يعدّ مفهوم (القوة الإنجازية) من أهم المفاهيم التداولية في نظرية الأعمال القولية؛ فهو مفهوم متعلق بالسياق والمقام، ومقاصد المتكلم ووجهة نظره، وجهة اعتقاده، وهذا المظهر التداولي يتعلق بالخطاب اللساني وبمنشئه وصانعه الذي يسعى إلى تأكيد خطابه وتقوية أقواله؛ للتواصل مع المتلقي، وحمله على الإنجاز والفعل والعمل، ومن ثم الاقتناع بمضمون الخطاب، وما فيه من استراتيجيات تواصلية ومقاصد تفاعلية إقناعية.
وفي خطاب (ملف ترشح المملكة العربية السعودية لاستضافة كأس العالم 2034م) الذي حمل شعار (معاً.ننمو)، وفيه تظهر بجلاء القوة الإنجازية الخطابية، والقصدية التداولية الإشهارية؛ لتكشف طموح المملكة في استضافة نسخة استثنائية من بطولة كأس العالم، وتطوير كرة القدم، وتأكيد تأثيرها الإيجابي محلياً وعالمياً، وهذا بلا شك يرسخ مكانة بلادنا الحبيبة في المحافل الرياضية الدولية، ويحدث نقلة نوعية في رياضة كرة القدم، وهذا ما تسعى إليه رؤية المملكة (2030).
وقد تضمنت كلمات القيادة الرشيدة في ملف الترشح كثيراً من القوى الخطابية والاستراتيجيات الإقناعية والآليات التواصلية الكاشفة لمظاهر التمكين والقدرة على استضافة هذا الحدث الكروي الكبير؛ فبلادنا الغالية تتمتع -ولله الحمد- بإمكانات عالية في جميع المجالات الاقتصادية والرياضية والثقافية، زيادةً على إرثها الحضاري العظيم، وموقعها الجغرافي المتميز.
ففي كلمة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- إبرازٌ بالقوة الخطابية الإنجازية لقدرات المملكة العربية السعودية في استضافة كأس العالم 2034م، يقول سيدي -حفظه الله-: « تؤمن المملكة العربية السعودية بأهمية الرياضة، وتأثيرِها الإيجابي على كل إنسان، ودورها الفاعل في توثيق الروابط بين الشعوب، وتعزيز التواصلِ بين الثقافات المختلفة ومد الجسور بين المجتمعات في مختلف أنحاء العالم»، ففي الكلمة السامية السابقة تتكشف مظاهر تأكيد القوة الخطابية للمنطوق بتعداد الآثار الإيجابية للرياضة (توثيق الروابط، تعزيز التواصل، مد الجسور)، وقد جاءت هذه المظاهر اللغوية في صورة أحداث مجردة من الزمن؛ للدلالة على ثبات تلك الآثار الإيجابية في ذهن المتلقي، وبذلك تصبح تلك الملفوظات الخطابية وجهاً من وجوه الإقناع المفضي إلى الاقتناع الذاتي؛ فالمتلقي هو من يستنبطن بنفسه مضمون الخطاب، فيغدو القول المضمر ركناً من أركان تقوية العملية التواصلية، وسبيلاً إلى تأكيد قوة الأعمال المتضمنة في التفاعل القولي، ودليلُ ذلك قول سيدي -حفظه الله- في مقدمة كلمته السامية: «تؤمن المملكة العربية السعودية بأهمية الرياضة، وتأثيرها الإيجابي على كل إنسان»، ففي هذا القول الكريم أدوات لغوية تؤكد القوة الإنجازية للخطاب، فالتلفظ القولي (تؤمن المملكة العربية السعودية بأهمية الرياضة)، يبرهن على صدق المحتوى القضوي، ويثبت ثقة القيادة الرشيدة في نجاح تنظيم كأس العالم (2034م)، وفي الكلمة السامية اعتمادٌ على القيم الإنسانية المشتركة (وتأثيرها الإيجابي على كل إنسان)، وهذا ضربٌ من ضروب التواصل اللغوي الذي يجعل التلفظ القولي وسيلة من وسائل التفاعل بين المشاركين في التخاطب التداولي، وبذلك تصبح القوة الإنجازية أكثر تأثيراً وإقناعاً، ونلحظ في الكلمة السامية الاهتمام بالموجهات اللسانية التقويمية (تأثيرها الإيجابي على كل إنسان)، وهذا جزء مهم في عمل الإقناع والتأثير، والإيمان بقدرة المملكة العربية السعودية على تنظيم حدث رياضي عالمي بصورة استثنائية.
ومن مظاهر القوة الإنجازية في خطاب سيدي خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله- الاعتماد على الروابط اللغوية؛ لإثبات المقاصد التواصلية للتخاطب اللغوي، وبيان المعنى التأثيري في الحدث القولي، ومن ذلك قول سيدي -حفظه الله-: «ومن خلال رؤية المملكة 2030، التي تولي الاستثمار في القطاع الرياضي أهميةً كبيرة، فإن المملكة يسرُها أن تقدم ملف ترشحها لاستضافة كأس العالم 2034 ™FIFA، وستعملُ مع المجتمع الدولي لاستضافة هذا الحدث الرياضي المهم الذي يسهم في تنمية لعبة كرة القدم على مستوى العالم» ففي المقطع التلفظي من الكلمة السامية تظهر بجلاء الموجهات اللغوية والوسائل الخطابية التي تكشف التزام المتكلم بصدق المحتوى القضوي لأقواله وعباراته؛ فـ(روية 2030) تولي الاستثمار الرياضي أهمية كبيرة، وهذا يتجسد في تطور الرياضة السعودية، وتحقيقها مراتب عليا في التصنيف العالمي، ثم إن استعمال صيغ التوكيد (فإن المملكة يسرها أن تقدم ملف ترشحها لاستضافة كأس العالم)، أسهم في الكشف عن جهة اعتقاد المتكلم، وعلاقته بالمتلقي بوصفه طرفاً فاعلاً في العملية التواصلية، وعليه، فقد أنجز صاحب الخطاب عملاً قولياً إثباتياً في أثناء التلفظ القولي، وهو عمل تقديم ملف ال ترشح لاستضافة كأس العالم 2034، وقد أقحم هذا العمل القولي المخَاطب في نسق استدلالي عقلي؛ فرؤية المملكة (2030) مظهر من مظاهر القوة الإنجازية في خطاب خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- وعمل من الأعمال المتضمنة في القول الموجبة للتواصل مع المخَاطب، وحمله على إنجاز العمل التأثيري الذي يحدده صانع الخطاب ومنشئه.
وفي المقطع السابق من الكلمة السامية عدد من مظاهر القوة الإنجازية، وهي تمثل في مجملها أعمالاً قولية غير مباشرة، تهدف إلى إقناع المجتمع الدولي للعمل معاً؛ من أجل تنظيم حدث رياضي يسهم في تطوير كرة القدم عالمياً، فالموجهات اللغوية الوصفية (هذا الحدث الرياضي المهم الذي يسهم في تنمية لعبة كرة القدم على مستوى العالم) عمل قولي غير مباشر يسعى إلى إنجاز عمل رياضي عالمي استثنائي؛ لتنمية كرة القدم في العالم، وهذه الموجهات الوصفية ضرب من ضروب الإقناع العقلي، والتواصل الإنساني؛ فالتنمية الرياضية تحتاج إلى عمل جماعي متكامل، وفي ذلك إشارة إلى المكانة العالية للمملكة في المحافل الدولية.
وقد استعان خطاب القيادة الرشيدة بالموجهات التداولية الدالة على اليقين والاقتناع بصدق القضية المعبّر عنها، ومن ذلك قول سيدي خادم الحرمين الشريفين: «وقد نجحت المملكة – ولله الحمد – بتكريس مكانتها كإحدى أبرز الوجهات الرياضية العالمية، بعزيمة أبنائها وهمتهم»، فالتوكيد (وقد نجحت) صورة من صور التواصل القولي مع المخَاطب، وطريقة من طرائق إيصال مقاصد الخطاب إلى المتلقي؛ فعزيمة أبناء المملكة وهمتهم العالية، جعلت من بلادهم مركزاً رياضياً عالمياً، فهم قادرون -بحول الله وقوته- على تنظيم الأحداث العالمية الكبرى بكل جدارة واقتدار وفخر، وفي ذلك إفادة للمخَاطب، وحمل له على الاقناع والاقتناع.
ومن مظاهر القوة الإنجازية في خطاب القيادة الرشيدة في ملف ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034م، الموجهات اللسانية الدالة على يقين المتكلم، وجهة اعتقاده في المحتوى القضوي للخطاب، ومن ذلك قول سيدي خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-: « ونحن على ثقة أن ما ستهيئه المملكةُ من قدرات وإمكانات إلى جانب جهود وتعاون المجتمع الدولي، سيسهم في تحقيق أهدافنا المشتركة وصناعةِ مستقبل مشرق ومبُهرٍ لرياضة كرة القدم، وصناعة إرث إيجابي يمتد إلى ما بعد عام 2034م»، فجملة (ونحن على ثقة) ضرب من ضروب الاقتناع بفحوى الخطاب، وسبيل من سبل التوكيد والتمكين للمعنى المراد في نفس المخَاطب، ونلحظ في المقطع السابق من الكلمة السامية استعمال التركيب اللفظي (إلى جانب جهود وتعاون المجتمع الدولي)؛ لتأكيد المعنى الوظيفي الاتصالي للمنطوق، ومشاركة المتلقي في الحدث التخاطبي؛ رغبة في حمله على العمل والإنجاز.
وختم سيدي خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- كلمته السامية بعمل الوصف، وهو عمل تداولي متضمن في القول (صناعةِ مستقبل مشرق ومبُهرٍ لرياضة كرة القدم، وصناعة إرث إيجابي يمتد إلى ما بعد عام 2034م)، فالعمل القولي الوصفي زاد من القوة الإنجازية للمنطوق اللغوي بالتوكيد والتسديد والتحسين والتمكين، مع الاستعانة بالمشترك الإنساني الذي يُعنى بالجميل والنافع للبشرية جميعاً.
لقد حاولت هذه الدراسة الوقوف على كلمات القيادة الرشيدة – حفظها الله- في ملف ترشح المملكة العربية السعودية لاستضافة كأس العالم (2034)؛ للولوج إلى مظاهر القوة الإنجازية في خطاب ملف الترشح، والكشف عن الإستراتيجيات التداولية والآليات التخاطبية في الأعمال المتضمنة بالقول في رحلة الترشح.
** **
د. قالط بن حجي العنزي - باحث في السرديات التداولية
@qalit2010