يحكى أن رجلا ضرب ابناً له، فقالت له أمه: لا تضربه، ليس هو ابنك؛ فرافعها إلى القاضي فقال: هذا ابني عندي، وهذه أمه تذكر أنه ليس مني. فقالت المرأة: ليس الأمر على ما ذكره، وإنما أخذ يضرب ابنه فقلت له: لا تضربه ليس هو ابنك، ومدت فتحة النون جداً، فقال الرجل: والله ما كان فيه هذا الطويل(1).
جاء في البيان والتبيين: «والصوت هو آلة اللفظ، والجوهر الذي يقوم به التقطيع، وبه يوجد التآلف، ولن تكون حركات اللسان لفظا، ولا كلاما إلا بالتقطيع والتأليف، وحسن الإشارة باليد والرأس(2).
إن التنغيم مصطلح يدل على ارتفاع الصوت، وانخفاضه في الكلام، ويسمى أيضاً موسيقى الكلام(3)، وهو نتيجة لدرجة توتر الوترين الصوتيين مما يؤدي إلى اختلاف الوقع السمعي(4)، فقد تكون الجملة استفهامية، أو تقريرية، وقد يستغل التنغيم في الزجر، أو الرفض، أو الاستغراب، أو الموافقة.
ولقد علل كمال بشر سبب إهمال العربي لظاهرة التنغيم، فقال: «فلربما يرجع الإهمال في هذه الفترة الوسطى من الزمن إلى نوع من الكسل الذهني الذي يصيب الناس من وقت إلى آخر، أو ربما يرجع إلى الإحجام عن الخوض في دقائق الدراسات الصوتية، وتفاصيلها بصورة تعادل، أو تكاد تعادل نمط البحث في الصرف، والنحو مثلا، وربما يرجع ذلك إلى الاعتقاد بأنه من السهل تعلم اللغة، والسيطرة عليها بل إتقانها دون معرفة أصواتها معرفة جيدة»(5).
إن التنغيم مصطلح صوتي حديث، ولكن بإشارات مختلفة عند القدماء مغايرة لهذا المصطلح، وله دور مهم في الفهم القرائي كما أن له دور نحوي تركيبي، وكذلك له القدرة على الفصل بين المعنى، والمعنى الآخر بحيث لا يطغى معنى على معنى، ويعد ركن أساسي في الأداء لا تخلو منه أي لغة.
إن التنغيم الصوتي أسلوب من أساليب التدريس الحديثة التي أدت إلى تفاعل الطلاب مع الموضوعات الدراسية، وزيادة نشاطهم، فأثر ذلك على الفهم القرائي لديهم؛ لذلك أهيب بمعلم اللغة العربية أن يتعلم، ويتعرف على النشاط الصوتي لهذه النغمات؛ لكي يؤديها بصورة صحيحة أثناء قراءته لأي نص شعري أو نثري، فإتقان التنغيم أمر في بالغ الأهمية على جميع المستويات اللسانية، لما له صلة بالمعنى ودلالته؛ حيث توجد وظيفتان للتنغيم: وظيفة أدائيّة، ووظيفة دلالية؛ ولهذا اقتصر التنغيم على التراكيب المسموعة، أما المقروءة فقد استُعملت بعض الرموز وعلامات الترقيم؛ لتدل على الاستفهام، والتعجب، والاستغاثة، والنداء، والدهشة، وغيرها.
____________
1- المحتسب ابن جني- ج2-ص210.
2- البيان والتبيين، الجاحظ - ج1-ص79.
3- علم اللغة العام-الأصوات- ص163.
4- الصوتيات عند ابن جني ص149.
5- علم اللغة العام - الأصوات - 164.
** **
- محمد بن عثمان الخنين
@aooa14301