في عام 1444هـ الموافق لعام 2023م صَدَرَ كتابُ الشعر للشيخ محمود محمد شاكر رحمه الله تعالى، ويقع الكتاب في (189) صفحة، من الحجم المتوسط، والكتاب في ظاهره داخل في فن علم العروض، لكنه في باطنه يؤسس لعلم نغم الألفاظ، ولهذا الكتاب شرارة، وشرارته أن الشيخ أبا فهر -رحمه الله تعالى- عندما راح يكتب مقالاته السبع الشهيرة المسماة (نمط صعب ونمط مخيف) دار في ذهنه سؤال مهم، هو (كيف اهتدى الخليل إلى بناء نظريته العروضية) طرَقَ هذا السؤالُ ذهنَ الشيخ أبي فهر في مقالته الرابعة المسماة (على هذا دار القمقم)، فعزم أن يفرد له كتابا.
ولقد ظن بعض الباحثين أنّ كتاب الشعر جزءٌ من كتاب (نمط صعب ونمط مخيف) وهذا غير صحيح البتة لسببين:
السبب الأول: أن كتاب الشعر كَتَبَه الشيخ بعد كتابة مقالاته المسماة (نمط صعب ونمط مخيف) وهذه المقالات نشرت في مجلة المجلة بين عامي 1969م و1970م.
السبب الثاني: أنّ الشيخ ذكر في كتابه (نمط صعب ونمط مخيف) أن هذا البحث قائمٌ بنفسه، يعني بحثه المسمى كتاب الشعر، وقال: إنه سيعمل على استيفائه قريباً (انظر:ص96)، وهذا يعني أن الكتاب منفصلٌ تماماً عن كتاب (نمط صعب ونمط مخيف).
* * *
إن محمود شاكر في هذا الكتاب انصرف إلى تشريح نظرية الخليل، وراح يحفر داخل أصولها، مستخدماً ذوقه وحدسه وخياله الأدبي، ومستخدماً أيضًا الرواية التاريخية في بعض الأحيان، إنه لا يحلل خطاباً، بل يحلل أصولاً وقواعد ومبادئ مضى على تأسيسها ما يقرب من 13 قرناً، إنه يحلل كتاباً مفقوداً، لا أثر له، سوى قواعده وأصوله ومبادئه، وقد توصل بتحليله إلى نتائج مذهلة، سنتعرف عليها لاحقاً.
وقد ذكر الشيخ المنهج الذي اختطه لنفسه فقال: «رأيته واجباً أن أنظر في علم العروض كما هو اليوم بين أيدينا فأعمد إلى تحليل الأصول التي وضعها الخليل، بلا ريب في ذلك، ثم أحاول أن ألتمس الطريق إلى أوليّة علم العروض من خلالها، ومن خلال الدوائر الخمس التي كان الخليل أوّل من وضعها على صورتها التي هي عليها إلى يومنا هذا».
وأود أن أشير إلى أنَّ الدكتور فهر محمود شاكر -وفقه الله- قد قام بمهمة إخراج هذا الكتاب، وهي مهمة جليلة وشاقة بلا شك، ولكن اللافت أنّ الدكتور فهر قد رأى أنْ يُدخل في الكتاب ما ظنَّ أنه منه، حيث ضمَّنه خمس صفحات من كتاب (نمط صعب ونمط مخيف ص85- 89) وجعلها طليعة كتاب الشعر، وسمى طليعة الكتاب: (على هذا دار القمقم)، وأعتقد أن هذا الرأي الذي ذهب إليه الدكتور فهر -وفقه الله- لم يكن صائباً، فإن ما تضمّنته تلك الصفحات ليس بسبيل ما جرى عليه قلمُ الشيخ، ولا هو من طينته ولا من جنسه، ثم إن الشيخ شاكر -رحمه الله- قد أبان عن منهجه في تأليف الكتاب في الصفحة الأولى المنفصلة عن كتاب (نمط صعب ونمط مخيف).
لذلك فإنه ينبغي أن يبدأ كتاب الشعر من قوله: ليس يدري أحدٌ على وجه التحقيق كيف وقع الخليل على هذه الأصول، التي بنى عليها ما سماه (العروض) الخ.
نعم إن كتاب (نمط صعب ونمط مخيف) هو الذي أثار الشيخ وجعله يتساءل ويطيل التساؤل، وهو الذي ولّد كتاب الشعر، لكن لا يجوز أن نخلط هذا بذاك، فهذا بحثٌ قائم بنفسه كما قال الشيخ، وذاك كتاب قائم برأسه، فهما كتابان منفصلان تمام الانفصال.
(مسألة الوقف في أنصاف الأبيات)
إن الشيخ محمود شاكر يرفض الوقف في الشعر الذي فيه انقطاع النفس، خصوصاً في أنصاف الأبيات، فإنه -كما يقول- مضرٌّ بالنغم، فالشيخ يراعي النغم ويجعل له الأولوية، ولا فائدة من الوقوف في أنصاف الأبيات سوى أن المنشد يريد أن يُعلم السامع أن هاهنا نصف بيتٍ أو شطره.
وأمَّا السر وراء رفض الشيخ شاكر للوقوف على أنصاف الأبيات فلأن البيت عبارة عن (نغم متكامل) لا يجوز فصل بعضه عن بعض، «فإن صيغة القَرِيِّ ومذاقَه، أو إنْ شئت سجعَه ونبضَه، طعمٌ لا يكاد يتبين على التذوق تمام التبين، حتى ينتهي القَرِيُّ إلى مقطعه عند قافيته».
إنَّ النغم المتكامل هو النغم الذي يتميز به قريٌّ من سائر أقراء الشعر، وهو مكوَّن من جملٍ شوابك متلاحمات، ومعنى التشابك عند الشيخ أبي فهر «هو تجاور جمل متلاحمات ذوات نغم، تجاورًا يجعلها صالحةً أن يجريَ في مقطعات القري كلّه، ذوبٌ منسكبٌ من نغمٍ يتحدَّر من رأس مطلعه حتى يستوي نغما متكاملًا عند مقطعه، فيتميز به القري من سائر أقراء الشعر». إن محمود شاكر لم يرفض الوقف على أنصاف الأبيات إلا بعد أنْ نَظَرَ نظرًا عميقاً في أثر ذلك الوقف على النغم، وإن إدراك هذا النغم المتكامل هو في غاية الخطورة فإنه «أعوصُ تعقيدًا وأفدح تشعبًا، وأغمض مسلكا، وأعمق غوراً، وأعصى قياداً، وأبعد من أن تدرك أدنى غاياته بهذا القدر الساذج من المعرفة». ولكي نفهم مراد الشيخ شاكر لا بد أن ندرك الفرق بين الجمل الشوابك والجمل المتلاحمات في البيت الواحد، فالجمل الشوابك هي التي يتكون منها النغم المتكامل من أول البيت إلى آخره ويتكرر في سائر القري، أما الجمل المتلاحمات فهي التي تتكون منها الجملة ذات النغم وجملة جذم النغم، وهذه الجملة مكونة من جزأين تتكرر على سمت القَرِي.
ولذلك فإن سدنة العروض الذين لا يراعون النغم تجدهم يعتنون بالوقف على أنصاف الأبيات، ويَرون أن ذلك من الذوق الشعري، والسبب هو أنهم يراعون المنطق العروضي أكثر من النغم المتكامل الكامن في أقراء الشعر.
(المراحل الأولية لبناء النظرية)
لا بد أن نبين أن محمود شاكر قد أكد بالدليل القاطع أن الخليل ألف كتاب العروض على غير مثال، ونفى بشكل قاطع أيضا أن يكون الخليل قد استفاد علم العروض بعد تأليفه لكتاب النغم، فإن كتاب النغم للخليل متأخر عن كتاب العروض، واستدل الشيخ شاكر على ذلك بنصين الأول لإسحاق الموصلي، والثاني للجاحظ.
ثم إن الشيخ محمود شاكر أومأ إلى أن بناء النظرية العروضية مرت بعدة مراحل أوليةٍ صعبة وخطيرة، وهذه المراحل هي:
المرحلة الأولى: مرحلة البحث والملاحظة، وفيها اهتدى الخليل من خلال الاستقراء إلى معرفة أقراء الشعر أي معرفة أنّ له أنواعا من الأنغام والأوزان، واهتدى أيضا إلى الحركات والسكنات وتتابعها وترتيبها بناءً على إدراكه لاختلاف الشعر وتنوعه، لكنه اكتشف أن تحليل الحركات والسكنات غير نافع في ضبط أقراء الشعر، ولا في ضبط ما يقوم به الميزان، لأنه طريق مسدود، فانصرف عنه، واحتفظ بالتجربة لينتفع بها فيما بعد.
المرحلة الثانية: مرحلة التجريد وهي تحويل حروف البيت إلى متحركات وسواكن، فإن الخليل قد تنبه إلى ضرورة وضع علامات تدل على الحركة والسكون، لكي يستطيع أن يجرد كل بيت من أبيات الشعر تجريدا، بحيث تكون عارية من الحروف التي يتكون منها الكلم، فوضع للحركة هذا الرمز (0) ووضع للسكون هذا الرمز (ا) ثم طبَّقها على قصيدة امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلِ
بسقط اللِّوى بين الدخول فحوملِ
وبعدها اكتشف الخليل أن الحركات في كل شطر من القصيدة ثابتة لا تتغير، أما السكنات فتلحقها الزيادة والنقص.
وبعد عملية التقطيع هذه اهتدى الخليل إلى أن البيت يتكون من جزأين متعادلين، وسماهما المصراعين، وكان السبب في اكتشافه هذا هو معرفته للإجازة والمماتنة. وفي هذه المرحلة لاحظ الخليل الاختلاف الذي يقع أحيانا بين المصراعين من حيث عدد الحركات والسكنات وترتيبها، فأراد أن يفرق بينهما تفريقا ظاهرا، فسمى آخر الصدر العروضَ، وسمى آخر العجز الضربَ. وفي هذه المرحلة انتهى الخليل إلى وضع المصطلحات التالية: المصراع، الصدر، العجز, العروض، الضرب.
المرحلة الثالثة: مرحلة اكتشاف البحر، ويسميه في بعض الأحيان (الأصل التام) فإن الخليل حين جرد القصائد التي يكون بناؤها على (فعولن مفاعيلن) وجد أن (الأقراء/ الأضرب) الثلاثة تكون على حركتين وساكن، فحركة وساكن، فحركتين وساكن، فحركة وساكن وحركة وساكن، ووجد أن هذا يتكرر بأسلوب متناسب ثم وجد أن أضربها قد تختلف، وأن أعاريضها متطابقة، فتساءل حينئذ: من أين جاء الاختلاف؟ فاكتشف أن هذه لها أصل تام تعود إليه، وسمَّاه البحر، ولا شك أن هذا الاكتشاف كان في غاية الأهمية، فقد عرف أن التغيُّر الذي يكون في تلك الأضرب لا يضر بالنغم والإيقاع الذي يختص به البحر، وعرف أيضًا أن الحذف والتغيير إذا وقع في الضرب الأول من القصيدة وجب أن يكون ملتزَما في ضروب أبيات القصيدة جميعا، وعرف كذلك أن هذا الحذف والتغيير الذي يكون في الضرب لا يكون ملتزما إلا في التصريع. ولا شك أن اكتشاف البحر كان هو بداية الطريق، حيث أضاء له ظلمات هذا المجهول الذي يلتمسه. وفي هذه المرحلة اكتشف البحر والوتد والسبب.
المرحلة الرابعة: مرحلة المراجعة : كان الخليل يعتمد على عنصرين اثنين هما التذوق والسمع حينما ذهب يستقرأ أقراء الشعر التي رويت عن العرب، ولقد استطاع بذلك أن يجعل أقراء الشعر جميعها في أبواب محدودة من الأقراء المختلفة المتباينة، واستطاع أن يدرج تحت كل باب منها الأقراءَ المتشابهة مع بعض الاختلاف، حينها أدرك الخليل أنه أمام كم ضخم من الأنغام، فأقبل عليها يدرسها ويتأملها، علَّه يجد سر ذلك النغم الذي يصاحب أقراء الشعر، فاكتشف بالفعل –بعد مراجعته لمصطلحاته وملاحظاته- أنَّ الأوتاد والأسباب لها تعلقٌ شديد بالنغم، ثم تساءل الخليل: أي الفريقين ألصق بإحداث النغم في الشعر الأوتاد أم الأسباب؟.
وهذا -كما يقول اشيخ شاكر- أمرٌ غامض يحتاج إلى إنعام نظر ولُطف تدبُّر، فلم يجد الخليل شيئا أجدى من المقارنة بين تجريد حركات ما هو مستقيم في (الأقراء/ الأضرب) الثلاثة والتي أثبت أنها جميعاً من بحر واحد، فاكتشف بعد تحويل بيت من الأقراء بأن هناك سببًا (أي حركة فسكونا) قد أحدثَ الفرق:
صدر البيت قبل التحويل: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلِ
صدر البيت بعد التحويل: قفا نبك من ذكرى منزلٍ وحبيبِ
فحينما يحذف (من) من قوله (منزل) يستقيم الشطر المحوَّل ويصبح من القري/الضرب الثالث، فأدرك الخليل أن هذا السبب الزائد قد باعد بين وتدين، أي أنه زحزح الوتد الثالث من مكانه فاضطرب البيت وتهدم، فعلم الخليل أن البيت لا يمكن أن يستقيم بناءُ نغمه إلا بثبوت الأوتاد كلِّها في مواقع مضبوطة النسبة بين كل وتد ووتد من أوتاده جميعاً، وضابط هذه النسبة هو عدد الأسباب التي تفصل بين كل وتدين من أوتاد البيت.
بعد هذا الاكتشاف المهم أصبح همُّ الخليل هو تمييز الوتد عن السبب وبدون إحداث هذا التمييز ستبقى الأوتاد والأسباب في البيت متشابهاتٍ، فالتمييز هو ما سوف يجعله يعيد إلى الزحافات ما لحقها من الحذف بسبب الزحاف، فاهتدى إلى تقسيم الوتد إلى مقرون ومفروق، وإلى تقسيم السبب إلى خفيف وثقيل.
المرحلة الخامسة: تطبيق التجريد من خلال دراسة أقراء الشعر، ومن خلاله سيهتدي إلى الزحاف وهي ملاحظة لا تكاد تصدق، لأن الذي بين يدي الخليل حركات وسكنات متتابعة فقط، لقد استطاع أن يفرق بين الأوتاد والأسباب، وأن يفرق بين ما هو أصل وما هو مغيَّر يُرد إلى أصل، وردُّ المتغير وأشباهِه إلى أصله أمر معقَّد، ولا شك أن الخليل قد استفاد من ملاحظاته المتقدمة.
وقد لاحظ الخليل بعد تطبيق التجريد أنَّ نسبة الأسباب إلى الأوتاد واحدة لا تتغير في القَرِي الواحد، وكذلك في الأقراء المتشابهة التي يجمعها الأصل التام الذي سماه بحراً، ولاحظ أيضاً أن الفاصل بين كل وتد، والذي يليه لا يمكن أن يكون أكثر من سببين أبداً، ثم لاحظ أنه لا يمكن أن يجتمع سببان ثقيلان أبداً، ثم لاحظ أن السبب الثقيل لا يمكن أن ينفرد فيجتمع هو ووتد مقرون أو وتد مفروق.
المرحلة السادسة: البحث في سر النغم: هو أخطر المباحث وأعوصها، وقد كان كل همّ الخليل مصروفاً إلى الكشف عن سر حدوث النغم الذي تنفرد به أقراء الشعر من سائر الكلام، لذلك فإنه نظر في الكلام الذي يحتوي على نغم، فوجده كلامين؛ أحدهما: منطوٍ بعضه على نغمٍ، وهو ما يجري على ألسنة الناس، وما يجري على ألسنة بلغائهم خاصة، وهو ما اصطلح الناس على تسميته نثراً. والآخرُ: مبنيّ على النغم، وهو ما يجري على ألسنةِ طائفةٍ خاصة من البلغاء، وهو ما اصطلح الناس على تسميته شعراً، فالشيء الذي ينبغي أن يُرد إليه هذان الكلامان هو النغم وحده، فلا يرد إلى شيء خارجٍ عن أنفس الألفاظ التي يتكون منها الكلام، كالذي يحدث عند الترنم والإنشاد والتغني من المط والمد والاختلاس والغنة والروم والإشمام، وأشباه ذلك من ضروب الأداء. ولا يردُّ أيضاً إلى شيء باطن في أنفس الألفاظ كالأغراض والمعاني.
ثم أخذ محمود شاكر يجلي أمر هذين الكلامين، ويذكر أوجه الاتفاق والافتراق بينهما، وفي أثناء ذلك عرضت له (الجملة ذات النغم) وبدأ ينظر فيها ويطيل النظر، وقال: هو شيء مبهم لا يكاد يَعرفُ الخليل طبيعته، فأخذ يسأل الخليلُ نفسه أسئلة مهمة جداً: ما هي هذه الجملة ذات النغم؟ وما هو حدها؟ ومما يتركب نغمها؟
(الإضافة العلمية التي قدمها الشيخ محمود محمد شاكر)
لا شك أن الشيخ أبا فهر قد قدم عملاً إبداعياً جليلاً، عظيم القدر، وقد تمثلت إضافته العلمية فيما يلي:
أولًا/ استطاع أن يتصور المراحل الأوَّلية لكيفية بناء النظرية العروضية، وكان تصوُّره -في الكتاب كله- يعتمد على تحليل الأصول التي وضعها الخليل، متكئاً على الذوق والحدس والخيال الأدبي.
ثانياً/ قام بدراسة وتحليل النغم الكامن في أقراء الشعر العربي القديم وجعل البحر الطويل هو النموذج التطبيقي.
ثالثاً/ نتج عن هذا التحليل تأسيس علم جديد -فيما أحسب- هو علم نغم الألفاظ، أو النغم الكامن في الألفاظ التي هي مادة الشعر، ويمكن أن يكون هذا العلم فرعاً عن علم العروض.
رابعاً/ قام بتحليل صوت المقطعة السائبة ولم يكملها، وجعل حرف (تا) و(تَن) نموذجاً، فبدأ بالأولى ولم يكملها.
خامساً/ ابتكر مصطلحات مهمة وفاعلة، ووضع لها حدودا، وهي:
1- أوتار اللغة: ألفاظها وتراكيبها المبيْنة عن المعاني.
2- التجريد: هو تجريد حركات الشعر وسكناته.
3- الترافد: هو أن تتعاون الجملتان على النغم وتمد إحداهما الأخرى بما يقويها ويسندها، فينمو النغم ويتكامل.
4- التشابك: هو تجاور جُمل متلاحمة ذوات نغم تجاوراً يجعلها صالحة أن يجري في مقطعات القري كله ذوبٌ منسكبٌ من نغمٍ يتحدر من رأس مطلعه حتى يستوي نغمًا متكاملًا فيتميز به القَرِي من سائر أقراء الشعر.
5- التلاحم: هو اندماج جزأين اندماجًا مصمتًا، حتى يصير ما بين طرفيها متنًا واحدًا، تجري على مقطّعاته ذبذبات النغم.
6- التناحر: هو أن تتنازع الجملتان على النغم لتغلب عليه، فيفسد النغم كله، ويبطل، فكأنَّ بعضها ينحر بعضاً.
7- التوأمان: هما حرف التاء وحركتها، وأظنه أخذ التاء من (وجدتُ الهوى صعباً) وذهَبَ يحلل صوتها.
8- الجملة: هيئة محددة مكونة من عدد معين من الحركات والسكنات، له ترتيب متتابع، أو هي ما يتكون من تتابع حركاتها وسكناتها فقرة ذات نغم، سواء تم بها الكلام أو لم يتم، وليس المقصود الجملة المعروفة في النحو.
9- الجملة ذات النغم: هي التي تكونُ مركبة من جزأين، يشتمل كل جزء منهما حتماً على مقطعة ملتحمة، وهي في ذاتها جملة غير تامة، ولا تتم حتى تدخل في سياق جملٍ ذوات نغم، ينبعث من ائتلافها وترافدها نغمٌ متكامل، فلا يصح في العقل أن يقال لجملة مفردة: إنها جملة ذات نغم، إلا بشرط لازم هو صلاحها للنمو في نغم معين بين الحدود، وحدُّها أن يكون أقل رموزها عدداً هو عشرة (10) رموز، ثم لا يمكن أن تكون أقلَّ من ذلك البتة، ثم يكون أيضًا اثني عشر (12) رمزاً، ثم يكون أربعة عشر (14) رمزاً، وينبغي أن يكون ظاهراً مذكوراً أنَّ أمر النغم ليس مردوداً إلى ظاهر عدد الرموز فإنه سخفٌ محضٌ، بل إلى تناسب الجزأين في الخَلاقة للنغم ولاحتماله، وإلى اعتدال عدد رموزهما، وإلى صلاحهما مركبين معًا أنْ ينشأ عنهما جِذم نغم.
10- جملة جِذم النغم: أن يكون مَطْلعاً لنغم متكامل، وأن يكون حسناً أنْ يتكرر على سمت القَرِي مراتٍ، وله ثلاثة حدود: حد أدنى: إذ يكون مركباً من جزأين متساويين خماسيين، فعدد رموزه عشرة (10) رموز. وحد أقصى: إذ يكون مركباً من جزأين متساويين سباعيين، فعدد رموزه أربعة عشر (14) رمزاً. وحد أوسط: إذ يكون مركباً من جزأين غير متساويين، خماسي وسباعي، فعدد رموزه اثنا عشر (12) رمزاً.
11- الجملة على البراءة: أولها متحرك وآخرها ساكن وما بين طرفيها حشو من الحركات والسكنات، وهيأتها لا تَفرض على السمع نغمًا ما، ولا تستحقه هي من ذاتها ولا من تكوينها، بل هي جارية على فطرة الكلام أو على البراءة إذ كانت خلوًا من نغمٍ متعمد مقصود إليه.
12- الجملة التي فيها خلاقة للنغم ولاحتماله: هو العدد المحدود من الحركات والسكنات بتتابعها وترتيبها الصالح للوقوع في كل قَرِي منها، إما في صدره، وإما في حشوه، وإما في عجزه، قابلة للتلاحم بما قبلها وبما بعدها.
13- الجملة السانحة: هي الملتقطة من عُرض كلامٍ جارٍ.
14- الرسم: هو الدال على ترتيب الحركات والسكنات وعلى عددها، وهو صفة صورة الشيء التي يكون عليها في ظاهره.
15- رسم الجملة: أي تجريدها حتى تصير حركات وسكنات.
16- رسمُ جملةِ مقبوض الصدر: هو الذي سقط منه ثاني سواكن الرسم التام.
17- رسمُ جملةِ مقبوض العجز: هو الذي سقط منه رابع سواكن الرسم التام.
18- رسم مطوي: هو الذي سقط منه ساكنان معاً، هما الثاني والرابع من سواكن الرسم التام، أي هو مقبوض الصدر والعجز جميعًا.
19- الرسم التام للجملة: هو الرسم الذي سلم من القبض.
20- الرنين: ما يقترن بنغم الكلام من صدى جرس الحروف عند النطق بها، أو عند ترديدها في الصدر.
21- السجع: وهو مصطلح نغمي يختلف عن مصطلح السجع في البلاغة، ويقصد به الصوت المتوازن فإذا تكرر هذا الصوت اعتدل الكلام وتكافأت أقسامه.
22- السرد: أن تقرأ الكلام متصلاً متسقاً بعضه في إثر بعض، بلا جنوح إلى الترتيل المتعمد.
23- الطي: هو مصطلح نغمي يختلف عن مصطلح الطي في العروض: ويقصد به الذي سقط منه ساكنان معاً، هما الثاني والرابع من سواكن الرسم التام، أي هو مقبوض العجز والصدر جميعاً.
24- القَرِي: هو لفظ قديم مهجور، أحياه الشيخ محمود شاكر، وجمعُه أقراء، وهو حامل النغم في الشعر.
25- الكلام المنطوي على نغم: وهو ما يجري على ألسنة الناس، وما يجري على ألسنة بلغائهم خاصة، وهو ما اصطلح الناس على تسميته نثراً.
26- الكلام المبني على النغم: وهو ما يجري على ألسنة طائفة خاصة من البلغاء، وهو ما اصطلح الناس على تسميته شعراً.
27- مزامير الشعر: هي أقراء الشعر التي تحمل النغم، جمع مزمار، وهو الناي.
28- المقطعة الملتحمة: وهو مصطلح نغميٌّ يوازيه في العروض الوتد المجموع أو المقرون: وهو حركتان يليهما ساكن، مختصة بالجزء، لا تتكرر فيه، ولا يلحقها تغيير.
29- المقطعة السائبة: وهو مصطلح نغمي يوازيه في العروض السبب الخفيف: وهو حركة يليه ساكن، مختص بالجزء، يمكن أن يتكرر فيه.
30- النغم الخفي: أي في أنفس الألفاظ، غير شامل، قد انطوى عليه الكلام الذي يتكون منها.
31- نغم الشعر: مركب من مقطّعات ملتحمة وسائبة، هي حركات وسكنات مجردة من حروف الشعر، أي هي صوتٌ محض.
32- النغم الظاهر: أي في أنفس الألفاظ، شامل، قد بني عليه الكلام الذي يتكون منها.
33- النغم المتكامل: هو النغم الذي يتميز به قريٌّ من سائر أقراء الشعر، وينبغي أن يكون مكونا من جُمَل شوابك متلاحمات.
** **
منصور بن عبدالله المشوح - بريدة