يعد الدكتور أحمد شوقي بنبين هو أوّل من نقل الكوديكولوجيا بمفهومها المتكامل إلى العالم العربي -فيما أظن- فأصبحت دراسة المخطوط العربي على مستويين اثنين المستوى الفيلولوجي والمستوى الكوديكولوجي، فالمستوى الأول: هو علم نقد ودراسة النص المخطوط، وهو بالمفهوم العربي الشائع: (علم تحقيق النصوص). أما المستوى الثاني: فهو علم دراسة المخطوط باعتباره قطعة مادية، ومصطلح الكوديكولوجيا مركب من لفظين: اللفظ اللاتيني (كوديكس) أي كتاب، واللفظ اليوناني (لوجوس) بمعنى علم، والكوديكولوجيا تهدف إلى دراسة المخطوط من خلال شيئين: أولهما دراسة كل أثر للكتابة في المخطوط باستثناء المتن أو النص. ثانيهما: البحث في العناصر المادية للمخطوط.
أي هي تدرس «كل أثر في المخطوط باستثناء المتن، أي هي علمٌ يبحث في خوارج النص كالحواشي والتصحيحات والتعليقات واللحق والتملكات والوقفيات والإجازات ثم العناصر المادية المتعلقة بصناعة المخطوط من توريق وترقيم وتجليد وتجارة وما يلي ذلك من تكشيف وفهرسة».
وباختصار: إن الكوديكولوجيا لا تهتم بالمتن وما يحويه، وإنما تهتم بالمخطوط بوصفه قطعة مادية، غاضَّة الطرف عن موضوعه ومادته العلمية.
ما من شك أنَّ هذا التصور الجديد في دراسة المخطوط العربي يعد تطورا مهمّا، ذلك أن هناك أسئلة كثيرة داخل المخطوطات لا تزال عالقة وهي تبحث عن إجابة، ولقد أكد د. أحمد شوقي بنبين غير مرة أنَّ هذا العلم ما زال في بداياته الأولى، وأنه لا يزال يحبو، وأنه حقلٌ بكرٌ.
إن الكوديكولوجيا التطبيقية كان معمولا بها في الأوساط العلمية على نطاق ضيق، بمعنى أنها لم تكن واضحة المعالم، ولعل السبب هو أنها تتداخل مع بعض العلوم الأخرى كالفيلولوجيا، والباليوغرافيا، والببليوغرافيا (الفهرسة)، والأركيولوجيا، وعلم الوثائق، فكان ضروريا وحتميا فصلُ هذا العلم عن هذه العلوم، وما من شك أن هذا الفصل كان من صالح المخطوط العربي وسيخدمه -في قادم الأيام- خدمة كبيرة وسيأخذ به إلى رحاب أوسع.
لقد أصبح واجبا على المجتمعات العربية أن تُعنى بهذا العلم الجديد الذي يخدم تاريخها وتراثها وحضارتها، فإن أي مخطوط يُعد شاهدا ماديا على ذلك العصر الذي صنعت فيه، ودليلا على النشاط الثقافي داخل القطر الذي انبثقت منه، وعليه فالمخطوطات مرآة تعكس الحياة الثقافية للزمان والمكان الذي ولدت فيه، وهي جزء من تاريخنا الثقافي والحضاري، وهذا يدعونا إلى العناية بها بأعلى قدر ممكن، فهل سنرى في قادم الأيام ما يسعد عشاق التراث وسدنته.
** **
منصور بن عبدالله المشوح - بريدة