مضت ليالي أغسطس ثم هاهي ليالي سبتمبر تتبعها صاخبةً كراقصةٍ استعراضيةٍ ترفض الدخول إلى قاعة الحفل بشكلٍ عادي، بل تُصر على أن يكون حضورها لافتًا للأنظار حد الانبهار.
هاهو البرق في السماء يتلوى كخصر تلك الراقصة اللعوب، تتبعه الأبصار حيثما لاح، وها نحن نفرح ونطرب لهذه الليالي الفاتنة كأنما تحل علينا لأول مرة..
ولا يزال لمطر الليل سحره الخاص بالنسبة لي، ولا أعلم لذلك سببًا محددًا، لكني أجده أكثر جمالًا وشاعريةً من مطر النهار، ربما لأنه يأتي في غير وقته المعتاد، فيكون مفاجأةً رائعةً لنا، والإنسان بطبعه محب للمفاجآت اللطيفة كهذه، أو لأنه يأتي في وقت هدوءٍ وسكينةٍ، فيضفي علينا شعورًا بالبهجة والحيوية والحياة، أو لأن ظلام الليل يستر آثاره في الأرض، فترتقي حواسنا لتحسس تلك الآثار من البصر إلى تحفيز خيالنا وتخيلنا ماذا وكيف أحدث من آثار على الأرض والكائنات، وإلى إرخاء السمع والإنصات إلى وقع حباته على الأرض بتناغمٍ موسيقي مذهلٍ يجعل قلبك وروحك وحواسك تتفاعل مع هذا المشهد، كما لو كان كراقصي فلامنكو بارعين جدًا، ومنسجمين للغاية، يجذبان الأنظار لهما بشكلٍ مذهلٍ، وبين حينٍ وآخر ينتزعك صوت الرعد مدويًا من حالتك الشاعرية هذه، إلى حقيقة أن السماء تمطر وأن هناك ليلةٌ مختلفةً بانتظارك فلا تفكر حتى بالخلود للنوم، وتفويت هذه الليلة المائزة. وفي كل مرة يسقط فيها المطر ليلًا تغمرني هذه الأحاسيس، ولا يمكنني تجاهلها، واعتبارها شيئًا عاديًا متكرر الحدوث وغير نادر. أطل من نافدة غرفتي لتأمل منظر التماع البرق في السماء مع دوي صوت الرعد في الأرجاء مع تبلل حبات التراب بالماء، ويالروعة هذا المشهد وسحره، حتى أني أتمنى لو كنت جزءًا منه، أو أن يطول أكثر فتزيد جرعة السعادة التي حصلت عليها من رؤيته في لحظات تأملي الصامتة تلك.
** **
- عائشة عسيري (ألمعية)