الثقافية - مسعدة اليامي:
ضيف اللقاء اليوم هو الكاتب الروائي الشاعر علي الأمير، صاحب الطفولة التي كان بينها وبين الكتاب علاقة قوية, لدرجة أنه كان يهرب لأقرب مكان من زملاء الدراسة من أجل القراءة. لذلك تجد في كتابته متعتين: متعة اللغة، ومتعة المعرفة. فيما قرأت له من جمال السرد والشعر والمقال. ورغم الاختلاف والتنوع الإبداعي, إلا أن هناك تناغمًا يشعرك بأنك تستمتع بالاستماع إلى مجموعة من الأدوات الموسيقية، التي تعزف حروف الكلمات كأنها تعزف لحنًا واحدًا في الوقت ذاته. تشعر بعمق الفكرة والألم والحزن عند الشخصيات الروائية وفي عالم الفن من خلال الكتابة المقالية، فكأنه أعاد لك حب السهر, والاستماع لصوت الفنانة الراحلة هدى سلطان وهي تغني
(أن كنت ناسي أفكرك)
لون الشفق ووحشة الغروب
كيف كانت البدايات مع الكتاب والقلم, حدثنا عن أول لقاء كان بينك وبين كِتاب، وهل لا تزال لحظة الدهشة تسكنك إلى اليوم؟
لستُ أدري لماذا السؤال عن البدايات ينطبع في ذهني دائمًا بلون الشفق أو وحشة الغروب, وكأنّه ضربٌ من البكاء على الأطلال, فيه زخم هائل من الدهشة الملتبسة بالحنين المائل جهة البكاء, يشبه تمامًا رهبة أول لقاء بين الكتاب وطفل بدأ لتوّه يحترف رعي الغنم, فداهم قريته شيء اسمه المدرسة, وبدلاً من (الختمة) التي كان يتعثّر في تهجّيها مع إخوته على ضوء فانوس المسجد, أصبح لديه كتب هجاء وحساب وعلوم جديدة ومختلفة تمامًا عن الختمة ذات الغلاف البالي والأسطر المتلاصقة, ليجد نفسه مباشرة في الصف الثاني الابتدائي. في العام التالي يبدأ والده يدعوه إلى مجلسه ليقرأ له ولجلسائه قصص الزير سالم وتغريبة بني هلال والميّاسة والمقداد وبدائع الزهور في وقائع الدهور, لتبدأ علاقته بالكتاب والفانوس والسهر الطويل.
عندما فُتِحَتْ أول مكتبة في المدرسة اندهش تلميذ الصف الرابع الابتدائي لكثرة الكتب التي رآها, لكن دهشة معلمه المصري كانت أكبر عندما رآه وقد عمد إلى كتاب البيان والتبيين للجاحظ ليستعيره, سأله معلمه لِمَ اخترتَ هذا الكتاب الضخم وتركتَ قصص الأطفال؟ أجابه: لأنها تنتهي سريعًا قبل أن أشبع من القراءة. فبدأ معلمه يعطيه الكتب والجرائد المصريّة القديمة التي كانوا يجلبونها معهم من مصر والتي تأتيهم بالبريد. وهكذا بدأتْ تتشكّل علاقتي بالكتاب والفانوس والسهر الطويل.
مخبأ على السطوح
الموهبة تحتاج زوادة فماذا كان يطيب لك أن تأكل بنهم وعلى مهل؟
بالتأكيد الموهبة دون القراءة والمثاقفة كالبئر المعطلة لا تفيد شربة ماء, وأكثر ما كنتُ أقرأه وبنهم هو الروايات. في السكن الجامعي عثرتُ على مخبأ على السطوح بعيدًا عن ضجيج الزملاء والأصدقاء, فصرتُ أنسلّ إليه من بعد العاشرة ليلًا ولا أنزل منه إلا لصلاة الفجر, وجلّ ليلي أقضّيه في قراءة الروايات ومن وقتٍ لآخر أقرأ شعرًا.
جازان مشتل الشعر والشعراء
أيها افتحت بهِ مِشوارك الأدبي الكتابة الشعرية، أم المقالية, وكيف كان صدى ذلك؟
لم أكتب المقالة إلا بعد التخرّج من الجامعة بوقت طويل, أمّا الشعر فقد كنتُ أحمل جيناته في دمي, نشأتُ معه من البيت والبيئة والمنطقة, فوالدي كان يقول الشعر العامّي ومنطقتي جازان مشتل للشعر والشعراء كما تعرفين. وعن الشق الثاني من السؤال « وكيف كان صدى ذلك»؟ عندما التحقتُ بجامعة أمّ القرى كان أحد دفاتري يضمّ محاولاتي الشعرية, فأطلعتُ عليه أستاذي الدكتور صابر عبد الدايم بعد أن عرفت من الصحف أنه شاعر كبير ومشهور, فوجد من بين قصائدي قصيدة أعارض فيها نونيّة ابن زيدون «أضحى التنائي بديلًا عن تدانينا», فاقتادني إلى مكتب رئيس القسم الدكتور محمد مريسي الحارثي آنذاك, ثم جمع أساتذة القسم وطلب مني قراءة القصيدة أمامهم, فقرأتها وأنا أرتجف كونها المرة الأولى التي أقرأ فيها شِعري أمام الناس وأيّ ناس؟! أساتذة كليّة اللغة العربيّة. بعدها فوجئتُ ذات يوم بالدكتور صابر يدخل علينا المحاضر وهو يحمل نسخة من المجلة العربية وفيها قصيدتي تلك, وكانت أول قصيدة لي ترى النور.
من لا يعرف جده السابع ليس بشاعر
كيف كانت علاقتك مع خير جليس وما أهم الكتب التي شكلت رافدًا لك في أعمالك الإبداعية؟
أظنني تحدّثتُ عن علاقتي بالكتاب, أمّا الكتب التي كانت بمثابة روافد لي فهي تندّ عن الحصر حقيقة خاصة في جهة السّرد. على مستوى الشعر أعتقد أنه توماس إليوت الذي قال: «من لا يعرف جده السابع ليس بشاعر», وأجدادي المجازيون كُثْر بداية من العذريين مجنون ليلى وقيس لبني وجميل بثينة وكثيّر عزّة, ومن غير العذريين عمر بن أبي ربيعة والمتنبي وشوقي مرورًا بسعيد عقل والرحابنة وبشارة الخوري وأحلى عشرين قصيدة حب التي جمعها غازي القصيبي وصولًا إلى محمد الثبيتي -رحمه الله.
المقالة ليست فن ساكن
كيف كانت علاقتك بالكتابة الصحفية، وهل المقال من الفنون الساكنة التي لا تحدث ضجة في الوسط الإعلامي وخاصة اليوم؟
تعود علاقتي بالكتابة في الصحافة إلى عام 1408 في صحيفة الندوة، ثم عكاظ لكنها كانت علاقة متقطعة وغير منتظمة لأنّ كتابة المقالة سواء اليومية أو الأسبوعية عمل ليس باليسير.. نعم قد لا تُحدث المقالة ضجة في الوسط الإعلامي لكنها ليست من الفنون الساكنة, المقالة تختلف كثيرًا عن فن النحت وفن الرسم التشكيلي وفن التصوير, علمًا بأنّ التصوير اليوم لم يعد ساكنًا بل أصبح متصدّرًا في المشهد الإعلامي خاصة المتلفز في مواكبته للكوارث والحروب, فبعد أن كانت الحقيقة في الحروب هي أول الخاسرين أصبحت المعارك تبثّ على الهواء مباشرة. في نهاية الأمر يتوقف حضور المقالة ونجاحها على جماهيرية كاتبها وسخونة المواضيع التي يطرقها.
غني لي شويّه شويّه
ِكتاب أهل المغنى ما الجديد الذي قدمت من خلال ذلك الكتاب, وهل كانت عملية الجمع سهلة، ولماذا توقفت على ذلك العنوان, وهل فعلاً أن الغناء حياة؟
كتاب (أهل المغنى) هو في الأصل زاوية كنت أكتبها في مجلة اليمامة اسمها أهل المغنى, ولم يكن الحديث فيها يقف عند الأغنية أو الغناء وإنما يشمل كذلك كاتب الأغنية وملحنها والحكايات التي صاحبت ولادتها والمناسبة إنْ وُجدتْ, وبعد أن راكمتُ عددًا لا بأس به من الكتابات في هذه الزاوية جمعتها في هذا الكتاب.. بعد صدور الكتابات استمرت الزاوية لكن على نحوٍ متقطّع وقد أعود لكتابتها بصورة منتظمة لوجود من يطالبون بعودتها.. هل فعلًا الغناء حياة؟ أنا لم أقل إنّ الغناء حياة وإنما اقتبست عبارة « المغنى حياة الروح» من أغنية أم كلثوم الشهيرة (غني لي شويّه شويّه), وربّما اعتبرت الأغنية مجازًا حياة الروح لأنه قد «يسمعها العليل تشفيه».
أسماء كبيرة تحتاج إلى مجلدات
هل هناك جزء آخر لكتاب أهل المغنى عن فنانين اليوم، ولماذا أهملت صوت الخليج (رباب, محمد المسباح, عبد الكريم عبد القادر (الصوت الجريح), عوض الدوخي, عائشة المرطة، خالد الملا) والكثير غيرهم من أصحاب الأصوات الجميلة؟
ولِمَ لا.. بإذن الله يكون فيه جزء آخر إذا ربنا مدّ في العمر.. عدم تطرّقي لتلك الأسماء المهمّة في الخليج ليس إهمالًا لها, كلمة إهمال تشي بالقصدية والتعمّد وهذا غير وارد بالمطلق, خاصة مع هذه الأسماء الكبيرة التي ذكرتِها, كلّ ما هنالك أنني لم أركز على بلد أو إقليم بعينه من وطننا العربي الممتد من الماء إلى الماء, وحصر كافة مطربينا من الخليج إلى الأطلسي يحتاج إلى مجلّدات وهذه لم تكن غايتي, وإنما كما قلتُ في مقدمة الكتاب: «فيه الكثير من الأغاني التي تخلب ألبابنا, فنقف أمامها عزّلًا إلا من كلمات الإعجاب المضرّجة بالدهشة, تلك الدهشة التي حاولتُ أنّ أبثَّ شيئًا منها على صفحات هذا الكتاب». كما قلتُ أيضًا في المقدمة: «لم أعوّل في اختياراتي على الأغاني الأكثر شهرة, ولا المطربين الأكثر حضورًا, بل ربّما وقع اختياري على مقطع من أغنية, وقد تكون الأغنية التي أختارها جزءًا من فيلم أو مسرحيّة».
الشهرة لم تكن من أهدافي
عالم الرواية كيف أبحرت إلى ذلك العالم الواسع, وهل كانت الشهرة أحد الأهداف, وهل ترى أن الشهرة سبة في حال أن ذلك حق من حقوق الكاتب؟
ـ سبق أن ذكرتُ أنّ أكثر قراءاتي كانت في الروايات, منذ حكاية السطوح في السكن الجامعي إلى اليوم.. بعد الجامعة عملتُ السنوات الخمس الأولى في مكة المكرمة, وفي عام 1413 أو 1414 أعطاني الصديق عبده خال مخطوطة روايته الأولى (الموت يمرّ من هنا) للمراجعة اللغويّة, وحين قرأتها شعرتُ أنّ بإمكاني أنا أيضًا أن أكتب رواية, لكني كنتُ أتهيّبُ كتابتها وكنتُ مأخوذًا بكتابة الشعر أكثر, رغم أنني كنتُ قد فزتُ وقتها بجائزة في القصة على مستوى المملكة, فصرت كلما التقيتُ عبده خال أحكي له بعض حكاياتي في القرية وأطلب منه بإلحاح توظيفها في رواية, بعد سنين طويلة آنستُ في نفسي القدرة على كتابة الرواية فكتبتُ روايتي الأولى (غصون) التي صدرت عام 1437 ـ 2016 عن نادي جازان الأدبي والدار العربية للعلوم ناشرون, قلتُ فيها الكثير مما كنتُ أريد من صديقي عبده خال أن يوظفه. شجّعتني أصداء رواية غصون على أن أكتب بعدها بسنتين رواية (قاع اليهود), ثم كتبتُ بعدها روايتين لم ترَ أيّ منهما النور بعد. وأعتقد أنني بهذا قد أجبت على الشق الثاني من سؤالك عن الشهرة التي لم تكن قطعًا ضمن أهدافي حين كتبتُ الرواية.
وزارة الثقافة جادة منذ وضعت العالمية خيارها
كيف ترى اليوم الرواية السعودية, وفي رأيك كثرة معارض الكتب في السعودية تعيد العصر الذهبي للكتاب والكاتب؟
بالتأكيد الرواية السعودية اليوم قد قطعت شوطًا كبيرًا على طريق العالمية بدليل البوكر, ولدينا روائيون وروائيات أصبحوا بالفعل عالميين, أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر رجاء عالم - عبده خال - محمد علوان - ليلى الجهني - فاطمة عبد الحميد وغيرهم.. وعلى صعيد الكم في الإنتاج الروائي وبحسب الباحث والأديب خالد بن أحمد اليوسف قفز عدد الأعمال الروائية من 208 عملًا روائيًّا في 2004 إلى 1982 عملًا في 2022 أي أنّ نسبة الزيادة بلغت 590 % خلال العشرين عامًا الأخيرة.. فيما يخصّ معارض الكتب نعم صحيح أصبحت معارض الكتب كثيرة لدينا أهمها معرض الرياض الدولي للكتاب, والثقافة عمومًا تشهد اليوم عصرًا ذهبيًّا في بلادنا وليس فقط الكتاب والكاتب, ما تحقق إلى اليوم من رؤية 2030 على مستوى الثقافة فاق أكثر التوقعات طموحًا, وزارة الثقافة جادّة في خططها وإستراتيجياتها منذ أن وضعت العالمية خيارها الأول, وهيئة الأدب والنشر والترجمة أصبحت حاضرة بفعالياتها في كل بقعة تصل إليها الشمس من بلادنا المترامية الأطراف.
رواية تحت الصفر لم تصنف سعودية
رواية قاع اليهود يقال إن الكاتب ابن بيئته أنت ماذا تقول, وهل روايتك قاع اليهود مولود شرعي من رحم الإبداع؟
ـ لعلك تقصدين مولود شرعي من رحم البيئة.. كأنك تلمحين في سؤالك إلى هويّة الرواية واغترابها لأنّ معظم أحداثها دارت خارج السعودية وتحديدًا في صنعاء, مع أنّ الكاتب سعودي والبطل سعودي والحكاية تبدأ من عدم استيعاب جامعاتنا السعودية لطالبي القبول فيها. حقيقة لم يسبق لي التفكير في اغتراب رواية قاع اليهود ولن أشغل نفسي بالتفكير في هذا, لكن على سبيل المثال رواية غازي القصيبي (شقة الحريّة) التي دارت أحداثها في مصر, أليست رواية سعودية؟ كذلك رواية السوري حيدر حيدر ( وليمة لأعشاب البحر) التي دارت أحداثها في عنّابة الجزائرية وبعضها في العراق, لا تصنف رواية جزائرية أو عراقيّة وإنما هي سوريّة. وهناك روائيون عرب مهاجرون في أوروبا وأمريكا, هل تعدّ رواياتهم فرنسية أو ألمانية أو أمريكيّة؟ وبما أنك أنتِ من نجران, رواية (نجران تحت الصفر) للفلسطيني يحيى يخلف والصادرة عام 1977م, على حد علمي لم تصنّف ضمن الروايات السعودية.
كيف تعايشت ككاتب مع ثقافة البيئة الأخرى قراءة وتجربة إلى أن ظهرت رواية قاع اليهود إلى الضوء؟
مكثتُ تقريبًا أربع سنوات في صنعاء هي مدة إيفادي معلّمًا هناك, وخلال هذه السنوات الأربع لم يخطر ببالي يومًا أنني سأكتب رواية تدور أحداثها في صنعاء, ولستُ أفشي سرًّا إذا أخبرتك أنني لم أكتب قاع اليهود إلا بعد مضي سنتين على عودتي من اليمن.
حالة طبيعية بين المناطق الحدودية
نثرت الكثير من المفردات الشعبية المحلية في الرواية (شوعة, ناهي, الوجه من الوجه أبيض, قلدك الله) وغيرها، هذه المفردات دارجة في الأحاديث اليومية في المناطق الجنوب للسعودية, مثل نجران وجازان تفسيرك لذلك؟
ـ من الطبيعي جدًا وجود التقارب في اللهجات بين سكان المناطق الحدودية مع جيرانهم من الدول الأخرى, كما هو حال جنوب المملكة مع اليمن, والمنطقة الشرقية مع دول الخليج الأخرى, وكذلك المناطق الشمالية مع جيرانهم خلف الحدود, لكن تظل هناك خصوصيّة تظهر من خلال بعض المفردات، فنحن مثلًا في جازان لا نقول عن القبيح (شوعة), وغير ذلك الكثير من المفردات المختلفة.
اللغة التي تميز الشاعر عند كتابة الرواية
اللغة والأسلوب الكتابي عند علي الأمير يشبه الحسناء الحالية, فكيف اكتسبت لغة المطر الرحيمة في تفتيت الحجر, دون أن تقرع الحجر بالحجر؟
ـ شكرًا جزيلًا على هذا الثناء.. هذه اللغة التي تصفينها بلغة المطر الرحيمة هي في اعتقادي ما يميّز الشاعر حين يكتب الرواية عن غيره من كتّاب الرواية الآخرين, ليس على مستوى شعريّة اللغة وأدبيّتها وحسب, بل حتى على مستوى زاويا النظر للأشياء والتعمّق في استشعار المعنى ووقعه في النفس, لذلك معظم الروائيين العالميين الذين تُدهشنا أعمالهم الروائية هم في الأصل شعراء؛ ميلان كونديرا, غابرييل غارسيا ماركيز, نيكوسكازانتازاكيس, رسول حمزة توف، وغيرهم.
أشد المواضيع المسكوت عنها
طرحت موضوع العلاقات المحرمة بين المحارم, فهل أنت مقتنع بطريقة المعالجة لذلك الموضوع في رواية قاع اليهود؟
ـ موضوع العلاقات المحرمة بين المحارم هو للأسف موجود في المجتمعات كافة وإن كان بدرجات متفاوتة, وهو من أشد المواضيع المسكوت عنها فتكتنفها السرّيّة, لأنّ النفس تشمئز من التطرق إليه حتى في الكلام العادي واليومي, وحين يتطرّق الروائي لهذا الموضوع أو غيره من المحرّمات, هو في تصوّري غير معنيّ بوضع المعالجات والحلول, بقدر ما هو معنيّ فقط بتسليط الضوء على هذا القبح المتواري في شوارعنا الخلفيّة والمظلمة -إن صحّ التعبير- ودور الكاتب هو إظهاره في أبشع صوره وأتعس مآلات من يقترفه.
المرأة مخلوق بين الملائكة والبشر
في رواية قاع اليهود جَمعت المرأة ما بين الجبروت والضعف في خطوط متوازية ما بين منيرة ولوزة وصبرية, كيف أحدثتَ ذلك التشكل في الرواية؟
ـ بلزاك يقول: «المرأة مخلوق بين الملائكة والبشر». ونحن وإن كنا نؤمن بالملائكة لم نرها ولا نعرف شيئًا عنها, وبالتالي نجهل عن المرأة نصفها الأقرب للملائكة, وكل ما نعرفه عن هذا الكائن الساحر هو فقط نصفه البشري. ولك أن تتخيّلي ما في هذا النصف البشري من شيطنة وعنفوان وجبروت وفي المقابل حنان ورقّة ونضارة, وأيضًا لين وضعف وانكسار. لذلك كان عليّ أن أصنع من تناقضات ثلاث شخصيّات نسائية مخلوقًا واحدًا هو بين الملائكة والبشر.
الكتابة الاحتراق الممتع
الكتابة عمل شاق أم أن لك مع الكتابة متعة تُعرفنا عليها, وكيف ترى اليوم كتابتك للمقال الأسبوعي مع مجلة اليمامة، وكيف تعالج المواضيع التي هناك من يرى أنها استهلكت ولم يعد أحد ينتبه له؟
الكتابة بالنسبة لي ليست عملًا شاقًّا وحسب بل احتراق حقيقي, سواء الكتابة الإبداعية مثل كتابة الرواية أو العادية كالمقالة الصحفية, الكتابة هي الكتابة, وما يجعلني احتمل سعيرها وأداوم عليه هو المتعة والرّاحة النفسيّة التي تغمرني فور الانتهاء من جلسة الكتابة, خاصّة حين أكون راضيًا عمّا كتبته خلال الجلسة.. بالنسبة لمقالي الأسبوعي في مجلة اليمامة وكيف أراه, بالطبع ليس من حقي تقييمه أو الحكم عليه ولولا إشادة بعض القرّاء التي تصلني من وقتٍ لآخر لما استمررت في كتابته. ولا تنسي أنّ الكتابة الصحفيّة تستهلك المبدع سواء كان شاعرًا أو ساردًا, على مستوى اللغة والجهد والفكرة.
بالتأكيد ينتابني في أوقات كثيرة شعور باللاجدوى من كتابة المقالة, وأبدأ في الاعتقاد أنّ المواضيع باتت شحيحة, وهذا غير صحيح، فالمواضيع تولد وتتجدد مع كل يوم جديد, أو أنّ المقالة عمومًا لم تعد تسترعي انتباه أحد, وبالفعل أتوقف لشهر أو شهرين لكني في النهاية أعود لكتابتها من جديد.. الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش الحائزة على جائزة نوبل عام 2015 ترى أن لا شيء يثير الاهتمام كأصوات الحياة الواقعية, وأن تكون صحافية وتسافر إلى قرى مختلفة ومدن صغيرة وهذا ما جعل إبداعها يصل إلى ما وصل إليه.
وأخيرًا أشكرك جزيل الشكر على هذا الحوار وهذه الأسئلة التي أشعر أنها قد قدّمتني لنفسي قبل أن تقدّمني للقارئ الكريم.