قد يكون من أهم أسباب كراهية البعض للكتب عدم وجود مواد قرائية مناسبة لهم، أو كونها بعيدة عن اهتماماتهم؛ كأن تكون المواد (مقالات أو أبحاثًا أو كتبًا من أي نوع) إما طويلة لحد الملل، أو ممّلة من سطرها الأول، أو أن كتّابها من النوع المصاب بمتلازمة الألفاظ الفخمة وغير المألوفة لعامة الناس.
ومع وجود كثير من الخيارات الأخرى المتنوعة والمشوقة أو المواد المعتمدة على الصور والفيديوهات القصيرة، فإن الكثيرين لا يميلون إلى القراءة التي تتطلب جهودًا ذهنية مضاعفة. في هذه الأجواء نلحظ أنه حتى بعض أولئك الذين يقرؤون فإنهم يميلون إلى قراءة النصوص القصيرة.
وقد يكون للمدرسة دور (دون قصد) في كراهية البعض للكتب والقراءة؛ حيث ارتبطت بما يرافقها من أسئلة واختبارات ونجاح أو رسوب. ومن ثَم يحدث ربط في اللاوعي عند البعض بين الكتب وهذه الأمور، وهو ما يشكل حاجزًا مستقبليًّا بينهم وبين القراءة حين يتصورون أن وراء كل كتاب مشروع اختبار! وربما كان سبب كراهية الكتب وجود خبرات سيئة سابقة مع الكتب من أي نوع مرّ بها القارئ.
كذلك فإن عدم وجود قدوات قرائية للصغار؛ من والديهم أو أقاربهم، يزيد من صعوبة انخراطهم في عالم القراءة، ويفاقم من ذلك انعدام التشجيع على القراءة الحرة في المدارس، واقتصار صرف أوقات الفراغ فيها على الألعاب البدنية مثلًا. ومن أسباب عدم إقبال الأطفال على الكتب عدم تعويدهم عليها في صغرهم، أو عدم إعطائهم الكتب الجذابة أو المناسبة لأعمارهم.
وتتطلب القراءة حالة من الانزياح عن موقف أو مدرسة فكرية، وما يعنيه ذلك من استحقاقات مترتبة على ذلك، لا يفضلها البعض ويميلون بدلًا عنها إلى المراوحة في المكان فكريًّا وثقافيًّا؛ بعدم الانفتاح على القراءة. كما أن القراءة قد تكشف للبعض جوانب سوداوية في الحياة لا يريدون الانكشاف عليها، كما أوضحها الكاتب راي برادبوري حين قال: هل ترى الآن لماذا يكرهون الكتب ويخافون منها؟ الكتب تكشف المسام في وجه الحياة. الناس المرتاحون لا يريدون إلا وجوه قمر شمعية بلا مسام وبلا شعر وبلا تعابير.
وقد تصل حالة كراهية الكتب إلى مرحلة فوبيا، وهي ما تسمى علميًّا ببليوفوبيا (Bibliophobia) وهي فوبيا الكتب؛ أي الخوف من الكتب عامة أو من أنواع معينة من الكتب. ويمكن أن يكون سبب هذا النوع من الفوبيا الخشية من تأثيرها في المجتمع أو الثقافة.
وبطبيعة الحال فإننا لا يمكن أن نتوقع أن يكون جميع آحاد المجتمع قارئين في هذه المرحلة الزمنية، فمن الطبيعي وجود تفاوت بين الناس في القراءة والإقبال عليها أو الإدبار عنها، لكن طموحنا لا ينبغي أن يتوقف عند ذلك حتى لو بتغير أنماط القراءة إلى أشكال أخرى، كقراءة الكتب المصورة مثل كتب المانجو الشهيرة، أو الكتب الصوتية، أو حتى الكتب المقروءة بالتصوير الفيديوي أو ملخصاتها.
* الحافز الذي يغويني بشراء الكتاب هو الحاجة النفسية الشديدة له، والشعور بأنه أحد مهدئات الاكتئاب. عبدالجبار الرفاعي
** **
- يوسف أحمد الحسن