نظّمت جمعية الأدب والأدباء ومركز سعود البابطين الخيري للتراث والثقافة مساء السبت (2 مارس 2024م) ندوة كبرى في المركز بحي الصحافة بمدينة الرياض عنوانها «عبدالعزيز البابطين: رمز العطاء الثقافي والإنساني» بحضور الشيخ عبداللطيف بن سعود البابطين، ومعالي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي المستشار في الديوان الملكي، ومعالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السويلم، ومعالي الدكتور ماجد بن عبدالله المنيف، ومعالي الدكتور عبدالواحد بن خالد الحميد، والدكتور عبدالله بن إبراهيم القويز، ورئيس مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز بن سعود البابطين الثقافية الأستاذ سعود بن عبدالعزيز البابطين، ورئيس مجلس إدارة جمعية الأدب والأدباء الأستاذ حاتم بن فهد الرويثي، وجمع كبير من النخب الثقافية وأصدقاء الراحل وأسرته.
وقد بُدئ الحفل بآيات من القرآن الكريم تلاها الشيخ المثنى بن أحمد البابطين، وألقى الأستاذ ماجد بن عبدالمحسن أبابطين كلمة ترحيبية بالحضور، ثم بدأت الندوة بإدارة الدكتور زياد بن عبدالله الدريس الأمين العام لمركز عبدالله بن إدريس الثقافي، وشارك فيها أربعة من المتخصصين والراصدين لمسيرة الراحل وعمله الثقافي، وكان أول المتحدثين معالي الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، وزير الإعلام والثقافة السابق، إذ شارك بورقة عنوانها «عبدالعزيز البابطين .. وزارة ثقافة في كيان إنسان»، أشار فيها إلى تأثير البيئة والأسرة في تكوين شخصية الراحل، مؤكداً ومثنياً على دور شقيقه الأكبر الشيخ عبداللطيف في اجتذاب أخيه في مرحلة الطفولة إلى عالم الشعر والأدب، وشدّد معاليه على نجاح الشيخ البابطين في توظيف المال والثروة في خدمة الثقافة والسلام، وفي حماية اللغة العربية والرفع من شأنها، ومع اهتمام خاص بالشعر العربي لكونه شاعرًا وله ثلاثة دواوين مطبوعة، وتحدث د. خوجة عن رؤية البابطين البعيدة للمستقبل، ويقينه بأن الأمم لا تقوم على أساس من العلم، فأطلق في العام (1974م) برنامج بعثة البابطين للمنح التعليمية، وبلغ عدد المستفيدين منه قرابة عشرة آلاف طالب وطالبة من مختلف أنحاء دول العالم.
أما الأستاذ محمد رضا نصر الله عضو مجلس الشورى سابقًا فقد شارك بورقة عنوانها «بيير بورديو والبابطين: كيف استثمر عبدالعزيز البابطين في الرأسمال الثقافي؟»، واستهلها بقصة طريفة عندما تحدث عن نماذج من الفقر الذي يعيشه الأدباء مستشهدًا بمحمود غنيم الذي كتب بيتًا يرى فيه استحالة أن يجمع الأديب بين المال والشعر، ليخلص نصر الله من ذلك إلى قدرة الشيخ البابطين على الجمع بين المال والشعر حين يقول في نهاية الورقة: «هكذا استثمر عبد العزيز البابطين في الرأسمال الثقافي، فأصبح بفضل ذلك وسيطاً بين الدول بعدما كان بائعاً جوالاً! وذلك بإتقانه توجيه هذا الرأسمال في المجال العام، بوصفه محركاً يمنح الفرد قوة اجتماعية، واحتلاله موقع التأثير المعنوي؛ لا داخل المجتمعات العربية والإسلامية وحدها؛ بل والعالمية. لذلك حصل على رأسمال رمزي شعَّ بالأوسمة والألقاب وشهادات الدكتوراه الفخرية، كاسراً بذلك تشاؤم الشاعر محمود غنيم، بجمع عبد العزيز البابطين الفريد بين الشعر والمال، وبين الرأسمال المادي والرأسمال الثقافي».
ومن بين المشاركين في الندوة أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور فوّاز بن عبدالعزيز اللعبون الذي أعدّ ورقة عنوانها «عبدالعزيز البابطين: الشعر والإنسان»، وقال في مستهلها واصفًا الشيخ عبدالعزيز البابطين: هو رجل البر والعطاء وفقيد الأدب والثقافة، وإنه بهذه الندوات جدير، فطالما أقام المنتديات والملتقيات والندوات، وأحيا أسواق عكاظ لا سوق عكاظ واحد، ويسوغ لي أن أقول: في العصر الجاهلي سوق عكاظ، وفي العصر الحديث عبدالعزيز بن سعود البابطين .هذا الرجل طالما غمرني بنبله وتحفيزه وأنا طالب على مقاعد الدراسة لا يأبه بي أحد؛ إذ كان يدعوني للكثير من الملتقيات الدولية، ويفتح لي الآفاق، ويعرفني بالأدباء والمثقفين ويحتويني احتواء أب لابنه، ويعلم الله كم أدين له بالفضل، وكم أراني عاجزاً عن رد بعض فضله، وما هذا عليه بغريب، فقد حفز أدباء العالم العربي ومثقفيه كبارهم وصغارهم، وستظل آثاره وآلاؤه حاضرة لا تغيب .وأضاف يقول: لقد أحب وطنه العربي الكبير، وأحب ثقافته العربية، وأحب لغته العربية محبة خاصة، وأحب الأدب العربي قديمَه وحديثَه، وأحب الأدباء والمثقفين وأحبوه، وكأنما خلقه الله ليُحِب ويُحَب، لا لِيَكْره أو يُكْرَه.وقد ترجم هذا الحب بالأفعال والدعم السخي، فنهض بجهود لا تقوم بها كيانات، ونافس بمنجزات مؤسساته الثقافية ما تنجزه بعض الوزارات.
ثم توقف اللعبون عند خصائص شعره فقال: «تستوقفني أصالة معدنه، واعتزازه بماضيه وبيئته، وها هي عناوين دواوينه تؤكد ذلك، إذ إنها كلها عناوين من بيئته العربية: بوح البوادي، ومسافر في القفار، وأغنيات الفيافي، وكان بمقدوره أن يجعلها بوح الجبال، ومسافر في التلال، وأغنيات الروابي، وهو حقا كان يجوب الجبال والتلال والروابي في مختلف أنحاء العالم، لكن عاطفته الأصيلة مرتبطة بنشأته وأصوله، ولذا باح للبوادي، وسافر في القفار، وغنى للفيافي، ومن معالم تجربته الشعورية وفاؤه الشديد لأحبابه، فلا تكاد تجد في دواوينه ما يدل على تنوع الأحباب، وكأنه يناجي حبيبا واحدا لا يعرف سواه، ولا يريد أن يعرف سواه».
أما ورقة الدكتور محمد مصطفى أبو شوارب نائب الأمين العام لمؤسسة البابطين الثقافية فقد جاءت بعنوان «العروبة في مشروع عبد العزيز البابطين الثقافي .. أرقام ودلالات»، وأشار إلى أن مؤسسة البابطين نظّمت حتى الآن 18 دورة، وظفر بجوائزها 91 شاعرًا وناقدًا عربيًا، وصدر عنها 567 كتابًا، كما أن المؤسسة نظّمت ثلاثة عشر مهرجانًا للاحتفاء بربيع الشعر العربي، وسبعة ملتقيات أدبية، وثلاثة منتديات عالمية للسلام، وتوقف أبو شوارب عند المشروعات الضخمة التي نهضت بها المؤسسة، وهي: «معجم البابطين للشعراء المعاصرين» في تسعة أجزاء، و»معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين: التاسع عشر والعشرين» في 25 جزءًا، و»معجم البابطين لشعراء العربية في عصور الدول والإمارات» في 25 جزءًا كذلك، وأشار إلى أن المؤسسة تعمل حاليًا على معجم يستكمل عصور الشعر العربي، وسيطبع في مئة وعشرين مجلدًا، ويضم المعجم 45 ألف شاعر وشاعرة.
وقد زاد حضور الندوة عن مئتين من النخب الثقافية وأصدقاء الراحل وأسرته، وشارك في المداخلات معالي د. عبدالله التركي، ود. محمد آل زلفة، واللواء عبدالله السعدون، ود. أحمد السالم، ود. محمد العزام، ود. سعود الدويش، والشاعر عبدالله الدريهم، والأستاذ أحمد العساف، ود. عادل المكينزي، والأستاذ أحمد الحمدان، والأستاذ بندر الصالح، واختتم ابن الراحل الأستاذ سعود بن عبدالعزيز البابطين المداخلات بكلمة شكر فيها الحضور والمتحدثين والجهات المنظمة، مؤكداً استمرار المؤسسة في أداء رسالتها كما أراد لها مؤسسها وخطط منذ عقود.
وفي نهاية الندوة سلّم الشيخ عبداللطيف البابطين الدروع للمشاركين في الندوة، كما خص جمعية الأدب والأدباء بدرع، وفي حين تسلم الشيخ البابطين درعًا تكريميًا من الجمعية.