاطي النقدي، لا تتعامل مع منتج عادي، لكنها تقارب جنسًا أدبيًا مختلفًا في قوالبه ومضامينه ومتلقيه، وتلك الفرادة التي يمثلها أدب الطفل تنتقل بالضرورة إلى نقاده ومن ينقد نقاده أيضًا.
تقويم الناقد وتقييمه
* ما الجوانب التي قد يسهم فيها الناقد ويفيد المبدع في أدب الأطفال من وجهة نظرك؟
أحسب أن دور الناقد في حقل أدب الأطفال ينهض بدور لا يوازيه دور الناقد في أي حقل آخر من حقول الكتابة؛ فنقد أدب الطفل له جانب رسالي عميق يتخطى مجرد النظريات والقوالب النقدية والممارسات التحليلية والقرائية المعتادة في جانب النقد، إلى بعد آخر يتوخى أهدافًا بعيدة ترتبط بالغايات الكبرى التي يكتب لأجلها المبدع للطفل قصصه وأشعاره، ويقيم عليها الناقد معماره النقدي الذي يروم به تقييم ذلك المنجز وتقويمه، ومن وراء ذلك التقويم والتقييم يبصر الناقد أهدافه في أن يمنح المبدع تغذية راجعة يستثمرها في القادم من نتاجه الأدبي المكتوب للطفل ومن أجله.
واقع النتاج الأدبي
* مارأيك في واقع النتاج الأدبي في أدب الأطفال واليافعين، وهل يوازي ما ينتجه الأدباء في المجالات الإبداعية الأخرى؟
ما يزال النتاج الأدبي الموجه أقل بكثير من نظيره المقدم لغير الأطفال بمختلف أشكاله، وذلك من جهة الكم، وكذلك المستوى الفني، ولذلك أسبابه التي يتصدرها صعوبة الكتابة للطفل، ومعاييرها، واحتياجها الدائم إلى الكاتب المتخصص الذي يصدر عن وعي وخبرة بالشريحة التي يكتب لأجلها.
كذلك فإن أدب الطفل تزاحمه اليوم الكثير من تقنيات الإغراء والإلهاء التي تجعل مجرد فكرة القراءة أقرب إلى الترف في وعي بعض القائمين على شؤون الطفل في المجتمع، وبالتالي فغرس الوعي بأهمية القراءة أولًا، ثم انتخاب الجيد من المقروء ضرورة مقابلة لضرورة العناية بأدب الطفل كمًا ونوعًا عند مبدعيه.
الصوارف والملهيات
* برأيك هل يلقى أدب الطفل احتفاءً قرائيًا يستحقه أم مازال دون المأمول؟
تطرقت في السؤال السابق إلى الصوارف والملهيات الكبيرة والكثيرة التي تزاحم الأدب والقراءة عمومًا لدى الطفل اليوم، وبالتالي فالحفاوة القرائية بأدب الطفل ماتزال دون المستوى بكثير، وهي إشكالية لا يحلها مجرد تقديم أدب ناضج ومتجاوز، دون أن تتضافر قوى المجتمع ومؤسساته في إعادة ترتيب وعي الطفل و أولياته لتكون القراءة في مركز الصدارة من الاهت مام لديه، وحينها فقط يمكن أن نتحدث بثقة عن حفاوة قرائية ورواج للمنتج الأدبي المقدم للطفل.
** **
@ali_s_alq