الثقافية - علي القحطاني:
احتفى بدواوينه الشعرية نقاد المغاربة أكثر من نقاد المشارقة، وأعجب د. مصطفى بدوي بديوانه «شهادة الأرض» ورأى في نصوصه آيات الجمال وقوة المسرح الشعري والتآخي بين الدرامي والملحمي ومطرّزة على أوزان خليلية»بحر الرمل» التقت «الثقافية « مع الشاعر والكاتب المعروف الطبيب الدكتور محمد ناهض القويز استشاري كبد هضمية مناظير، وتحدث عن الثنائيات الإبداعية للأطباء المبدعون وجمعهم بين الثقافة والإبداع والأدب لا سيما، وأن الطبيب قادرٌ على التصوير الإبداعي بشفافية وملامسة الروح، وهو خبير بعلات الجسد وآلامها، وعن تعلّقه بالقراءة في زمن الطفولة واحتفاء والده -يرحمه الله- بموهبته كما تحدث أيضا عن الرقابة الرسمية وتعرضه للإيقاف، وكيف للكاتب أن يجمع بين ولائه للمؤسسة التي يعمل بها، ونقدها في آن واحد، وهل ما تزال الأصوات المتعددة مصدر إزعاج للمسؤول.
* ديوانك «شهادة الأرض» لم تتخل بتاتا عن إيقاع الشعر التفعيلي، واحتفى به النقاد المغاربة أكثر من نقاد المشارقة ..هل هناك تقاعس من نقادنا في قراءة الروايات المحلية؟
خلال فترة إيقافي عن الكتابة بتويتر اتجهت إلى فيسبوك لكتابة أشعاري. جاءني طلب إضافة من المغرب فأضفته.
عرفني بنفسه مصطفى بدوي من المغرب العربي شاعر تخصص نقد حديث. ثم أضاف قرأت لك نصوصا جميلة لكن أحتاج شعراً مطولا، هل لديك ديوان pdf. فقلت نعم ديوان شهادة الأرض. أرسلت له نسخة.
بهرتني ردة فعله المباشرة إذ أرسل لي انطباعاته وهو مايزال يقرأ ومما جاء فيها:
«يا رجل ما أقرأه مذهل على بحر الرمل وفيه قوة المسرح الشعري، وتؤاخيه بالدرامي بل بالملحمي أيضا.
أنت مبدع استثنائي.
أنت تشق بمعاول الإبداع أرضاً بكرا.
لم أعتد على مثل هذه النصوص في المدونة الشعرية العربية.
ما حيرني أنك نسجته على تفعيلة الرمل، والرمل غنائي في ملامحه الموسيقية.
كيف طوعته في السرد؟!!!
أنت ساحر موسيقي
السرد عادة يودي بشعرية النص، لكن معك أحسست أن منسوب الشعرية عالٍ جدا.
يكفي أنك زلزلتني. أنا الذي أعتقد أنه خبير في مضايق الشعر ووهاده.
حرام عليك، ماذا فعلت لك. كلما تقدمت في النص أحسني مسحورا بلغته وانسيابية سرده. ذبحتني من الوريد إلى الوريد وأنت الطبيب المداوي.
حرام شاعر بحجمك ان لا أعرفه وأسامر نصوصه، أنا الذي يدعي الشعر والنقد والكتابة.»
أنا قرأت الشعر قديمه وحديثه العربي والأجنبي
شهادة الأرض حطمت يقينيات النقد وتخطت الحدود لتخلق حوارا بين مستويات ما استطاع شاعر قبلك أن يقترفها
شوقي حاول كتابة المسرح الشعري وعزيز أباظة لكن لم يستطيعا الوصول إلى ماتوصلت له أنت.
أنت استطعت دمج كل الأشكال التي تحدث عنها أرسطو في نص الأرض في كتابة فن الشعر.
شهادة الأرض ملتقى للمؤتلف والمختلف
هنا تكمن فتوحاتك آخيت بين مالم يستطع شاعر أن يؤاخي بينه.
أنت شاعر كبير، وما هز قناعاتي أحد سواك لا في الخليج ولا في الشرق والغرب كله ما اقتحم تلك المنطقة الحفوفة بالمخاطر سواك
لا أفهم كيف لنقادكم لم ينتبهوا لشهادة الأرض»
لاحظ أنه ختمها بنفس سؤالك عن دور نقادنا؟
عندما جاءتني دعوة من اتحاد الكتاب المغاربة ووزارة الثقافة المغربية لإقامة ندوة حول شهادة الأرض كان أكثر سؤال يتردد: لماذا لم نسمع عن شهادة الأرض أين نقادكم منها!!!
ناقشنا الاحتمالات، لكنه يبقى سوال جوابه لدى النقاد أنفسهم.
للإنصاف فقد كتب عنها الكاتب السعودي عبدالله الجعيثن رحمه الله مرارا.
* العلاقة بين الطب والأدب ثنائيات جميلة فأحدهما يعالج الجسد والآخر يخاطب الروح والقائمة تطول من المشاهير د.مصطفى محمود ود.ناجي إبراهيم د. عبد السلام العجيلي.. كيف تقرأ هذه الثنائيات ولاسيما، وأن الطبيب قادرٌ على التصوير الإبداعي بشفافية وملامسة الروح، وهو خبير بعلات الجسد وآلامها..؟
هناك أمثلة كثيرة لهذه الثنائية محلياً منها د. عبدالله مناع- رحمه الله- ود. صالح العليان و د. بتال الدوسري و د. إبراهيم الخضير وآخرون. بالنسبة لي ولدتُ شاعراً واخترت أن أكون طبيبا. لا شك أن الشعر كان تحت هيمنة المهنة يتمرد عليها في أوقات الإجازات. لا أرى أن للطب أثراً إيجابياً على الشعر.
* في طفولتك تعلقت بالقراءة من خلال ما ذكرته من أن والدك كان يشتري أثاث بعض المدرسين الوافدين في أثناء انتهاء فترة عملهم، ثم يقوم والدك ببيعها إلا الكتب والمجلات التي يتم الاحتفاظ بها. وكنت تقرأ بعض تلك المجلات والكتب والدوريات ،حدثنا عن شخصية الوالد وقراءاتك المبكرة؟
الوالد- رحمه الله- كان شاعراً فحلا توثيقيا وله سردياته الشعرية. وقد ألقى بين يدي جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله- قصيدته عن حرب الخليج عندما زار والدي في المستشفى.
عندما كان أبي في شبابه كان يجتمع حوله شباب الدوادمي كل مساء ليقرأ عليهم تغريبة بني هلال والزير سالم.
أما قراءاتي المبكرة فقد كانت للمجلات والدوريات والمطبوعات اللبنانية. من هنا جاء تعلقي الثقافي بلبنان في مراهقتي من دون أن أعرف لبنانيا وقبل زيارتي الأولى للبنان، ومن هنا أيضا كان للبنان حضور قوي في ديواني الأول.
* ما قصة ديوان الملحمة الذي أشاد به الأمير سلطان- رحمه الله-، وقال: إنه لم يسمع بمثل هذا في القديم، ولا الحديث ولا المترجم. وطالب -رحمه الله- بأن يتم إخراج هذا العمل فنياً؟
بدأت بكتابة ملحمة شهادة الأرض شهر أبريل عام 1994م ثم أضفت عليها بعض الإضافات في السنوات اللاحقة وبالذات عام 1998م. في عام 2000 تمت المراجعة الأخيرة للديوان. كان المفروض أن ينزل الديوان في 2001/1/1 لكن تأخر لسببين:
الأول أنني كنت أبحث عن اسم يناسب القصيدة.
الثاني أن الفنان ايراهيم النغيثر بدأ يرسم لوحات من القصيدة استغرقت أكثر من سنتين.
قبل طباعة الديوان اتصلت بالأمير سلطان بن عبدالعزيز- رحمه الله-. رحب بي بأريحيته المعهودة واستمع مني للقصيدة كاملة واطلع على اللوحات ثم قال: عجيبة عجيبة قصيدة لم أسمع بمثلها لا في القديم ولا الحديث ولا المترجم. ضروري تحول لعمل تلفزيوني.
فقلت أو مسرحي فقال أو مسرحي.فقلت لهذا جئت إلى سموكم الكريم وفي نيتي مسرحتها وعمل متحف لها وهذا مكلف فقال- رحمه الله-: أنا متكفل بكافة التكاليف، لكن مغالاة المخرج في التكلفة (أكثر من خمسة أضعاف تكلفة أوبرا عايدة) جعلتني أتراجع عن مسرحتها.
* يُقال إن الرقابة الذاتية أشد من الرقابة الرسمية، وتعرضت للإيقاف.وكيف للكاتب أن يجمع بين ولائه للمؤسسة التي يعمل بها، ونقدها في آن واحد .وهل ما تزال الأصوات المتعددة مصدر إزعاج للمسؤول؟
بالنسبة للجمع بين الولاء والنقد هي عملية معقدة. لكن عندما ترى المؤسسة التي تفتخر بها وتدين لها بالولاء أصبحت تصارع من أجل البقاء ثم يصم المسؤولون فيها آذانهم عن سماع آراء الزملاء فيما يحدث من تدهور. وعندما يطلب ولي الأمر من الكتاب القيام بواجبهم بكشف القصور فلا يبقى إلا أن تستجيب لهذا النداء وتضع النقاط على الحروف بطرح موضوعي قانوني بدون ذكر أسماء. أما الرقابة الذاتية فكانت موجودة وبرغم أن سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أعطاني الضوء الأخضر للكتابة فيما أريد إلا أن هذا زاد من المسؤولية والأمانة التي حُملتها. أما الإيقاف فكان مؤقتا خلال فترة الجائحة وقد كسبت القضية.
* قررت في شبابك ألا تقرأ قصيدة لشاعر إلا ما كان مفروضا عليك في المناهج الدراسية ..ألا ترى أن هذا الرأي فيه غرابة ولاسيما أن الأجيال تستفيد من بعضها والإبداع يتولد من تراكمات تاريخية ومحاكات إبداعية سابقة؟
كان ذلك وأنا في ثانية ثانوي بعد أن كتبت أول قصيدة عربية وكنت قبلها أكتب أشعارا شعبية. عرضت القصيدة على مدرس اللغة العربية الأستاذ عمر عبد الواحد فأجازها، عندها قررت القطيعة مع الشعر لأنني لم أكن أرغب أن أتأثر بشاعر أو أن أصبح ظلاً له، ومنذ ذلك الوقت لم أقرأ من الشعر إلا ماكان مقررا أو ماجاء في كتب الأدب والنقد إلى أن طبعت ديواني الأول «الإبحار» وجهزت ديواني الثاني للطباعة «ملحمة شهادة الأرض» بعدها بدأت بقراءة الشعر مجددا. وقد استساغ الناقد المغربي مصطفى بدوي ذلك القرار وكتب عنه مقالا في الشرق الأوسط بعنوان الشعر في حضرة المحو، وقال إن شهادة الأرض وليدة ذلك القرار.
** **
@ali_s_alq