الثقافية - علي القحطاني:
يوافق 28 أكتوبر اليوم العالمي للرسوم المتحركة ومعظم الأجيال الثمانينيات أو في العقد السابق له، يستذكرون في عصرهم الذين ارتبطوا بها وجدانياً وثقافياً المسلسلات المدبلجة مثل «قصص عالمية» و»المناهل» والبرنامج التعليمي التربوي «افتح يا سمسم»، أنتجته مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي، النسخة العربية من مسلسل أمريكي اسمه شارع سمسم (Street Sesame) وكانت هذه المسلسلات المدبلجة تقدّم بلغة عربية فصحى بطريقة محبّبة ومشوّقة للأطفال، وعن أهمية دور الناشئة وتأسيسهم لغوياً عن طريق الرسوم المتحركة الفصحى وفي وقتنا الحاضر والاستفادة من عالم الرقميات والذكاء الصناعي، دخلت شركات ومؤسسات للإنتاج، وتسابقها على تقديم محتوى إبداعي سعودي وعربي، لتأصيل القيم التراثية، وبما يتوافق مع موروثنا العربي الأصيل.
اللهجة العامية
التقت «الثقافية» مع عدد من اللغويين والمثقفين لتحدث عن هذا الجانب في ذكرى يومها العالمي، وفي البداية تحدث الدكتور عبدالإله بن سوداء لـ(الثقافية)، وأشار إلى أهمية استخدام اللغة العربية الفصحى في دبلجة تلك البرامج والمسلسلات والنأي بها عن اللهجة العامية وقال:
يطيب لي ونحن نحتفي باليوم العالمي للرسوم المتحركة أن أنوّه بأهمية تأسيس النشء لغويًا، وأتذكر في هذا الصدد أن معظم أبناء جيلي ممن ولدوا في الثمانينيات الميلادية أو في العقد السابق له، يعرفون جيدًا برنامجي: افتح يا سمسم، والمناهل، اللذين كانا يتخذان من الفصحى وسيلة لترفيه الأطفال وتعليمهم، فضلاً عن الرسوم المتحركة التي كانت جميعها مدبلجة باللغة العربية الفصحى، كنا في تلك السن الغضة نتلقى عربية فصحى سهلة وراقية في ذات الوقت، مَدَّتْ لنا جسور التواصل لفهم ما نتلوه من آيات القرآن الكريم، وما نقرأه من موضوعات في كتبنا المدرسية.
ومن نافلة القول أنّ الرسوم المتحركة المدبلجة ذات تأثير جَلِيٍّ في لغة الطفل سلبًا أو إيجابًا، وإننا لنرتكب جناية في حق الطفل حين ندبلج له الحوارات باللغة العامية، أو نبقيها بلغتها الأجنبية، إننا بذلك نخلق حاجزًا بينه وبين فهم لغته العربية في نماذجها الراقية المتمثلة في القرآن الكريم أو الكتب التراثية أو الشعر العربي..، ونحرمه من فرصة الاستماع للفصحى، وتعلُّمِها عن طريق المحاكاة، لا سيما والبيئة المحيطة به تَشِيع فيها اللغة العامية، ما يجعل من هذه الرسوم المتحركة فرصته الوحيدة للاستماع إلى سرد ممتع، وحوارات شيّقة باللغة الفصحى، ولا شك أن هذا السرد، وتلك الحوارات ستتغلغل في عقله، وتترسب في ذاكرته، وستنزلق حتمًا ذات لحظةٍ في لغته التخاطبية، وسينعكس أثرها الإيجابي على تفكيره وذكائه.
محتوى إبداعي سعودي
وتحدث الدكتور حمد الدريهم لـ»الثقافية» عن مدى نجاح استعمال برامج الرسوم المتحركة للغة العربية الفصحى، وبيّن أن المشهد تغير كثيراً، وإنما تسعى إلى جانب اللغة العربية الفصحى وتقدّم شركة «مانجا العربية» محتوى إبداعيًا سعوديًا وعربيًا أصليًا.
وقال: شخصياً، لا أعرف إحصاءات دقيقة مفصّلة تقيس مدى نجاح استعمال برامج «الرسوم المتحركة» للغة العربية الفصحى؛ لكننا حتماً نلمس الأثر القوي والفاعل لبعض البرامج التي حفرت عميقاً في ذاكرة أجيال مختلفة على امتداد العالم العربي مثل: افتح يا سمسم وغيرها؛ ولعل الاستعادات المتداولة عبر برامج التواصل مثل: تيك توك، سناب شات، المغلفة بطابع الذكرى والحنين لبعض مقاطع الأفلام والمسلسلات الكرتونية المدبلجة باللغة العربية الفصحى، مثل: «عدنان ولينا»، و»ريمي» و»زورو»وغيرها، تعكس مدى التأثير القوي الممتد عبر عقود.
من تجربة ذاتية، قبل أربعة أعوام تقريباً، أعدت متابعة المسلسل الكارتوني: زورو، الذي شاهدته قبل سنوات طويلة. في تلك المشاهدة الثانية تأملت في فحواه دُهشت من الموضوعات التي يرمي إليها المسلسل مثل علاقة الفرد بالسلم المجتمعي من أعلى الهرم إلى أسفله والعلاقة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة وغيرها من الموضوعات المطروقة أصلاً عند أرباب العقول السياسية والاجتماعية مثل: مونتسكيو، وميكافيللي، ودوركايم وغيرهم؛ لذا في هذا السياق لا أنظر إليها من ناحية الأثر اللغوي فحسب؛ بل على المستوى الفكري والثقافي الذي ينتج من انتقال تلك المسلسلات من ثقافة إلى أخرى.
أعتقد من أسرار نجاحها وأثرها القوي أن معظم تلك الأعمال الكارتونية، المكتوبة بعناية فائقة هي أصلاً حكايات مبسطة ولطيفة تعكس موضوعات العقل الفلسفي التواق للنظر والفهم، مع مراعاة العقل المستهدف في أثناء عملية الكتابة؛ لذا لو تأملنا في تجارب بعض المراكز العربية المعنية بالأفلام والمسلسلات الكارتونية مثل: مركز الزهرة بسوريا، وراكتي بلبنان ومؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك بالكويت، نجد أن معظمها تستورد تلك الأعمال ما عدا بعض الاستثناءات مثل التي ذكرت آنفاً: افتح يا سمسم. ربما ذلك يعود بسبب الكلفة الإنتاجية العالية لأي عمل، وأيضاً لم يكن هناك أرضية إنتاجية صلبة لصناعة عمل ناجح في ذلك الوقت مقارنة بجودة الإنتاج المميزة في دول أخرى مثل: اليابان.
حالياً، أعتقد أن المشهد تغير كثيراً، أصبح هناك محاولات جادة لتأسيس أرضية إنتاجية صلبة لصناعة أعمال ليس هدفها إبراز اللغة العربية الفصحى فحسب؛ بل لإظهار ثقافتنا وموروثنا الأصيل، ولعلي أتذكر في هذا السياق، شركة (مانجا) للإنتاج، ولا يزال الطريق مليئاً بالتحديات لبلوغ أعمال تحفر في ذاكرة أجيال لاحقة تزاحم تلك الأعمال الإنتاجية المستوردة.
جيل الثمانينيات
ورأى الأستاذ إبراهيم المكرمي أن جيل الثمانينيات يعدّ جيلاً ذهبياً لارتباطهم بالرسوم المتحركة ومجلات الأطفال التي تصدر في عصرهم، وهذا ما ساعدهم على الارتقاء بذائقتهم وتنمية ثقافتهم وقال: ترتبط الأجيال السابقة بمجلات الأطفال والرسوم المتحركة ارتباط وثيق، ولن تجد أحد من جيل الثمانينيات أو التسعينيات لا تشكّل له هذه الرسوم مساحة من الحنين إليها ومطالعتها من الحين والآخر بما فيهم أنا، وأجد هذا الارتباط البريء كان، بسبب الحواجز المتينة بين عالم الأطفال الخاص الذي لا يجد كبار ذلك الوقت مجالاً للتدخل فيه أو حتى فهمه، وهذا ما ساعد على أن الأطفال يكونون ثقافة تشاركية في إطار مثل هذه الفنون عكس ما يحدث اليوم في عالمنا، فالكبار والصغار في دائرة واحدة لدرجة أن بعض الرسوم المتحركة الآن أصبحت تقيم على أنها صالحة لجميع الفئات العمرية.
لا أعلم إن كان عالم كذلك العالم سيعود على رغم من وعود التقنية بتقنين الفئات العمرية، ولكن فيما يبدو أن ذلك العهد كان عهداً ذهبياً لن يعود مرة أخرى.
** **
@ali_s_alq