اتخذ د. عبدالله الغذامي - بوصفه رائداً في حقل النقد الثقافي- من (النسق) مفهوماً مهماً في تنظيراته وتطبيقاته، غير أن الذي لم يلتفت إليه كثيرون أن الاهتمام بهذا النسق عند الغذامي أدى - بشكل أوآخر - إلى ضبط منهجي، وإن بدا في شكله شيء من الاتساع؛ ذلك أنه جعله يلتزم بمسار واحد لا يحيد عنه، ومن هنا يعلمنا النسق الالتزام، والضبط، والدقة، وعدم التشتت والخروج عن الطريق.
قلتُ ذلك بعد أن رأيتُ كثيراً من النقاد ينظرون إلى الناقد السعودي الدكتور عبد الله الغذامي بوصفه علامة مهمة في خريطة النقد الثقافي، لكنهم لا ينظرون إليه بأنه من القلائل الذين ينادون بسيادة المنهج النقدي، وضبطه واحترامه، فقد لفت انتباهي الدكتور عبد الله الغذامي ليس في ريادته للنقد الثقافي فحسب، وإنما في احترام المنهج النقدي، والوفاء له، وبه، وقد حضرتُ له محاضرة علمية ذات يوم، فكان يركز على هذا المبدأ من الضبط، كأنه يلتزم بميثاق محدد، وقد أقنعني بشيء من الطرافة حينما سأله أحدهم: هل يمكن أن أشتغل على أكثر من منهج في دراسة واحدة، فكان ردّه طريفاً ومقنعاً عندما ذكر بأن هذا من الخلط، وأن هذا الصنيع يشبه (السلطة)، فأكّد على ضرورة الالتزام بالمنهج الواحد بوصفه طريقاً موصلاً، ولا يمكن للإنسان أن يسلك طرقاً كثيرة متشعبة لكي يصل هدفاً معيّناً إذا لم يكن يسير على طريق واضح.
وأذكر أنني سألته في حوار سابق حول ما يرتضيه كثير من النقاد اليوم في مصطلح (النقد الثقافي)، ولماذا لا يسمونه (المنهج الثقافي) أسوة بالمنهج النفسي، والتاريخي، والاجتماعي، فمال إلى (النقد الثقافي)، ربما لأننا ما زلنا في مرحلة تشكّل المنهج، وهذا مما يدل على دقة الدكتور عبد الله الغذامي والتزامه بميثاق نقدي.
** **
د.فهد إبراهيم البكر - أستاذ الأدب والنقد المشارك بجامعة حائل