كثيراً ما أعتدُّ بالأحساء وأبنائها ممن لامست أيديهم سماء الإبداع، لكن هذه المرة لن أقول أحسائي، بل عربي عالمي مبهر وخفّاق كمنارة مضيئة أعادت لنا الشغف القرائي وتوجتنا بالامتنان، قيمة وقامة كتابية يحق لنا أن نفخر بها.
الروائي أسامة المسلم الآتي في الزمن الصعب، زمن المعادلات التي لا تقبل أنصاف الحلول، زمن المقارنات النوعية والمفاضلات الحساسة، زمن لا يقبل بسوى الإبداع والتميز ولا يرضى بغيرهما.
هل أستطيع أن أقول إن الإنصاف كان حليف هذا الرجل الشجاع الذي استطاع أن يسلك مساره الخاص بصمت، ويثبت للعالم أنه قادر على صناعة نفسه وجمهوره بيده، لم يكن ذلك ممكنا لولا إيمانه بقدراته الكتابية وصموده في وجه من حاول العبث بالمصطلحات لإقصائه لكنه استمر لنجده يتوج في المنصات عن استحقاق.
أسامة المسلم واحدٌ من أهم الرموز التنويرية في كتابة الرواية، وأحسبه من أفضل الروائيين الذين أنتجتهم شبه الجزيرة العربية حاليا، وقد حفر اسمه في عالم الرواية بحروف بارزة، وكوّن لنفسه جمهورَا عريضًا من القراء والنقاد والمعجبين، على مستوى الوطن العربي، ربما يقول البعض: من هو أسامة المسلم؟، وهل يستحق كل هذا الضجيج ؟ أقول لهم باعتزاز: هو روائي سعودي مؤثر، حديث، متطور، ومواكب ، يكتب بروح الشباب روايات تعيد لنا انسجام الخيال والفكرة، وتجبر الذاكرة أن تبقى نشطة لأن الأحداث التي يطرحها لا تقبل النوم، يجعلك في صحوة دائمة مع المتعة والإثارة، فنتازيا تاريخيّة تشويقية بطريقة سردية سينمائية لأحداث فريدة ونوعية ونهايات غير متوقعة، يجعلك في حالة تأهب دائم بسرد بسيط وسهل بعيدا عن الفذلكة والنخبوية التي سأمتنا وتخلت عنا، لنجده يمسكنا بيد حنونة وقوية، كم هو جميل احتضان الأوراق والكتاب، وكم أنا ممتنة لجمال حضوره الذي أعاد لنا النفس القرائي لنودع تلك العبارات العقيمة (أمة اقرأ لا تقرأ ) .
إن احتفاء وزارة الثقافة كل عام بصنّاع الإبداع تقديرا لإسهاماتهم الوطنية لا يحدث إلا في بلد عظيم يمنح قيمة لشعبه وأبنائه ممن حملوا رسالة الإبداع على عاتقهم لنرى
أثر هذه الجوائز الثقافية على الجيل الثقافي الواعد والمتخصص في مجالات الأدب والنشر، وما له من انعكاس على واقع القطاع الثقافي محلياً وعالمياً.
وتتويج المسلم بجائزة الأدب جاء عن استحقاق وجدارة فقد استطاع خطف الأنظار في الفترة الأخيرة بدأ بمشاركاته بمعارض الكتب أو أثناء توقيع رواياته، ولن أتحدث عما حصل معه في المغرب وغيرها لأنه أخذ ما يكفي من الكلام والتحليلات والتأويلات، ما الله بها عليم، قد لا أكون مغالية إذا قلت إن أسامة المسلم هو الذي أضاف إلى الجائزة بثقله الفني والأدبي، فليس قيمة الجوائز في منحها فحسب بل قيمتها تكمن في لفت أنظار الدارسين والباحثين تجاه أعمال الشخص المكرم.
منصفة آلسعودية العظمى عندما أتت بهذا التتويج الذي لا يخص أسامة المسلم وحده بل هو تتويج لمحبيه وجمهوره ومتابعيه ممن شكلوا قوة ناعمة لروايته التي تعتبر نقلة نوعية في تاريخ الرواية، وقد اختلف النقاد حول أفضلية هذه الروايات؛ فمنم من يري فيها النضج الفني، ومنهم من يرى أنها تمثل ملامح الرواية بأبعادها الفنية المتكاملة، وإن كنت أرى أن روايات المسلم لمن تتبعها تاريخيا تمثل منعطفات مختلفة في حياته، وكل منعطف يشكل حياة جديدة، وسواء اتفقنا أو اختلفنا حول جودة أعماله في النهاية تبقى جماليات التشكيل الروائي في كل أعماله هي العلامة الفارقة.
مجموع روايات أسامة المسلم 32 رواية، أشهرها: خوف وسلسلة بساتين عربستان و لج ملحمة البحور السبعة، وسلسلة القصص القصيرة: صخب الخسيف والدوائر الخمس ، وهج البنفسج والكثير من الإثارة والمتعة، فهل من استطاع صياغة كل هذا الكم من المشاعر والأحداث لا يستحق التقدير والاحتفاء.
إن القارئ يجد متعة خاصة عند القراءة تتمثل في أنه يسيطر عليك سيطرة تامة، وتظلَ أسيرًا له ولأبطال رواياته، فلا تستطيع مغادرتها حتى تكملها؛ لانه يعتمد في طرحه لقضاياه على ملامسة الواقع الذي يعيشه بخيالاته، ويحاول مس كل الطبقات والشخوص مبتعدا عن اللغة الفلسفية أو العلمية مستخدما لغة مبسطة وغير متكلفة تجعل القارئ يستمتع بها.
وأعتقد أننا سنكون في مواجهة دراسات أكاديمية تفرد أعماله بالدرس والتحليل؛ سواء على المستوى الأدبي أو على المستوى اللغوي، بل حتى على مستوى السينما والتلفزيون، خاصة أنه يجري العمل على تحويل بعض أعماله إلى مسلسل تلفزيوني سينمائي، وأن تتحول رواياته إلى أعمال درامية أو سينمائية، سيفتح الباب أمام الباحثين من الدارسين والأكاديميين إلى قيمة المسلم الفنية.
لا أريد أن أطيل في الكتابة، فلست معنية بالوقوف على لغته أو شخوصه أو أدواته السردية؛ فهذا كله متروك للمختصين، فقط وددت أن أعبّر عن فرحتي بفوزه..
شكراً وطني العظيم على التقدير.. شكراً وزارة الثقافة على هذا الاحتفاء.. شكراً أسامة المسلم على هذا العطاء.
** **
- فاطمة عبدالرحمن