حكاية الخمسينيّ المطلوب
يُحكى أنّ مجموعة من الجند في فجر يوم من الأيام، ذهبوا بأسلحة مشبعة بالذخيرة، طرقوا باباً لأحد المطلوبين، ولم يجب أحد، طرقوا أخرى ولم يفتح أحد، انتبهوا لامرأة تنظر إليهم من نافذتها، فشعورا بكثير من السخرية والانتقاص في نظراتها، شدّ أحدهم قبضته وأمرهم صارخاً:
اكسروه.
فتعاقبوا على الباب ببنادقهم فانخلع إلا قليلاً، أكمل ذلك بطلقة سدّدها للقفل فانفتح مخلوعاً، اندفعوا يطلقون الرصاص عشوائياً، تاركين أجهزة كهربائية ثَقَبَها الرصاص، وأدوات مطبخ محطّمة، ولوحة حائط كبيرة أسقطتها الرصاصة الأولى، لم يجدوا سوى رجل في الخمسينات، حليق الذقن، كثيف الحواجب، طويل الأنف، جسده مسترخٍ على كرسيّ هزّاز، ووجه للسقف، وفي حضنه كتاب مفتوح تتوسّطه نظارة طبيّة، صُبغت صفحاته بقطرات دم مُتعرَّجة من جبينه، وعند كعب قدمه اليسرى مسدس من الصنع الأميركيّ، بدى لهم أنه وقع من يده المتدلّية فوقه، كانت رصاصة واحدة قد أودعها منتصف رأسه، مذ سمع الطرق على الباب.
لمس أحدهم بباطن سبّابته الدم في صفحة الكتاب، كان حاراً سائلاً لم يجمد أو يتخثّر بعد، تأكد لهم أنه انتحر كهروب من أن يقتلوه، وتصوّر لهم أيضاً أنها إهانة لهم كي لا يحضوا بقتله بعد الظفر بما لديه من معلومات عن بقية الخصوم.
حكاية ليلتين
يُحكى أنّه في ليلة من ليالي آذار، أتى نَغَمٌ من مكان في الخلف، حين أقبل عاشق إلى معشوقته، وفي يديه قدحٌ نحاسيٌّ، رآها نحيلة تلبس غلالة نومٍ شفّافة، تلاقت تمتماتهما الحذرة مع قهقهاتهما الصاخبة، عندها زَحَفَت أنامله اليمنى فوق عنقها كتيارٍ كهربائيّ، فرجاها أن تراقصه فراقصته، فشدّت ثوبها المنحسر عن ساقيها هرباً من بصره السارق. ومضى يشبك يديه على ردفيها، فتناهى صوتها عميقاً تحمله رِقّةٌ مُتخمةٌ بالودّ، فَتَهَالك في حُبّها، مُلقياً بنفسه على قوامها حتّى دَفَقَ الضياء خيوطه.
وفي الليلةِ التالية القائضة، أعادا ما فعلاه الليلة الماضية، خَضّبت يدها وذراعها بالحنَّاء الأسود، وَبَخّرت شعرها الفاحم، وارتدت ثوباً يَشفُّ عن اللهب، فاستقبلته وكان قد شَرِب حتّى تلاشى عقله، فأدمى أنفها، وَشَرَمَ شفتها، وَتَرَكَ آثار أظفاره على كتفيها العاجيين، رفعت يدها محاولة حماية نفسها، كانت يده أشبه بماسورة لا يدَ بشريّة، رمقته بعينيّ ذئبة جريحة، بلعت دماً ونظراتها عالقة في عينيه، ألصقت جبهتها في الحائط مستمعة إلى دفعه للباب بعنف، عابراً بخطواته الثقيلة الممرّ، ثم بأخرى متناهية على درج البناية نازلاً، فَشَرَعَت بعد ذلك تُحطّم كلّ أثاث شقتها.
** **
- ماجد سليمان