حاوره - عبدالعزيز العنزي:
أحمد بن عبدالرحمن السبيهين أديب كرَّس وقته في ترجمة الآداب للعالمية، حيث تزخر مكتبته الخاصة بالعديد من النوادر من القصص والروايات والمجلات الأجنبية النادرة، فكان اهتمامه بالأدب الإنجليزي كبيراً.. نستضيفه في هذا الحوار ليحدثنا عن هذه التجربة وعن رؤيته للكتابة العالمية إلى جانب أحاديث عن سيرته واهتماماته.. فإلى نص الحوار
* ما هو سرّ اهتمامكم بالأدب الإنجليزي؟
- عندما نتحدّث عن ماهيّة الأدب بصفة عامّة، فهي من وجهة نظر بعض النقّاد، بأن معنى الأدب هو أمر يهدف إلى التعلّم والإمتاع، ويعزّز الجانب الجمالي أكثر من الجانب المعرفي، ثم شدّدوا على أهميّة الشكل والتقنية؛ فليس مُهمّاً «ما يُقال»، وإنما «كيف يُقال»!
ثم أنهم شبّهوا العمل الفني بالكائن الحيّ، القادر على التطوّر والتكيّف مع الظروف الثقافية المُستجّدة.
أما الأدب الإنجليزي بشكل خاصّ، من وجهة نظر «ديكنز»، فهو «أمر تعرفه عندما تمرّ به». وهو «خطابات مكتوبة، ومجموعة من أعمال الفن الإبداعي»، بحسب «دي كوينس».
والأدب الإنجليزي يشمل ما كتبه الكُتّاب من «إنجلترا، واسكتلندا، وويلز» باللغة الإنجليزية، في مجالات الشِعر والنثر والمسرحية. وقد نبغ العديد من الكُتّاب والأدباء الإنجليز على المستوى العالمي، وكان نصيب «المملكة المتحدّة» إحدى عشرة جائزة «نوبل» للأدب، بدءاً من الكاتب والشاعر الإنجليزي «روديارد كيبلنج» في عام 1907 .
ويُعدّ «ويليم شكسبير» علامة فارقة في تاريخ الثقافة الإنجليزية، وخصوصاً مسرحيّاته التراجيديّة الأربع: «هاملت، وعُطيل، والملك لير، وماكبث».
أما في كلاسيكيّات الرواية الإنجليزية، فقد برزت أعمال «تشارلز ديكنز» و»جيمس جويس» و»فرجينيا وولف»؛ الذين أرسوا تيّار الوعي في الرواية البريطانية.
وأما في الشِعر، فقد تميّز الشُعراء الرومانسيّون في بداية القرن التاسع عشر، ومن أبرزهم «ويليام وردزورث» و»جون كيتس» و»تي إس إيليوت».. وغيرهم.
ولذلك فلا غرابة أن يحظى هذا الأدب، كغيره من الآداب العالمية الرفيعة، بما يستحقّه من الدراسة والاهتمام.
* ماذا يُمثّل لكم الأدب العالمي عموماً، والأدب الأمريكي على وجه الخصوص؟
- لكُلّ أُمّة من الأُمم أدبها الخاصّ، الذي تهتمّ به وتفخر، أما الأدب العالمي فلهُ خصائص مُحدّدة لا بُدّ أن يتمتّع بها أيّ أدب، ومن تلك الخصائص: أن يتميّز العمل الأدبي بمستوى فنّي وفكريّ مُتقدّم؛ أي يجب أن يُقدّم إضافة جماليّة وفكريّة للأعمال الأدبية الموجودة في العالم، كذلك يجب أن يُحقّق هذا العمل وجوداً وحُضوراً خارج حدوده القوميّة، عن طريق الترجمة والنقد.
وقد شهد التاريخ العديد من الأعمال الأدبية العالمية التي نالت حُضوراً واسعاً في مختلف الثقافات والأزمان؛ مثل «ملحمة جلجامش» من صُلب الحضارة السومرية، و»ملحمة الإلياذة والأوديسة» من قلب الحضارة اليونانية القديمة.
أما الأدب الأمريكي، فقد كان في بداية الأمر عبارة عن امتداد للأدب الإنجليزي، إلا أنه لم يلبث أن استقلّ عنه، مٌتّخذاً طابعاً جديداً يُميّزه عن غيره من التوجّهات الأدبية الأخرى.
ولعل أهميّة الأدب الأمريكي تتمثّل في احتوائه على خصائص مُميّزة؛ كتمجيد المُثل العليا، وصفات الاعتماد على النفس والاستقلالية، واحترام الإنسان، والتأكيد على الديموقراطية، وحُبّ الطبيعة.. وتُعدّ الفُكاهة عامّة، والفُكاهة الساخرة أيضاً من خصائص هذا الأدب.
* ماذا يُمثّل في رأيكم التواصل والتقاطع بين الآداب العالمية؟
- لقد رأت الأُمم والشعوب منذ القِدم حاجتها المُلحّة في اتّصال بعضها ببعض، وفي تبادل الثقافات كما تتبادل السلَع.
وقد تبيّن للمُفكّرين في تلك الأُمم أن تباد ل الثقافة تحول دونه حصون منيعة بين بني الإنسان، وتلك الحصون هي التي نُسمّيها اللّغات.
فأداة التفكير تختلف من أُمَة إلى أُخرى، وأولئك الذين حاولوا التطلّع إلى ما وراء تلك الحصون، هم نفر قليل من الناس في كٌلّ أُمّة وفي كُلّ عصر، وهم الذين قرّبوا بين الشعوب، ووصلوا الإنسان بأخيه الإنسان، رغبةً في تبادل المنافع والمعارف، عسى أن يتكوّن من البشر جميعاً مجتمع إنسانيّ، يسوده التّعاون والتّفاهم والسلام.
* تابعتُ شغفكم واهتمامكم بترجمة الأدب الأمريكي.. حدّثني عن تجربتكم في الترجمة؟
- يعود اهتمامي بالأدب الأمريكي لاهتمامي بالثقافة والقراءة والاطّلاع بصفة عامّة منذ الصغر.
فقد كان الوالد -رحمه الله- أديباً ومُعلّماً ومُثقّفاً عظيماً، وكان يُشجّعنا على القراءة، ويُتيح لنا الاطّلاع على أُمّهات الكُتب الأدبية والثقافية.. فنما هذا الاهتمام لديّ ليشمل الآداب العالمية بصفة عامّة ويبعث على التخصّص في دراسة اللغة الإنجليزية وآدابها.
ومع أن الأدب الأمريكي في الحقيقة نشأ في الأصل من أدب الإنجليز منذ استعمارهم للعالم الجديد، إلا أنه انتشر في أرجاء العالم، مع بروز الولايات المتّحدة كقوّة عُظمى بعد الحرب العالمية الثانية، وسطوة إعلامها وثقافتها وسيطرتهما على جميع الوسائل، من صحافة وكُتب وسينما.. وغيرها.
فبرز الكثير من أدبائها الكبار الذين فاز العديد منهم بجائزة «نوبل» للآداب، وكان من أبرزهم: أديب أمريكا المحبوب «مارك توين»، وعبقريّ الأدب المغامر «إرنست همنغواي»، ونصير البؤساء والمشرّدين «جون شتاينبك» وغيرهم.
ولذلك فقد كنتُ مُطّلعاً ومُتابعاً لكثير من الإصدارات الأدبية والمجلّات الثقافية التي تصلنا من هناك.
وقد حالفني الحظّ -على سبيل المثال- في اقتناء أعداد لا بأس بها من مجلّة «ريدرز دايجست» الثقافية، والتي صدرت منذ أكثر من سبعين عاماً، فتوّج هذا الاهتمام بالقيام بترجمة مقالات ونصوص إبداعية نادرة، ونشرها في الصحافة، لإتاحتها لاطّلاع القُرّاء والمهتمين بالثقافة والآداب العالمية.
* هل تنوون إمداد هذه الرؤى والأفكار حول الترجمة والنصوص المترجمة في كتاب؟
- للترجمة شئون وشجون، ينبغي الإحاطة بها لمعرفة حقيقتها، وطبيعة عمل المترجمين؛ فللترجمة صعوبات تواجه القائمين عليها على مرّ العصور، ولكنهم مع هذا لم ينصرفوا عنها، بل ظلّوا يتابعون جهودهم جبلاً بعد جيل، وعصراً بعد عصر، فيوفّقون حيناً ويخفقون أحياناً.
وقد حاول العرب -مثلاً- نقل فلسفة اليونان وعلومهم إلى اللّغة العربية، فصادفوا مشقّة وعُسراً.. وقد تعرّض شيخ البلاغيين «عبد القادر الجرجاني» إلى مشاكل الترجمة دراسة وتفصيلاً منذ أكثر من تسعة قرون في كتابه «أسرار البلاغة».
فاللّغة العربية من اللّغات التي عُنيت بموسيقى ألفاظها وعباراتها، ولها مما يسمّى بالمُحسّنات اللفظية فنونٌ وضع لها المتأخّرون من دارسيّ البلاغة قواعد يُطلقون عليها «علم البديع»، ومن أشهر فنونه ما يُسمّى «بالجِناس».. وهناك أمثلة كثيرة من النصوص والعبارات لا يتّسع المجال لذكرها، فكيف السبيل إلى ترجمتها؟
إن ترجمة الآداب إلى لُغات أُخرى بصفة عامّة ليست بالمستحيلة، ولكنها تحتاج إلى الجهد والمثابرة، وتتوقّف إلى حدّ كبير على السيطرة والقوّة في اللّغتين.
أما على الصعيد الشخصيّ، فإن المقالات والنصوص التي قمت بترجمتها ونشرها في الصُحف، فإني أتطلّع -بمشيئة الله- لجمع ما أرى أنه الأفضل والممتع والمفيد منها، ونشرها في كتاب في المستقبل القريب.
* ما هي أبرز محطّاتكم العلمية والعملية؟
- أنهيت مراحل التعليم الأولى في مدينة الرياض، ودرست اللّغة الإنجليزية وآدابها في جامعة «الملك سعود»، ثم حصلت على شهادة الدبلوم في الإدارة من جامعة «بيتسبرج» الأمريكية، إضافة لحضوري دورات تدريبية ومؤتمرات عربية وعالمية في مجالات علمية وفنيّة شتّى.
ثم التحقت بالعمل بعد الدراسة مباشرة بالشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك»، حيث تدرّجت في عدّة وظائف؛ منها مسؤولاً للمُشتريات، ومُديراً للانتقالات الدولية في قطاع الموارد البشرية، ومُديراٌ لمكتب رئيس الشركة التنفيذي.
ثم أني حصلت على التقاعد المُبكّر من العمل، وأصبح لديّ وقت كافٍ لمزاولة بعض الهوايات التي كان يحول دونها الانشغال بالأعمال الوظيفية، كالقراءة والكتابة وغيرها.