محمد بن علي مغربي؛ أديب ومؤرخ سعودي، ولد وعاش وتوفي في مدينة جدة، وكان عضو المجلس التأسيسي لنادي جدة الأدبي عام 1395 هـ - 1975 م، تلقى تعليمه الأولي في مدارس جدة، ثم التحق بمدرسة الفلاح، وتخرج فيها، وبدأ حياته العلمية في سن مبكرة، حتى تولى رئاسة تحرير جريدة «صوت الحجاز» عام 1360هـ/1941م لمدة (49) يومًا، حين توقفت الجريدة بسبب الحرب العالمية الثانية، ثم عمل رئيسًا لمجلس إدارة مصحف مكة المكرمة، ثم صار عضواً في مؤسسة البلاد للصحافة والنشر، وأشرف على أعمال الشركة العربية للطبع والنشر، ثم تفرغ بعدها لإدارة أعماله الخاصة منذ عام 1364هـ/1945م، وللعمل التجاري مؤسسًا شركة تحمل اسمه، وتوفي - رحمه الله تعالى - في 24 جمادى الثانية 1417هـ - 1996م.
ولمحمد علي مغربي - رحمه الله - عدة مؤلفات منها: أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر الهجري، وملامح الحياة الاجتماعية في الحجاز، وحبات من عنقود (أوراق متناثرة)، والبعث (مجموعة قصصية)، والإسلام في شعر أحمد شوقي، ورباعيات (ديوان شعر)، وغيرها من المؤلفات، بالإضافة إلى ما نشر في الصحف والمجلات، ومن خلال هذه المؤلفات والمقالات المتنوعة في عناوينها الأدبية والتاريخية، أو من خلال من ترجم لهم وتحدث عنهم ممن عاصرهم في القرن الرابع عشر الهجري؛ نجد الكثير من الذكريات لمحمد علي مغربي في الطائف، فتصف لنا ذاكرة محمد علي مغربي سور الطائف قبل إزالته سنة 1368هـ/1949م، فيقول: «وما أذكره عن مدينة الطائف أن المدينة كانت محجوزة داخل السور الذي كان يتمثل في ثلاثة أبواب: باب شبرا - أو باب الحزم، وهو الباب المواجه لقصر شبرا، ولم يكن حول قصر شبرا مبانٍ، بل كان ما بينه وبين باب شبرا فضاء تام، وأول ما بدأ العمران فيه في أوائل الستينات، ثم باب الريع، وهو الباب الذي كان تحت الجبل الذي فيه بيوت آل الكتبي، والعطار، وحوله سوق للخضار والجزارين أمام مبنى يشبه القلعة، يؤدي إلى الثكنة العسكرية التي كان وجودها يمثل ما يشبه السور لمدينة الطائف، وباب الربع هذا يؤدي إلى ضاحية السلامة وقروى التي كان بها بعض البساتين، والبيوت التي يسكنها أصحابها من أعيان أهل مكة المكرمة، أو يؤجرونها وكذلك بعض البيوت الصغيرة التي كانت تؤجر للمصطافين من أهل مكة المكرمة كذلك، والباب الثالث: هو باب ابن العباس، وهو ملاصق لمسجد ابن العباس، وكان ما حوله خلاء من جميع الجهات باستثناء بعض البيوت الصغيرة التي بدأ تعميرها في الستينات، وعلى أي حال فإنني أذكر أنه لم يكن في منطقة شهار سوى بستان شهار الذي يملكه آل سراج، وما حوله خلاء كامل إلى بستان حوايا الذي كان ينفرد في موقعه، والذي كان مجرى السيل يشكل حاجزاً طبيعياً بينه وبين ضاحية الهنداوية، وكل ما حدث بعد ذلك في مدينة الطائف من امتداد العمران في كل اتجاه هو بعد الستينات».
كما قدم لنا مغربي وصفاً لمباني الطائف، والأدوات المستخدمة في البناء؛ فيقول: «أما في الطائف فكان اللبن هو مادة البناء الرئيسية، وكان يُعمل على شكل قطع مستطيلة ويستخرج من نفس التربة في الطائف، وهي تربة حمراء نقية، وكان قابلاً للتماسك وقد رأيت بعض البيوت وقد شيدت طبقات بعضها فوق بعض من هذه المادة، كما أنهم في الطائف غالباً ما يستعملون الأخشاب المحلية في السقوف، أو النوافذ، مثل خشب العرعر في الطائف، لتوافر هذه المواد محلياً في المدينة، وكان البناء في الطائف لبرودة الجو قليل الارتفاع، إلا في قليل من البيوت، كما كان هناك بعض البيوت المبنية بالأحجار، والتي لا تختلف كثيراً عن الأحجار المستعملة في البناء في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، لأنها جميعاً تستخرج من الجبال المحلية».
ويصف مغربي ملامح واجهات المباني في الطائف؛ فيذكر أن النوافذ وقواعد الرواشين تزين بحليات وزخارف من الخشب المنقور، وكانت هذه الحليات تُظهر النافذة أو الروشان في شكل فني جميل، إذ تزينه بعض الورود المنقورة في الخشب وخاصة من الخارج، والبعض كان يزين النوافذ بهذه الورود الخشبية من الداخل والخارج، وكانت تستغرق الكثير من الوقت والجهد، ويمارسها صناع مهرة حاذقون أخذوا هذه الصناعة الدقيقة عن آبائهم ومعلميهم، وأن الناظر لبعض البيوت القديمة في مكة وجدة الطائف سيجد هذه المعالم باقية حتى اليوم، تشهد بجمال الصناعة وإتقانها، وقد انقرضت هذه الصناعة بعد أن غزا الشباك الخشبي الصامت البلاد فقلده الناس جميعاً في مبانيهم، ثم حل محله الشباك الألمونيوم الذي أصبحت له مصانع كثيرة في كل مكان.
ومن المنشآت المعمارية التي ذكرها محمد علي مغربي؛ الخان الذي يسمى «خان الملطاني» الذي بناه محمد علي ملطاني الذي كان يملك بيتاً كبيراً في مدينة الطائف أمام باب شبرا «باب الحزم»، وقد قام بهدمه وأنشأ في موضعه شارعاً به حوانيت كثيرة على الجانبين، وبنى في واجهته منزلين يطلان على باب شبرا، وكان يسعى - رحمه الله - إلى جعله شارعاً لمهنة من المهن، ولكن الوفاة أدركته فجأة قبل أن يتحقق له ما أراد، فقد توفي بعد الانتهاء من عمارة الشارع مباشرة، وكانت وفاته في الطائف في النصف الأول من الستينات الهجرية وعمره يقارب الخمسين. ومن الملامح التي ذكرها مغربي أن أهل الطائف وأعيان مكة المكرمة الذين يملكون بيوتاً ومنازل في الطائف كانوا يقومون بتأجير هذه العقارات في الصيف للمصيفين من أهل مكة الذين يقضون الصيف بالطائف، وكانت الأجور تتراوح زيادة ونقصاً بحسب كثرة القادمين للطائف أو قلتهم.
وعن العطور في الطائف يذكر المغربي أن العطور التي كانت شائعة في ذلك الزمان، أهمها وأغلاها كان عطراً اسمه: «عطر شاه» ولعله نسبة إلى الملوك، فإن كلمة شاه تستعمل مقرونة بأسماء الملوك، وهذا العطر لعله كان يرد من تركيا، أو من الهند، أو إيران؛ فكلمة شاه فيما يبدو بهذا المعنى، وهي شائعة الاستعمال حتى الآن في الهند وإيران، ويأتي بعد عطر الشاه، وهو أغلاها في ذلك الزمان عطر الكادي، وعطر الورد، وعطر العود، أما عطر الورد، وعطر الكادي، فكانا يصنعان محليا في الطائف كما كان يزرع الكادي في الطائف، والمدينة المنورة، فيما أظن، أما عطر العود فكان يرد من الهند، وهذه هي العطور الغالية الثمن التي كان يستعملها السُراة والأغنياء من الناس، وكان إلى جانب هذه العطور ماء الورد، وكانوا يضعونه في مرشات مثل القماقم جميلة الشكل، ويرشون به الناس وخاصة في حفلات العرس والموالد، وهو جميل الرائحة، وبعضهم كان يضع منه في ماء الشرب ليكسبه رائحة جميلة ومذاقاً خاصاً .
وعن دهن وعطر الورد الطائفي يذكر المغربي: أنه من الصناعات اللطيفة التي كانت تشتهر بها مدينة الطائف، الشهير بجودته، ورائحته العطرة، وكان يتم استخراج هذا العطر في أوائل أيام الربيع التي يسمونها «الوردية»، حيث يجمعون الورود الكثيرة، التي كانت تزرع في بساتين الطائف وخاصة في منطقة الهدا ، ثم يحولون هذه الورود إلى عطر نقي جميل الرائحة غالي الثمن، وكانوا وما زالوا يبيعونه بالتولة، وهي كمية قليلة تعبأ في زجاجات صغيرة، ثم توضع في علب من التنك زيادة في حفظها، وكان عطر الورد الطائفي أغلى ثمناً، وأحسن نوعية من عطر الورد التركي الذي يرد مع الحجاج الأتراك، والعطر الطائفي يمتاز بصفاء لونه، بينما يكون العطر التركي أكثر دهناً، ولونه يميل إلى الإحمرار، وقد رأيت هذا العطر الآن يباع في لندن في زجاجات صغيرة، بعدما أخذت مصانع العطور في فرنسا وأوروبا في تقليده، وهو يباع الآن في أشهر المحلات وأكبرها هناك .
وعن الأشربة والأطعمة في الطائف من خلال ما ذكره محمد علي مغربي؛ نجد أنها لا تختلف كثيراً عن باقي مدن الحجاز! إلا ما تميزت به الطائف كالسليق الطائفي، والمندي، فنجد أن المغربي يتحدث عن السليق الطائفي، ويذكر أنه من الأكلات التي تميزت بها الطائف، ومنها انتقلت إلى مكة وجدة والمدينة، بل وبقية مدن المملكة هذه الأكلة التي أصبحت تسمى الآن «العربي»، ولاشك أنها أكلة عربية خالصة، ويصف مغربي مكوناتها وطريقة إعدادها فيقول: «فهي تتألف من اللحم والأرز، وأهل الطائف يسلقون الخروف أولاً، وفي بعض الأحيان يأكلون لحمه، ثم يأكلون الأرز الذي يطبخ بالماء الذي سُلق الخروف فيه، وقد أخذ أهل مكة كما ذكرنا السليق عن الطائف، ولكنهم أضافوا إليه إضافات كثيرة، فأصبحوا يعالجون الأرز بالحليب وبالمستكاه، كما أصبحوا يصنعونه من الدجاج أو من الدجاج واللحم معاً، ولا حاجة للإفاضة عن السليق لأنه طعام شعبي معروف، ولكنا ذكرنا ما نعرفه عن اختصاص مدينة الطائف به».
وعن المندي يذكر مغربي أن أهل الطائف اشتهروا بهذا النوع من اللحوم؛ حيث يشوى الخروف كامل على المنداة، بحيث ينضج من تلقاء نفسه، والدهن الذي يفرزه الخروف يطبخ به الأرز، ويؤكل مع المندي الطحينة، والعسل، ولا يزال المندى معروفاً ومستعملاً في كل مدن الحجاز حتى اليوم.
ويذكر أن من الأطعمة والأشربة التي كانت موجودة في الطائف؛ «الشاي»، ويقول: «الشاي كما هو معروف شراب رئيسي في الحجاز، يستعمله الناس في كل وقت، في الليل أو النهار قبل الطعام أو بعده، كما يستعمل إخواننا أهل نجد القهوة بنفس الأسلوب، و يرجع معرفة الناس للشاي إلى أوائل القرن الرابع عشر الهجري، وأحسن أنواعه تزرع في سيلان والهند، وهناك أنواع جيدة من الشاي تزرع في الصين».
ومنها الهريسة؛ وهي: «نوع من البر النقي يدق مع اللحم الرقيق دقاً جيداً، ويضاف إليها بعض الفلفل الأسود والهيل، وتؤكل بالسمن الذي يجعل له مكان خاص في وسط الطبق، ويضاف إليه السكر المدقوق، والهريسة هي طعام الإفطار المفضل في مدينة الطائف ولها في مكة، وجدة، والطائف، صناع معروفون ، يبيعونها كل صباح».
وفي الشتاء كما يذكر المغربي يتناول الناس قهوة اللوز، وهي: «قهوة تصنع من الحليب بعد دق اللوز الحجازي (الطائفي)، وتقشيره وسلقه وإضافة الحليب، حتى ينعقد ويذاب فيه السكر، ثم يقدم في الأكواب، ولا تزال قهوة اللوز معروفة حتى الآن في بعض الأوساط، أو على الأصح بدأ الناس يعودون إلى استعمالها بعد انقطاع طويل».
ومن الأطعمة والأشربة التي ذكرها مغربي في الطائف خاصة، أو في الحجاز بشكلٍ عام: قهوة القشر ومشروب القرفة والزنجبيل خاصة في فصل الشتاء، والسوبيا، وقمر الدين، والماسيَّة، والمهلبية، والفول، والمعصوب، والمطبق، والسمبوسة، والكوزي .
ومن الملامح التي أشار إليها مغربي ما يسمى: بقلادة التفاح الطائفي؛ فكان من عادة النساء في مكة في الأعراس وخاصة قريبات العروسين لبس قلائد تتكون كل واحدة منها من مائة حبة من التفاح من العُنُق إلى الركبة.
يقول محمد علي مغربي: «وقلادة التفاح هذه كانت تحضر من مكة ليلة الدخلة، وتستلم من الرسول الذي يحملها لتوضع في عنق العروس، وقلادة التفاح هي فعلاً قلادة من التفاح الطائفي الصغير الحجم مثل حجم الليمون الصغير، أو أقل، وكانوا يستوردونها من الطائف في أيام ظهور هذا الثمر، وتحفظ في مكة المكرمة في الزمزميات، وهي عبارة عن حنفيات حجرية يحفظ فيها ماء زمزم لتبريده، فتوضع هذه القلائد بطريقة معينة في هذه الزمزميات لتخرج في أيام الأعراس، فإذا كان الزواج في جدة أوصوا أصدقاءهم أو أقرباءهم في مكة لشراء القلادة وإرسالها مع الحمارة وهم الذين يقومون بنقل البريد كل ليلة ما بين مكة وجدة، وكذلك الركاب، وهم عادة يغادرون مكة المكرمة مع الغروب، ويصلون إلى جدة قبيل الفجر، فتسلم هذه القلادة إلى السائس الذي يسير وراء حُمُر البريد والركاب، ويوصى بإيصالها إلى الجهة المطلوبة في جدة و يسرع السائس بإيصالها لمعرفته بأهمية الأمر وبأنه سيجد مكافأة طيبة إذا أوصلها في وقت مبكر، فإذا وصلت قلادة التفاح وضعت في عنق العروس، واكتملت بذلك زينتها».
(ويذكر الزركلي في كتابه: الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز؛ أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أبطل هذه العادة).
ومن أعلام الحجاز الذين ولدوا في الطائف يذكر محمد علي مغربي؛ السيد محمد طاهر الدباغ، الذي ولد بالطائف عام 1308هـ/1890م، وتلقى علومه الابتدائية بمكة، ثم بالإسكندرية، ثم عاد إلى مكة وتلقى العلم على أيدى علماء عصره بالمسجد الحرام حتى حصل على اجازة التدريس، واشتغل به في المسجد الحرام مدة من الزمن، ثم التحق مدرساً بمدرسة الفلاح حتى أصبح مديراً لها، وفي عام 1336هـ/1918م انتقل إلى مالية جدة وأصبح رئيسا لها، ومعتمدا للمعارف بمدينة جدة وتوابعها في العهد الهاشمي، ثم تولى وزارة المالية عام 1343هـ إلى 1344 هـ.
وبعد ضم الحجاز أسند له الملك عبد العزيز إدارة التعليم في المملكة، وكانت إدارة بسيطة فجُعلت مديرية عامة، فانطلق السيد محمد طاهر - رحمه الله - بالمعارف الانطلاقة الكبرى التي كانت النواة الطيبة للنهضة التعليمية في المملكة، فأسس مدرسة تحضير البعثات في مكة المكرمة لتنظيم الابتعاث إلى الخارج للدراسات العليا، واستقدم لها الأساتذة وذلك لتهيئة الطلاب للدخول إلى الجامعات والمعاهد العليا في مصر بعد التخرج منها، وكان الطلاب الذين يكملون الدراسة في مدارس المملكة اذ ذاك يلتحقون بها في مكة المكرمة، وكانت مدرسة داخلية بالنسبة للطلاب القادمين من أنحاء المملكة الأخرى سواء من مدن الحجاز أو من مدن نجد أو المناطق الأخرى، كما أسس دار البعثات العلمية السعودية بالقاهرة، ونظم مدارس الأمراء في الرياض.
وفي عام 1364هـ/1945م عين عضواً بمجلس الشورى، وأحيل للتقاعد سنة 1372هـ/1953م، ووافته المنية في القاهرة سنة 1378هـ/1959م، ودفن بها.
وممن توفي في الطائف من أعلام الحجاز يذكر مغربي منهم: الحاج عبد الله علي رضا؛ قائمقام جدة في العهد العثماني والهاشمي ثم السعودي، ومؤسس مدرسة الفلاح سنة 1323هـ/1905م، وهو الذي تولى تسليم مدينة جدة إلى الملك عبد العزيز حينما تم الاتفاق على تسليمها سنة 1344هـ/1925م، وكان الملك عبد العزيز يؤثر الحاج عبد الله على رضا بمودته وإكرامه، فلم يعين أميراً المدينة جدة طيلة حياة الحاج عبدالله على رضا، وكان أول أمير لها هو الأمير عبد العزيز بن معمر - رحمه الله -، وذلك بعد وفاة الحاج عبد الله على رضا - رحمه الله -، بعد أن مرض الحاج عبدالله على رضا مرضاً طويلاً في مدينة الطائف وكان يصيف بها فكان الملك عبد العزيز يزوره في الدار التي ينزل فيها بالمثناة، ويكرر له الزيارة، وقد قدم المرحوم الحاج محمد على زينل ابن أخيه خصيصاً لزيارته من الهند، واستقدم معه الطبيب المصرى الشهير محمد عرفان بك، ولكن المنية عاجلته فتوفى بمدينة الطائف في صيف عام 1352هـ/1933م، وحضر الصلاة عليه المغفور له الملك عبد العزيز ودفن بمقبرة ابن العباس.
وممن توفي في الطائف يذكر مغربي منهم أيضاً: محمد حسين نصيف؛ أحد أعيان مدينة جدة، وله القصر الشهير قصر نصيف في وسط البلد في جدة، وهو القصر الذي اتخذه الملك عبدالعزيز مقراً لإقامته عدة سنوات عندما كان يحضر إلى جدة، ومحمد نصيف نشأ وتربى على حب القراءة، وكان له صلة بعلماء عصره، وعكف على جمع الكتب واقتنائها، وتتبع النادر منها، وله مكتبة خاصة تعد أثمن مكتبة المكتبات الخاصة، كما أنه قام بطبع ونشر كثير من الكتب على نفقته.
توفي محمد نصيف - رحمه الله - في الطائف بمستشفى الملك فيصل في 8 جمادى الثاني سنة 1391هـ/1971م ونقل جثمانه إلى جدة ودفن بها.
هذه بعض من ملامح الطائف عند أحد أعلام الحجاز (محمد علي مغربي) الذي شهد في حياته تغيرات كبيرة، قال عنها: «ولدت في النصف الأول من الثلاثينات في هذا القرن الهجري الرابع عشر، وأتيح لي أن أشهد التغير الكبير الذي طرأ على حياة الناس في الحجاز خلال هذه الفترة التي امتدت ما يقرب من سبعين عاماً، بعض هذا التغير مذهل إلى الحد الذي لم يكن يذهب إليه الخيال، فالمدن التي كانت محصورة داخل أسوارها وما يشبه الأسوار - مثل : جدة ، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، والطائف - كبرت وامتدت ، وتضاعف سكانها عشرات الأضعاف، وامتدت فيها الطرق عشرات الكيلومترات في كل اتجاه، وقامت فيها العمارات الشاهقة، وأضيئت بالثريات الكهربائية ووسائل النقل التي أدركناها محصورة في الجمال، والخيل، والبغال، والحمير، تحولت إلى سيارات تزدحم بها الطرق، وطائرات تئز في الفضاء، وبواخر تملأ الموانئ إلى حــد الاختناق، والمواصلات السلكية واللاسلكية أصبحت تمر عبر الأقمار الصناعية، فأنت تستطيع من بيتك، أو متجرك أن تتصل بكل بقعة في الأرض دون وسيط أو رقيب، كما تستطيع أن تتناول إفطارك في أي مدينة من مدن المملكة، وتتناول غداءك في أي عاصمة من عواصم أوربا، وتبيت - إن شئت - في أمريكا، أو غيرها من البقع النائية عن جزيرة العرب».
عاش المغربي امتداد واقع قرون ماضية، ثم عاش عصر الحضارة والتطور، فعاش في عصرين مختلفين : عصر بدائي ، وعصر ازدانت فيه الجزيرة العربية بوسائل المدنية الحديثة وتطورها - بفضل الله على يد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه – ثم أبنائه من بعده، فتكون للمغربي فكر مزيج من آثار فترتين بينهما بون شاسع جداً.
** **
د. منصور مرزوق الدعجاني - الطائف