تعد الصالونات الثقافية شكلاً من أشكال النشاط الثقافي، فهي تؤدي دوراً كبيراً في التنوير الفكري، لتكون مصدر نور ثقافي وعلمي وأدبي. وبدأت حركة الصالونات الثقافية منذ القدم تزامناً مع حركة النهضة في إيطاليا في القرن السادس عشر، دون أن يكون اسمها صالونات، بل كانت هذه الأماكن تستضيف مجموعة من المفكرين والأدباء ليتناقشوا ويتبادلوا الآراء والأفكار، وكانت تعمل على تبني ورعاية الحركة الأدبية والفنية.
أما بالنسبة للعالم العربي فظهرت هذه الصالونات على شكل مجالس شعر وأدب، فكانوا يجتمعون أبرز الشعراء ويقدمون أدبًا مديحًا لحكامهم، مثل ما قامت به مجالس العصر الأموي كمجلس المأمون ومجالس العصر العباسي.
كانت نشأة الصالونات الثقافية في المملكة مرتبطة بوجود بيئة خصبة محبة للفكر والأدب لدى صاحب الصالون، مع شغف بجمع الكتب وإقامة اللقاءات والحوارات بين المهتمين والمهتمات. وتعتبر الصالونات إحدى التجارب الدالة على دور الأفراد في تشكيل الثقافة السعودية وإثرائها، حيث قامت على مبادرات شخصية من أصحابها أي عمل تطوعي خالص من الأفراد يأتي في إطار تعزيز الحركة الثقافية.
وأسهمت الصالونات في السعودية في إبراز فعاليات الواقع العلمي والأدبي كما وقد كرّموا المتميزين فيه، بل واتسعت دائرة المستضيفين ليكونوا من عدة دول.
ولها دور إيجابي في إثراء الحركة الثقافية من خلال التنوّع في الطرح والكثافة وهو ما يتسق مع امتلاك المملكة حركة واسعة في مجالات عديدة.
ناقشت الصالونات الثقافية عبر مسيرتها الكثير من الموضوعات بمشاركة عدد كبير من المتحدثين والمناقشين، ويتم اختيار الموضوع برأي المثقفين في الصالون. ولكل صالون توجهاته الخاصة منها ما هو أدبي ومنها ما هو ثقافي يميل للفنون ومنها ما هو علمي، ولكن جميعها تؤكد ضرورة الانفتاح على مناقشة قضايا المجتمع والأطياف الثقافية عمومًا. وأهم ما يميز الصالونات في المملكة هي الكثرة والتنوع فجميعها تحفز الأفكار لملامسة الواقع والمستقبل.
ومع تطور حركة المعرفة خلال السنوات الماضية ووجود جهة تهتم في إبراز هذا التطور وهي وزارة الثقافة بهيئاتها، ومع بروز نخبة شابة من المتخصصين والمبدعين بدأ الشباب بالظهور كمتحدثين ومحاضرين في عدد من الصالونات الثقافية وفي فعاليات المؤسسات الثقافية وتبعهم جمهور عريض. مما أثَّر على دعم فكرة التجمعات الثقافية وتشكيل وعي ثقافي وقد زادت معدلات المشاركة في الأنشطة الثقافية من خلال ما تظهره وسائل التواصل الاجتماعي من معدلات الإقبال عليها، هذا وبمشاركة أكبر عدد من الأكاديميين والباحثين.
وفي ظل رؤية المملكة 2030 والتي لا تنحصر على القطاع الاقتصادي فقط وإنما تصل للمجتمع من خلال محورها الأساسي «مجتمع حيوي» هناك استهداف واضح وصريح للارتقاء بالمردود الثقافي من خلال «جودة الحياة» إضافة إلى دعم الرؤية للعمل التطوعي والقطاع غير الربحي وجميع هذه الأهداف يمكن لنا الإسهام فيها من خلال أنشطة كالصالونات الثقافية.
** **
- خلود الشهراني