الثقافية - علي القحطاني:
تمكن الباحث والروائي السعودي صالح بن عايض اليامي، من توظيف إحدى أعظم قصص العشق والحبّ العذري بنهايتها المأساوية وفصولها الممتلئة بالدراما والحزن والتأسي على الذات، على نحو روائي، مع إعادة توظيف خوارزميات الذكاء الصناعي لتكوين أقرب صورة للحقيقة من خلال سيرة «المرقّش» أحد أبرز شعراء الجاهلية وأحد أبطال حرب البسوس، وجاءت الرواية معنونة بـ«المرقش» التي صدرت قبل أيام عن دار «نينوى» للدراسات والنشر، وهي هذه الرواية الثامنة اليامي، وسبقتها: «أرملة مهندس»، و«شآبيب»، و«الغياف»، و«كفانا حزناً»، و«قيادة الأفكار تعلمك القيادة»، و«رقصة الهرداء»، و«مذهب الأمل 2022» وفي لقاء مع الروائي عايض اليامي لـ«الثقافية» تحدث عن استعانته بخوارزميات الذكاء الاصطناعي في محاولة لتقريب سيرة الشاعر الجاهلي «المرقش» بأقرب صورة واقعية، كما تحدث الروائي اليامي عن قدرة الخوارزميات والذكاء الصناعي على خلق نصوص إبداعية جميلة تفوق ما يكتبه الإنسان، أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد تكهنات وتخرصات ويبقى دوره متجمداً في تخزين المعلومات واسترجاعها، كما تحدث عن طموحه في إطلاق ملحمة نجران موسوعة الشعر والشعراء ومشاريعه الثقافية المقبلة.
خوارزميات الذكاء الصناعي
تمكنت من إعادة تقديم قصة أحد أبرز شعراء الجاهلية «المرقش» بأسلوب روائي شيق، مستعيناً بخوارزميات الذكاء الاصطناعي، في محاولة لتقريب سيرة هذا الشاعر بأقرب صورة واقعية، كيف تم ذلك؟
الحب والعشاق دائماً يكونون في الأزمنة، ويتعالون عن الأمكنة، هم الخالدون، وهم الذين خلدوا التاريخ والأحداث، الشعر ديوان العرب، وهو كذلك، عندما شرعت في البحث عن تاريخ العرب في الجاهلية، لم أجد شيئاً مكتوباً، ولم يكن هناك كتابات إلا النقوش التي تنزف دما بالقتل والنار والدمار، منها على سبيل المثال آبار حمى، حيث تبكي الحجاز على مآسي الشعوب المؤمنة جراء تكالب المصالح والضغينة اليهودية المتأصلة منذ ما قبل الإسلام.
وجد في الأدب السرياني والسوري المسيحي، وفي وثائق الحبشة، وبعض من كتب بيزنطة، سألت نفسي ماذا تعرف عنا الآلة اليوم أو العقول الإلكترونية لأنها هي قادة الفكر، وهي التي تحكم، وتتحكم، وكان التوجه الأيدلوجي مسيطراً، وكل يعمل على شاكلته، فبرزت فكرة كيف نتمكن من إعادة كتابة التاريخ بكل تجرد وبعيد عن العواطف وثقافة المنتصر، فقط التاريخ كما هو، ومن هنا انبثقت فكرة إعادة سرد حكاية المرقش الذي عاصر أعظم الأحداث التي مرت على العرب قاطبة. حرب البسوس، حرب ذو نواس، حروب الغساسنة والمناذرة، أعظم أيام العرب، منها يوم الكلاب، ويوم الرزم، ويوم حليمة وغيرها، وكان جزءًا مهماً فيها، هو وقبيلته ضبيعة من بكر بن وائل، وكانت خاتمة رحلته موته المأساوي لأجل الحب والوفاء والعشق العذري في نجران، فتورط بالعاطفة معه.
خلق نصوص إبداعية
هل الخوارزميات والذكاء الصناعي قادران على خلق نصوص إبداعية جميلة تفوق ما يكتبه الإنسان أم أن الأمر مجرد تكهنات وتخرصات ويبقى دور الخوارزميات في تخزين المعلومات واسترجاعها؟
كَثُر الحديث عن الذكاء الاصطناعي، وعن قدرته على فعل كل شيء، وبكل مختصر العلم ما زال عاجزاً عن فهم عصبون واحد من مليار عصبون في الدماغ البشري، وذلك جزء مادي، فما بالك بما هو أعلى وأسمى منه، أتذكر كتاب عصر الآلات الروحية ريموند كرزويل عام 2012 يتحدث عن الآلات الروحية وقدرتها على نظم الشعر، ولكن ماذا يعني الإبداع ذلك هو الأمر، وليس المحاكاة، إذا كان الإبداع هو محاكاة شاعر أو رواية أو فكرة، فسيفعل الأفاعيل، وتلك هي قضية ذائقة وللأسف بأنها ليس بخير.
أما إذا كان الأمر مخاطبة الروح ومزاوجة النفس وتأمل للجمال فتلك صعبة حتى على كثير من البشر. مثلما ذكرت في مقال سابق، بأن طواغيت التقنية غايتهم أن يجعل الإنسان شبيهاً بالآلة عندما عجزوا في جعل الآلة شبيهة بالإنسان وللأسف بدؤوا يتقدمون.
ملحمة نجران وموسوعة الشعر
تطمح من خلال اهتمامك بالخوارزميات والذكاء الصناعي إلى إطلاق ملحمة نجران موسوعة الشعر والشعراء حدثنا عن مشاريعك الثقافية في العالم الرقمي؟
الذكاء الاصطناعي لا قيمة له إلا بالبيانات، والبيانات المنثورة والمبعثرة لا قيمة لها أيضا، ما لم توثق، وتنسق وتجعل في موسوعة أو مجلدات يسهل الرجوع إليها، بيئة نجران بيئة خصبة بالشعر والشعراء، ولا يوجد مرجعية في ذلك، كذلك يصعب الوصول أو البحث، فأعلنت مبادرة ملحمة نجران موسوعة الشعر والشعراء، التي نطمح من خلالها لجمع اللغة واللهجة والمصطلحات والأحداث، وترتيبها الزمني، كذلك تطبيق بعض خوارزميات الذكاء الاصطناعي لدراسة النصوص ومعرفة المنحول منها والركيك والمؤثر، ورفع الذائقة من خلال جلسات نقدية.
منذ أن أطلقنا المبادرة، وحتى اليوم تجاوزنا الخمسين ألف بيت، ولك أن تتخيل أن قصيدة مهذل الصقور «أنا كالقيامة ذات يوم آت» ربع مليون مشاهدة، بينما قصائد أخرى لا تتجاوز بضع المشاهدات، والسبب يكمن في قوة بالبناء وآلية الوصول والأرشفة.
** **
@ali_s_alq