الثقافية - علي القحطاني:

الشيخ عبد الله فلبي، الذي عُرف أيضاً بهاري سانت جون بريدجر فلبي (1885 م ـ 1960 م)، الذي كان له اهتمام بتاريخ المملكة العربية السعودية وعمل شطرا من حياته مستشارا لجلالة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود كان له دور محوري في توثيق وتحليل تاريخ منطقة شبه الجزيرة العربية. إسهاماته في دراسة الثقافة والتاريخ المحلي جعلته واحداً من أبرز الشخصيات التي ساهمت في رسم صورة واضحة وشاملة لتاريخ المملكة. تُعرف حفيدته د.سارا بنت فارس بن عبد الله فلبي بجهودها المميزة في الحفاظ على إرث جدها وتقديمه للأجيال الحالية والقادمة، وهي شخصية تجمع بين حب العلم والكتابة والشغف بالبحث والاستكشاف. تحدثت في هذا اللقاء عن كيفية تأثير إرث جدها في تشكيل شخصيتها ومسيرتها العلمية، و سعيها لتوثيق ونشر هذا التراث التاريخي، كما تحدثت د.سارا عن مشوارها الأكاديمي في علم الأجنة والبيولوجيا، و أوجه تقاطع بين اهتمامها العلمي ومبادئ جدها الشيخ عبد الله فلبي الاستكشافية والعلمية وإمكانية توثيق تراث جدّها هاري فلبي ونشره وإمكانية استثمار كتبه في السينما، المسرح و الأفلام الوثائقية.

الرحالة والسياسي المحنّك

* كيف تشعرين كونك حفيدة هاري سانت جون بريدجر فلبي، الرجل الذي ترك أثراً عميقاً في تاريخ المملكة العربية السعودية، لاسيما أنه كان أحد المستشارين لجلالة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود؟

شعوري أعظم و أجمل من أن أعطيه حقه بالكلمات، و لعل ما يتصدر قائمة الأحاسيس التي تنتابني كوني حفيدة عبدالله فلبي، أو هاري سانت جون بريدجر فلبي عند مولده، هو شعور الامتنان لله عز و جل على هذه النعمة العزيزة التي أسأل المولى أن يسخرني دائماً لحمده عليها وأن يلهمني استكمال حمل اسم و سيرة هذا الرجل النبيل على أكمل وجه.

جدي عبدالله فلبي أسكنه الله فسيح جناته هو ذلك الرجل البريطاني و السياسي المحنك و الرحالة الشغوف الذي سطر التاريخ في شبه الجزيرة العربية. و كما أكرر دائماً، عبدالله فلبي هو جد و أب لنا، محبتي له و حنيني إليه أمور تخونها مفرداتي المتواضعة و لمعة عيناي و دموعي التي شهدها الجميع مراراً و تكراراً عند استحضار اسمه. رابطة الدم التي بيننا هي أغلى ما ملك هو و ما نملك نحن كأفراد أسرته، و على رأسنا عمي خالد فلبي حفظه الله و والدي فارس فلبي حفظه الله، و كلي يقين بأن جدي عبدالله فلبي يتفق معي في هذه النقطة.

الشخصية العلمية

* ما هو الدور الذي لعبه إرث جدك في تشكيل شخصيتك ومسارك العلمي، خاصة عندما قلتِ عنه: «العلم هو المسار الذي يصلني بإرثه، في حين أن سيرته تحثني على نهل المزيد من المعرفة»؟

جدي عبدالله فلبي أسكنه الله فسيح جناته له دور ثابت و مميز في حياتي على صعيد شخصي و علمي. دائماً ما أدعو الله أن يكون فخوراً بي و متشوقاً للقائي كما أتشوق أنا للقياه. استوقفتني قصة حياته بلا شك منذ صغري، خصوصاً عندما أدركت بأني أتشارك معه في نفس يوم الميلاد في الثالث من شهر أبريل، و تلك حكمة من رب العالمين و فرحة لي حملتها في قلبي. مرت بي السنين و كبرت معي تلك الفرحة و مشاعر الحفيدة المتيمة بجدها، وأنا اليوم أسير على خطى جدي عبدالله فلبي في نواحي عدة، منها بعض الطباع الشخصية التي لطالما تباهيت فخراً بمشابهته بها، بالإضافة إلى كوني مغرمة بالكتابة بشكل يومي وبأساليب و طقوس محددة، ولدي شغف بالتدوين و القراءة و إخلاص لزيارة المعالم الأثرية والمتاحف والمكتبات في كل بلد أقوم بزيارته. أنا كسارا، الطفلة آنذاك و المرأة اليوم، مبتهجة ومسرورة بالحديث عن جدي عبدالله فلبي في أكثر من وسيلة إعلامية و مشاركتي لأكثر من مقال سطرته بقلمي عن أغلى إنسان في حياتي، لعلي أعبر عن القليل مما تفيض به روحي احتراماً لهذا الرجل. من ناحية مسيرتي العلمية، جدي عبدالله فلبي هو الدافع الأكبر لي لنيل المزيد من العلم و للتثقف على نطاق أوسع. ألهمني بما عرف عنه من إحسان و إتقان و فضول بالعلم، حيث أكرمني الله جل جلاله بالتفوق العلمي والأكاديمي الذي توج بتخرجي بدرجة البكالوريوس في الطب والجراحة مع مرتبة الشرف الثانية و بدرجة ماجستير العلوم الطبية والحيوية في علم الأجنة والبيولوجيا الإنجابية مع مرتبة الشرف الأولى.

السيرة الأكاديمية

* بالنظر إلى مشوارك الأكاديمي في علم الأجنة والبيولوجيا، هل ترين أوجه تقاطع بين اهتمامك العلمي ومبادئ جدك الاستكشافية والعلمية؟

بالتأكيد. جدي عبدالله فلبي كان محباً للعلم و المعرفة، حيث تلقى تعليمه في كلية وستمنستر و كلية ترينيتي (الثالوث الأقدس) في جامعة كامبردج المرموقة. كان مولعاً بتعلم اللغات المختلفة والتي أتقن منها الكثير. اتجاهاته العلمية و الأكاديمية تتباين نوعاً ما عن تلك التي سلكتها في عالم الطب وعلم الأجنة، لكن ذلك لا يتنافى أبداً مع وجود أوجه تقاطع جمة كونه رجلا ذا اهتمامات متنوعة. فعلى سبيل المثال، شغف جدي عبدالله فلبي لم يقتصر على صعيد معين، بل كان ذا رأي سياسي حكيم، حريصاً على دراسة الآثار و الثقافات، محباً للتصوير و لرسم الخرائط التفصيلية للمناطق التي قام بزيارتها واستكشافها، كما أنه قام برحلته الاستكشافية الاستثنائية في صحراء الربع الخالي و التي لامست الحياة البرية فيها بشكل مفصل. دائماً ما أستذكر حبه للطيور و منها حجل فيلبي الذي سمي نسبة إليه. لذلك، أرى أن اهتمامي العلمي مرتبط بمبادئ و اهتمامات جدي ، حيث إنه مجال دراستي في علم الأجنة والبيولوجيا يعتمد على البحث و التحليل.

تراث فلبي

* في رأيك، كيف يمكن توثيق تراث هاري سانت جون بريدجر فلبي ونشره بشكل أفضل لجيل اليوم؟ وهل كان لديه مذكرات شخصية؟

أؤمن بأن أسمى و أنقى ما قد يتم توثيقه عن جدي عبدالله فلبي هو ما قام هو بتدوينه بنفسه بقلمه وكلماته في كتبه الجزيلة التي سطرها مشكوراً والتي ألقبها بموسوعة تاريخية وعلمية راسخة ومنقطعة النظير، منها قلب الجزيرة العربية و الربع الخالي و أيام عربية و أربعون عاماً في البرية، حيث يمكن للقارئ استنتاج الوفير عن شخصيته الجذابة و طباعه الفريدة، بالإضافة إلى المعلومات الغفيرة التي يمكن التوصل إليها بشكل مباشر من هذه السطور التي دونها. كما يمكن لمحبي جدي عبدالله فلبي قراءة كتاب (فيلبي الجزيرة العربية) للكاتبة اليزابيث مونرو، وهو كتاب يتضمن قصة حياته الحسنة والأخاذة والممتعة.

على صعيد آخر، توثيق مسيرة جدي عبدالله فلبي هو أمر يمكن نشره للجيل الحالي و للأجيال القادمة بطرق وأساليب شتى، خصوصاً أن هذا الجيل شاهد و مقدم على تطورات في جميع المجالات و من ضمنها الوسائل الإعلامية كافة ومنها المرئية و المقروءة بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعية. إرث عبدالله فلبي أسكنه الله فسيح جناته الذي أحسن في علمه وعمله و في حياته كرجل هو إرث واسع و غني بالمعلومات و الحقائق، و لذلك نشره يستحق أن يتم كذلك بشكل صحيح و سليم يليق به.

فلبي في السينما والأفلام الوثائقية

* هل هناك مبادرات شخصية أوعائلية تسعين من خلالها للحفاظ على تراث جدك التاريخي؟ وكيف ترين إمكانية استثمار كتبه في السينما، المسرح، أو الأفلام الوثائقية؟

لإجابتي على هذا السؤال محوران. المحور الأول يتعلق بالمبادرات التي تصدر من قبلي للعالم أجمع للاطلاع عليها، منها ما يبدر مني من مقابلات على وسائل الإعلام المرئية والمقروءة متحدثة عن جدي عبدالله فلبي وعن مسيرة حياته العريقة، بالإضافة إلى المقالات التي أنشرها بقلمي عنه وعن مشاعري كحفيدة له في الصحف و المجلات الثقافية. المحور الثاني يتعلق بالمبادرات على صعيد خاص وعائلي أحتفظ بالبعض منه لنفسي و البعض الآخر أشاركه مع أفراد أسرتي من أعمال قمت بتنفيذها، و هي ذات قيمة معنوية عالية جداً تتعلق بجدي، و لعل أبي و ملهمي فارس حفظه الله يدرك تماماً ما أتحدث عنه بشكل واضح. استثمار إرث جدي عبدالله فلبي جميعه ومنه التاريخي و السياسي و الثقافي والاستكشافي والجغرافي و أيضاً الشخصي أمر ممكن خصوصاً ما إن تحدثنا عن توثيقه علي هيئة أفلام وثائقية، ما إن تم وفق شروط و ضوابط معينة، مستنداً بقوة و دقة على ما ذكره هو شخصياً بكلماته من دون أي اجتهادات شخصية من أطراف أخرى، بالإضافة إلى ما ذكر عنه من معلومات من مصادر و مراجع موثوقة، و أن يتم من قبل المهتمين ممن يحسنون و يتقنون العمل. شخصياً، يسعدني أن أكون على اطلاع على مثل هذه الأفكار ما إن وجدت. أخيراً و ليس آخراً، جدي عبدالله فلبي أسكنه الله فسيح جناته له الفضل من بعد رب العالمين سبحانه و تعالى بوجودنا كامتداد لعائلة ذات أصول بريطانية، نقطن في شبه الجزيرة العربية التي لطالما عشقها رفيق روحي ذلك الرجل الإنجليزي الراقد بسلام في العاصمة اللبنانية بيروت، و ترك لنا و بنا إرثه الأعظم: الإسلام.

** **

- @ali_s_alq