صدرت رواية جزيرة نساء البحر لأول مرة بنسختها الإنجليزية عام 2019 عن دار النشر الأمريكية سكريبنر وبنسختها الفرنسية عام 2020 عن دار النشر بيجماليون بفرنسا في حوالي 400 صفحة.
الرواية ذات طابع تاريخي أنثروبولوجي من تأليف الكاتبة الأمريكية من أصول صينية ليزا سي التي ولدت في 1955 في باريس وتعيش حالياً في لوس أنجلوس. حققت ليزا سي شهرة كبيرة عندما صدرت لها رواية زهرة الثلج عام 2006 .
جملة من الثنائيات المهمة تناولتها رواية جزيرة نساء البحر وأسهمت في تماسك بنيتها الروائية من بينها ثنائية الرجل والمرأة والموت والحياة والحرب والسلم والاحتلال والمقاومة. جاءت هذه الثنائيات لتكشفت عن علاقة المكان بتطور الأحداث المأساوية التي وقعت قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.
تستمر أحداث رواية جزيرة نساء البحر من ثلاثينيات القرن العشرين وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في مقاطعة جيجو في كوريا الجنوبية التي رزحت ردحاً من الزمن تحت الاحتلال الياباني ثم ما لبث أن تبعه الاحتلال الأمريكي. تتكون هذه المقاطعة من 8 جزر مأهولة بالسكان بما في ذلك جزيرة جيجو و55 جزيرة غير مأهولة في حين تحمل عاصمة المقاطعة نفس الاسم أيضًا.
في تلك الفترة من القرن الماضي، كانت النساء هن مَن يقمن بإعالة أسرهن عن طريق الغوص لاصطياد الأسماك وبيعها ومِن ثم جلب الأموال لأسرهن من أجل تكاليف تعليم أولادهن بينما تقبع الفتيات في البيوت حتى يكبرن، في حين يقوم الرجال برعاية الأطفال والتسوق فقط بسبب بنيتهم الجسدية الضعيفة التي تمنعهم من الغوص خاصة في المياه الباردة التي تنخفض درجة حرارتها إلى ما دون 15 درجة مئوية، الأمر الذي عرض البعض منهن للموت غرقا في أعماق المياه.
اهتمت رواية جزيرة نساء البحر بالحديث عن معتقد الشامانية الذي يسمح لهؤلاء النسوة بمحاولة العيش في سلام بعد وفاة أحداهن والقدرة على الغوص مرة أخرى دون خوف. كما أنها أولت اهتماماً خاصاً بالمحتلين اليابانيين وبالمعاناة الشديدة التي أنزلها المستعمر الياباني بشعب هذه المنطقة وبالتجنيد الإجباري للشباب ومعاملتهم كالعبيد وإجبارهم على القتال في الصفوف الأمامية للجيش الياباني وأيضاً إجبار الفتيات على العمل في بيوت البغاء التي أنشأها المحتل هناك.
تحكي هذه الرواية أنه في عام 2008، على أحد شواطئ جزيرة جيجو السياحية، اقتربت عائلة من سيدة مسنة تدعى يونج سوك تنتمي لآخر الغواصات التقليديات في الجزيرة وأظهرت لها صورة فتاة صغيرة. تسترجع هذه السيدة الأحداث ومن ثم سيكتشف القارئ أن رئيسة الغواصات في الجزيرة واسمها صن سيل هي من كانت تعلّم ابنتها يونج سوك وصديقتها مي جا، الابنة اليتيمة لأحد المتعاونين مع المحتل الياباني فن الغوص وصيد الأسماك. لكن هذه الأم تموت غرقاً أثناء إحدى عمليات الغوص وتعيش الفتاتان معاً.
مع بداية الحرب العالمية الثانية، أصبح الوضع الاقتصادي في الجزيرة صعباً للغاية، وكما هو الحال مع النساء الأخريات، استأجرت الصديقتان، يونج سوك ومي جا، مكانا للغوص في منطقة فلاديفوستوك التي تقع على الحدود بين كوريا الشمالية والصين، الأمر الذي سمح لهن بإعداد متطلبات عرسهن الذي يطمحن إليه.
بعد عودتهن إلى جزيرة جيجو، تزوجت مي جا من سانجنوم الذي يعمل لدى اليابانيين في حين أن الزواج الذي رتبته الجدة ليونج سوك جعلها تتزوج من جون بون الذي يعمل مدرساً في القرية.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية تحتل الجزيرة القوات الأمريكية. وابتداءً من ربيع عام 1947، يحتج الشيوعيون من سكان جزيرة جيجو المعارضين لتقسيم كوريا ويقومون بإضراب عام ضد الانتخابات المقرر إجراؤها من قبل لجنة الأمم المتحدة المؤقتة في كوريا التي كانت ستعقد في الأراضي المسيطر عليها من قبل القوات العسكرية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية في كوريا، شارك في الإضراب المزارعون والصيادون والعمال والنساء الغواصات بالإضافة إلى بعض رجال الشرطة والمدرسين وعمال البريد. أغلق رجال الأعمال مكاتبهم في الميناء وفي البنوك وشركات النقل كما أغلق التجار محالهم. حقق الإضراب نجاحاً كبيراً، لكن القوات العسكرية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية قالوا إن الإضراب وقع بتأثير من الشيوعيين المتحالفين مع الاتحاد السوفيتي. تنتفض مجموعات من سكان جزيرة جيجو ضد وحشية الشرطة ويدعون إلى تشكيل حكومة كورية موحدة. إلا أن رد فعل القوات الموالية للولايات المتحدة الأمريكية بدا عنيفاً جداً، ووصفوا المتمردين بالمحرضين الشيوعيين. قمعت تلك القوات هذه الانتفاضة وأعلنت الأحكام العرفية في نوفمبر وبدأت حملة قتل منظمة ضد المتمردين في جزيرة جيجو.
خلال أحد الاشتباكات تقع يونج سوك وعائلتها في قبضة الشرطة بحضور صديقتها القديمة مي جا، التي ترفض تقديم أي مساعدة لها على الرغم من أن زوجها كان عضواً في الحكومة. تم قتل زوج يونج سوك وأحد أبنائها. وهكذا تنتهي بكل سهولة أواصر الصداقة التي كانت تربط الفتاتين.
بعد سنوات، تعود جون لي ابنة يونج سوك إلى المنزل من جامعتها وتعلن أنها ستتزوج من يو تشان، ابن مي جا، ترفض الأم يونج سوك بشدة هذا الزواج، ومع ذلك ينعقد حفل الزفاف على الرغم من معارضتها الشديدة.
ختاماً: بالإضافة إلى مضمون الرواية التاريخي الاجتماعي وما تحتويه من مضامين أتاح لها معالجة قضايا بالغة الحساسية وعلى الرغم من العودة إلى الماضي والعمل على تأصيله فإن أهمية هذا العمل الروائي جزيرة نساء البحر تكمن في أنها تعيد إنتاج الوقائع التاريخية وتعيد صياغتها وفق الزمن الحاضر وتعمل على إيقاظ ذاكرة الأجيال الحالية من الكوريين الذين لم يعاصروا تلك الأحداث ويرغبون في معرفة حقيقة ما جرى لأجدادهم.
ملاحظة أخيرة، أيعتذر المحتلون عن الانتهاكات الجسيمة التي حدثت في حق مواطني تلك الجزيرة؟ هل يكفي الاعتذار؟
** **
أيمن منير - أكاديمي وكاتب مصري