في حين أن الجميع يبحث عن الحب، لم أجد أحداً يتقبل الحب بلا لطف. لم أجد أحداً استطاع تحمل معشوقاً لا يلاطفه بكلماته ودعمه وتواجده. بينما نجد من يتحمّل شخصاً لا يعشقه لكنه يتقبله ويريده «فقط» لأنه لطيف. الحب ذاته يتأكد باللطف. بمعنى أن الإنسان يعرف الحب من خلال اللطف. عندما يشعر الإنسان باللطف من الآخر فهو يستقبل منه الحب. اللطف هو ممارسة الحب.
اللطف ممارسة، بينما الحب فكرة أو شعور. الإنسان يحتاج إلى هذه الممارسة أكثر من فكرة الحب أو الشعور. لا يكفي أن تحمل شعوراً لإنسان بالحب لكنك لا تبادله اللطف. في العلاقات تكون أغلب المشاكل في نقص اللطف ونقص ممارسته. حتى لو كان الحب موجوداً؛ لا يكفي بذاته كي تكون العلاقة صحية. لذلك، أن تحبّ شخصاً هو أن تبادله اللطف. التعبير بالحب وحده لا يكفي.
قد يكون اللطف سبباً في استمرار الحب ذاته. كأنّ اللطف وقودٌ للحب. حيثما يوجد يعيش الحب. من هنا نجد أن اللطف دائرة أوسع من الحب كشعور. لأن اللطف ضروري وأخلاقي قبل العلاقة وحتى بعد انتهائها. بذلك يكون اللطف أوسع من نطاق الحب، حيث إنه ضروري قبل العلاقة، وخلالها، وبعدها. ويكون اللطف بذلك وقودها ومتعتها. دعونا نتخيل الحب بدون لطف؛ سيكون جافاً وليس صحياً وقابلاً للانتهاء، بل عند انتهاء العلاقة يتحول الحب إلى عداء إن لم يتأسس على اللطف منذ البداية.
اللطف قد يكون حلاً لكثير من المشاكل. عندما يصل الطرفان إلى خلاف معين يأتي اللطف بلسماً لتهدئة النفوس. وقد يكون اللطف سبباً في تجاوز المشكلة أيضاً، حيث يقوم أحد الطرفين بإقناع الآخر بكل لطف؛ فيتقبل الآخر وقد يتنازل «فقط» لأنه شعر بلط جميل جعله يتنازل عن موقفه ويتقبل الأمر بكل ود. ذلك لأن النفوس لطيفة في أصلها وترق إذا عُومِلت بلطف.
اللطف أوسع من الحب لأنه احتياج في كل أنواع العلاقات وليس فقط في العلاقات الرومانسية، حيث إنه بين الأصدقاء لو كان اللطف موجوداً ستكون علاقتهم صحية وقابلة للاستمرار للأبد. وتكون غنية بالدعم والود والرحمة.
اللطف يأتي على هيئة كلمات أو سلوك أو أدب أو احترام. اللطف له تمثلات كثيرة في التعاملات بين البشر. لكن في أساسه هو ممارسة كل ما يحبه الآخر والابتعاد عمّا يضايقه قدر الإمكان. لكن بشكل عام، اللطف غالباً يأتي على هيئة كلمات رقيقة على النفوس. ولو توقف اللطف على رقة الكلمات لكفاه، حيث إن الإنسان في تركيبته الجوهرية يحيا على الكلمات. الإنسان يفرح ويحزن ويغضب ويبهج فقط لمجرد كلمات. هناك كلمات تجعل الإنسان يفقد غضبه وهناك كلمات تجعله يبتهج يومه بأكلمه. وهناك كلمات تحول الإنسان من شدة غضبه إلى قمة رقّته، وتجعله يتنازل عن كل ما أغضبه فقط لمجرد أنه سمع كلماتٍ رقت لها نفسه التي تروم اللطف، حيثما كان.
اللطف دُربة يحتاج الإنسان ممارستها كثيراً، والتعود عليها والعيش بين محيط يساعد على ذلك. اللطف في التربية ضروري جداً، ومن الأخلاق تربية الأبناء على اللطف منذ الصغر. لأنه صعب على الإنسان اكتساب اللطف بعد الكبر إلا بمشقة، حيث إن اللطف ليس معلوماتٍ تُحفظ؛ بل هو سلوكٌ وعادة. يحتاج إلى الكثير من الدربة والتعود والكثير من الثقافة الأدبية الغنية بكلمات اللطف والذوق التي تسحر النفوس وترققها. في تأسيس اللطف بين الأجيال يكون المجتمع صحياً في العلاقات. وترتفع الأخلاق والرحمة في التواصل خصوصاً في العلاقات الزوجية التي تحتاج إلى كثافة في ممارسة اللطف كي تنجح وتستمر.
** **
- عبدالرحمن المرزوقي