لم أكن لأصدق يوما أن الأيام قد تتكرر ليس بأحداثها وإنما حتى بما تحويه!
وكأن روزنامة يوميات حبست في قارورة فانكسرت على مرفأ شاطئ فتدفقت فيها الحياة.
كان مكانها في المنتصف على جدار الغرفة التي تقوم بمقام الصالة نهارا وغرفة النوم ليلا للبيوت العربية التصميم التي تفتح لشمس النهار ذراعيها ولقمر المساء حكاياته على فنائها.
استقرت بعد أن تنقلت بين غرف المنزل،تقابل الباب وكأن الداخل يحيي نفسه قبل أن يحييه من يجلس فيها.
كانت بمثابة اللمسة الأخيرة قبل خروجي أتأكد من أناقتي وشكل وجهي الذي لم تلمسه سيطرة علب المكياج ولا واقي الشمس ولا مزيل البثور ولا أحمر الشفاه.
كنت أعجب لم كانت النظرة الأخيرة معها دائما حتى تتوارى تفاصيل وجهي عن مدى الرؤية فأحيل جسدي عنها؟!
تلك المرآة التي كانت تعكس كل التفاصيل، تتضح من خلالها صفاء الرؤية.
أخاطبها أحيانا، ثقيلة تتميز ببرواز خشبي عريض، له سمرة عجيبة أملس ليس عليه أية نقوش.
هي من سفرات والدي لا أعلم هل هي من بنات الهند أم السند أم إفريقيا؟!
لها أخت أو لنقل ابنة عم، علاقتي معهن منذ أمد طويل منذ طفولتي الصغيرة.
تلك الأخيرة عجيبة تغير من ملامح الرائي كلما اقترب منها.
لها جوانب أشبه بأطراف المنظور لا تعطي صورة حقيقية وكأنها تلاعبك لكنها لا تغير من الشكل كثيرا تحوي تفس الإطار الجميل لرفيقتها.
بعد عقود، لم أتخيل يوما أن تحط تلك المرآتان بيتي لم يتغير سطح المرآة أبدا،لكن الإطار بدت عليه علامات الشيخوخة فأخذت دون وعي مني، بشراء شريط ديكور لاصق مناسب للونها السابق.
لكني بعد مرور الوقت شعرت بأني ألبست فتاة القرية الأصيلة، بجينز لا يليق بها.
تخيرت لها مكان الصدارة في صالتي.
وعلى الرغم من ذلك، هناك هاجس يجول في خاطري كأني أحلتها للتقاعد.
أشعر أنها لم تعد بتلك الأهمية على الأقل بالنسبة لي، لا أدري هل لأنني ما عدت تلك الفتاة التي تخاطب مرآتها كلما مررت بجانبها.
لكنها أضحت وأمست وأصبحت تذكرني بذلك الوجه الطفولي وتلك البراءة في تصرفاتي العفوية، وذلك الوجه الذي التصق بي حتى سنوات عملي الأولى الوجه الطفولي كما اعتدت سماعه من رفيقاتي.
أشعر كلما رأيتها بأن وجهي ملتصق على سطحها.
ربما يكون تعليق والدتي كلما رأتني أخاطبها في ذهابي وإيابي ووقوفي أمامها: (بنتي صمغة ويهج بتخلص).
ما تبادر إلى ذهني وقتها تحليلا لحديث والدتي أن المرآة ستسحب من بريق وجهي كلما داومت على ما أقوم به.
فتناقصت مدة المكوث، ولكني أتذكر تلك النظرات المختلسة كلما مررت أمامها، فأضحك كلما رأيتها أستعيد حنين تلك السنين.
** **
عائشة بنت جمعة الفارسية - سلطنة عمان