يحاط السلوك البشري بالعديد من المؤثرات التي لها علاقة في تكوينه ومنها:»البيئية «المكانية»، الاجتماعية، النفسية».. وغير ذلك من المؤثرات التي تشكل خصائص لعلاقة معقدة يصعب تفسيرها.
ونشير هنا للعلاقة التبادلية بين المكان والإنسان، ونقصد بالمكان هنا :»الحيز الجغرافي المحيط به»؛ حيث تؤثر طبيعة المكان في تشكيل سلوك الإنسان والتأثير في تكوينه النفسي والاجتماعى، وفي ذات الوقت يؤثر الإنسان على طبيعة المكان المحيط به حيث يوظفه بما يتسق مع حاجاته.
وعلى مر التاريخ كان للإنسان تأثيرٌ في أنسنة المكان في بنائه والحفاظ على هويته حسب الطبيعة البيئية له التي شُوهدت من خلال الإرث العمراني الذي لازال مُشيداً حتى عصرنا الحالي؛ وليس ذلك وحسب بل امتد التأثير على نتاجاته الفكرية والفنية فظهرت لنا الأدبيات والفنون المؤنسنة بالمكان، المنعكسة على الأدب فعندما نستقرئ أدب العصر الجاهلي نجد الوقوف على الأطلال في مُستهل قصائد الشعراء بمختلف أنواعها من : «هجاء، وثناء، ورثاء، وغزل»... بذكر أرضهم وديارهم مُستعينين بها لوصف تعلقهم وحنيّنهم لمكانهم، وكذلك من خلال الرواية والقصص القصيرة مما جعل المكان عنصراً فنياً جسّده الإنسان في وصف أحاسيسه من حنينٍ وخوفٍ وفرح وغير ذلك من مشاعر وجدانية يحتضنها لتصل إلى قارئ تلك النصوص مُعبرةً عن المشاعر الدفينة له عن طريق الشخصيات القصصية وعلاقتها المكانية المترابطة؛ أما عن وقتنا المعاصر لازال ذلك التأثير الفني والأدبي حاضراً فبين ثنايا لوحات الفنانين نجد التجسيد المكاني يتجلى في ألوانها وطبيعتها وتفاصيلها الصغيرة، وبين طيات كُتب الأدباء والشعراء والكُتاب نجد التوظيف المكاني للتعبير عن المشاعر الإنسانية، ولكن بلا شك وفقاً للمتغيرات الطبيعية والتكوينية عبر التاريخ أسهمت في إعادة تشكيل المكان الإنسان وأثرت في أصالة ذلك التوظيف ومدى وضوحه في تلك النتاجات الفكرية والفنية .
وأما من ناحية معاصرة أخرى ابتكر الإنسان ما يسمى الآن «أنسنة المدن» لتصبح صديقة للإنسان وتعزز الأبعاد الإنسانية في بنائها وتكوينها وتحويلها من أمكنة صامتة إلى متفاعلة نتاج فاعلية الإنسان معها بما يتواءم مع حاجته وخدمته وتحسين جودة حياته والارتقاء بتلك الأمكنة والحفاظ على هويتها العمرانية والبيئية من خلال من العديد من البرامج الوطنية المساندة؛ مما ينعكس للامتداد الوثيق للعلاقة التبادلية بين الإنسان والمكان عبر العصور.
** **
- إبتهال آل سعد