تملأ أرفف المكتبات العديد من العناوين التي تتعلق بأدب الحوارات من كتب ومقالات صحفية لما فيها من معلوماتٍ متنوعة وسردٍ تاريخيٍ مذهل لحقبة من الزمن يرويها معاصروها بأنفسهم. فالعديد من هذه الكتابات تشتمل على أسئلة تُلقى من محاورٍ متمرسٍ يحاول تسليط الضوء على بعض الجوانب من حياة شخصية الضيف بطريقة جذابة تجعل الإجابات التي تذكر عميقة وذات بُعد ثقافي واجتماعي، وتنقلنا إلى عالمها الخاص الذي يعكس تجاربها وآراءها ومواقفها من الأحداث التي شهدتها أو شاركت فيها. فهذه النوعية من المقالات مصدرٌ ثري للتعرف على تاريخ الشعوب والأمم من خلال شهادات حية تحمل في طياتها حقيقة وإنسانية شهدها الضيف، وتنمي مهارات التفكير النقدي والتحليلي لدى القارئ وتزيد من مداركه ووعيه بالمشاكل والتحديات التي واجهت مجتمعاتنا في أزمنة مختلفة.
وقبل فترةٍ قصيرةٍ وصل للمكتبات كتاب مميز في مثل هذه الأدبيات، يحمل عنوان “واجهة ومواجهة” للدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي. تتألف هذه المجموعة الحوارية من لقاءات أجراها الدكتور التركي ونشرت في صحيفة الجزيرة مع عدد من الشخصيات البارزة بالمملكة العربية السعودية في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والإعلامية والدينية والأكاديمية، وذلك في الفترة الممتدة من عام 2000 إلى 2005م. تنوعت هذه الحوارات في موضوعاتها ومستوياتها وأساليبها، وتميزت بالعمق والجرأة والموضوعية وانسيابية الحوار.
ويذكر الدكتور التركي في مقدمة الكتاب أن بزوغ فكرة هذه الحوارات كانت ذاتية، حينما قدم مقترحاً خلال فترة توليه الصفحة الثقافية في جريدة الجزيرة لرئيس التحرير الأستاذ/ خالد المالك لاستضافة «واجهات» ثقافية وإدارية وطنية عربية، والذي لاقى استحسان المالك ووجه بسرعة البدء في المشروع. فالتقى الكاتب مع عدد من الوجوه النخبوية من أمراء ومشايخ وعلماء ووزراء ومسؤولين في القطاع العام والأهلي، من بينهم: د. عبدالعزيز الخويطر، الأمير خالد الفيصل، الأمير عبدالعزيز بن ماجد، الأمير محمد العبدالله الفيصل، الأمير سعود بن عبدالمحسن، د. حمد المانع، الأمير خالد بن سلطان، الأمير فيصل بن سلمان، الشيخ محمد العبودي، الشيخ صالح السدلان، د. غازي القصيبي، د. محمد الرشيد، أ. عبدالله النعيم، أ. علي الشاعر.
ويتميز الكتاب بحسن طباعته حيث يشتمل كل لقاء على صورة الضيف والمناصب التي تولاها بالإضافة إلى مقولة له مقتبسة من اللقاء ومقدمة للضيف تتمحور حول شخصيته ومكانته في المجتمع. وضع الدكتور التركي عنواناً لكل سؤال يمثل محور الحوار أو النقطة الأساسية التي يريد استخراجها من الضيف، ورُتبت الأسماء في الكتاب حسب تواريخ نشرها في صحيفة الجزيرة. وقدم الأستاذ/ خالد المالك الكتاب مشيداً بما يحتويه من حوارات شيقة أجراها الكاتب مع مجموعة من الأسماء الكبيرة، وبفخره أن فكرة وتنفيذ هذه الحوارات ظهرت خلال فترة رئاسته الثانية لصحيفة الجزيرة. واعتبر هذا العمل بمثابة رواية لجزء من تاريخ المملكة لا يُستهان به، وأن نشرها في كتاب يسهل الرجوع إليها ويحميها من الضياع.
واجهة ومواجهة.. كتابٌ ثري مليء بالحوارات الشيقة والملهمة للقارئ وإضافة قيمة لأرفف المكتبات، فبتنوع المقابلات ما بين السياسة والأدب والصحافة، يمنح القارئ رؤى عميقة حول مجموعة من المواضيع المهمة والمختلفة، مما يثري فهمه ويوسع آفاق معرفته. وكما قال الدكتور/ إبراهيم التركي في مقدمة الكتاب: «سيبقى لمثلِ هذه اللقاءاتِ حضورٌ في ذاكرة التأريخ؛ فهي أحدُ مصادره، وفي ذاكرة الثقافة لأنها بعضُ مكوناته».
** **
- حمد سعد المالك
@hamadmim