يعد هذا الكتاب أقصد كتاب ـ إشكالات النقد الثقافي: أسئلة في النظرية والتطبيق ـ للناقد الفذّ الدكتور عبد الله الغذاميّ مكملا للكتاب الأصلي الموسوم بـ (النقد الثقافي، مقدمة نظرية وقراءة في الأنساق الثقافية العربية)، وحسب ما جاء من توضيح من الناقد إذ يقول: ( مرّ ربع قرن على صدوركتابي النقد الثقافي، ومنذ ذلك الحين واجه الكتاب أسئلةً تعمقّت وتقوّت عندي بسبب تواترها وإلحاح الباحثين عليها) (1) . ولكن حسب رؤية الناقد الدكتور الغذامي أن هذه الأسئلة الملحّة من قبل الباحثين كان يعتقد انّه قد أجاب عنها في كتاب سابق وهو (المرأة و اللغة) الصادر عام 1996 حيث قال: (كنت أظن أن المسألة تجيب عن نفسها معتمداً على شهادة كتبي السابقة واللاحقة على كتاب النقد الثقافي وأبرزهاكتاب المرأة و اللغة). (2)
لكنّه اكتشف أن هذه التساؤلات ظلت مطروحة ولم يتمّ الإجابة عليها فعمد إلى وضع هذا الكتاب للإجابة عليها وأسماه بـ (إشكالات النقد الثقافي، أسئلة في النظرية والتطبيق)
هذه التساؤلات أحصاها الناقد بستة مصطلحات:
ـ الجملة الثقافية
ـ النسق المضمر
ـ المجاز الكلي
ـ التورية الثقافية
ـ الشعرنة
ـ المؤلف المزدوج
لذلك جاء هذا الكتاب لتوضيح هذه المفاهيم وشرحها بإسهاب ليتسنى للناقد أن يوضح رؤياه حول هذه المصطلحات من جانب.
ومن جانب آخر يجيب عن تلك الأسئلة التي جابهت كتابه السابق ـ النقد الثقافي، مقدمة نظرية وقراءة في الأنساق الثقافية العربية ـ لذلك جاء هذا الكتاب ـ إشكالات النقد الثقافي، أسئلة في النظرية والتطبيق ـ بمثابة مكمل أو شرح مفصل للكتاب الأصلي النقد الثقافي. لنقف عند المفاهيم الست:
1- الجملة الثقافية:
كي يتسنى لنا معرفة ماهية الجملة الثقافية، علينا أولا أن نوضح مفهوم الجملة النحوية التي تحكمها اللغة والقواعد والحد التداولي، بمعنى السبب الذي تمّ صياغة الجملة من أجله، أي (سياقها اللغوي).
أمّا بالنسبة للجملة البلاغية فتتميز من خلال إيحائها الدلالي فيمكن فهمها من خلالها ما ترمي أو توحي إليه دلالتها البلاغية.
لكن الحالة مختلفة تماما في الجملة الثقافية يقول الغذامي: (الجملة الثقافية زئبقية وماهرة في التخفي) ثم يضرب مثلا بمفهوم (النسق المضمر)، بينما لديّ تعريف آخر يحمل رؤية ملائمة وهو أن الجملة الثقافية وضعها كوضع الإيقاع بقصيدة النثر، أي تستطيع لمحه من خلال نسق الجملة وهو تحول مسار أو شبه تحول، وتغيير أو شبه تغيير.
فالإيقاع الخفي في قصيدة النثر لمسة جذب لرقصة جن ساحرة تأسر القلوب كسيمفونية سحب ملونة تنبض بالحياة، نشعر به، لكنه ذو موسيقى أنيقة وساحرة. إذ إنه يختلف تماما عن شعر التفعيلة أوالشعر العمودي حيث الموسيقى الصاخبة والوزن الصارم. هذا يسهّل علينا تقريب مفهوم الجملة الثقافية إلى القارئ/ المتلقي.. فأنت تشعر بها لكن لا تستطيع لمسها من خلال قواعد اللغة ولا من خلال الإيحاء البلاغي، بل تتعرف عليها أي تلمحها من خلال سياق أو نسق الجملة أو نسق الخطاب.
فمن خلال الأمثلة التي أوردها الناقد الغذامي نفهم أنّ مفهوم الجملة الثقافية هي تلك التي تفصل بين حالتين أوتضمّ قطبين متناقضين إذ يقول: ( فصلاً يغير اتجاه المعاني....هنا يحدث التحوّل الدلالي عبر هذه الجملة التي ستكون في منهجية النقد الثقافي»جملة ثقافية» بالمصطلح والمفهوم). (3)
ـ مثلا: قول الرسول - صلى الله عليهوسلم - (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
فقد فصَلت الجملة بين حالة الأسر وحالة الحرية، أمّا التحول الدلالي فهو مردود هذه الجملة حيث تحوّلت دلالتها من الخوف إلى الأمان.
ـ وفي مثل هذا قول الأمام على - رضي الله عنه- للخوارج كلمة حق يراد بها باطل.
فحسب رؤية التعريف الذي وضعناه فصَلت هذه الجملة بين الحق والباطل، أما التحوّل الدلالي فهو ألا تحدث ردّة فعل في جيش الإمام علي عندما رفع الخوارج المصاحف على الرماح، فإنّ مفعول الجملة الثقافية قد وقع في نفوس جند الإمام، فمجرد رفع المصاحف قد يترتب عليه عطف من قبل جيشه لكن تأثير الجملة الثقافية هنا قطع الشك باليقين وغيّر دلالة رفع المصاحف إلى حركة يراد بها باطل، هذا هو التحول
الدلالي.
من خلال هذا المفهوم فإنّ قول الدكتور الغذامي: ( في النهاية فالجملة الثقافية تُحدث بالضرورة تحوّلات سلوكية مصيريةً من حالٍ إلى حالٍ معاكسةٍ لما قبل) (4). وما ينطبق على المثلين أعلاه ينطبق على جملة الزير سالم( بُؤْ بشِسع نعل كليب) هذه العبارة قد غيّرت مجرى الحرب بأكملها و حوّلت الحارث بن عباد من مسالم إلى مقاتل، وبذلك تحوّلت قبيلة الحارث بن عباد من السلم إلى الحرب.
2- النسق المضمر:
ممكن تعريفه بـ المغزى المبطن، فهناك معنى ظاهر ومبطن أو مضمر، مثلا الجملة التي أوردها الناقد (حياة السود مهمة)(5)، فمعناها الظاهري هو أن حياتهم مثل حياة غيرهم مهمة، لكن المغزى المبطن لهذه الجملة هو إيصال رسالة مفادها :( أن حياة السود ليست مهمة عند المؤسسة الديمقراطية وأن المؤسسة الديمقراطية محتالة تكشفها هذه الجملة) (6).
وعادة ما يلجأ الساسة والدبلوماسيون إلى المغزى المبطن أوالنسق المضمر لإيصال رسالة مختلفة تماما عن القول أو نقيض المعنى الظاهري لها. وممكن أن نقدم مثالا آخر للتوضيح: فقد كانت الجيوش تقطع مسافات طويلة وتمشي أياما عديدة حتى تصل إلى ساحة المعركة وعندما يسأل الملك أو السلطان قادة الجيش:
هل الجند مستعدون؟ يكون الجواب مضمرا من قبل قادة الجيش:
إنّهم يسيرون منذ أيام!! و هذا يعني أن قادة الجيش يوصلون رسالة مختلفة للملك أو السلطان مفادها: أن الجيش بحاجة إلى الراحة قبل بدء المعركة فهذا هو مفهوم النسق المضمر.
3- المؤلف المزدوج
حسب الأمثلة التي ذهب إليها الناقد الدكتور الغذامي سواء بأفلاطون أو ابن خلدون أو بالرئيس الأمريكي جو بايدن... فإنّ الناقد يتحدث عن مفهوم ازدواجي غير بعيد عن التناقض في نسق الخطاب.
ـ فما صنّفه أفلاطون من أن الإغريق هم السادة الحقيقيون والبقية هم من العبيد فهذه ازدواجية في مفهومه الفكري الذي يدعو إلى الفضيلة والعدالة، وكذلك موقف ابن خلدون من البدو، فقد أشار إلى صفات الكرم والبساطة والبدائية، و بذات الوقت وصفهم بالهمجية الغلظة في التعامل مع الآخر ببعدهم عن التحضر والتمدن، إذ جعلهم في فجوة كبيرة في التعامل من حياة المدن أوالناس المتمدنين المتحضرين. وهذا حسب رؤية الناقد الغذامي ازدواجية في الخطاب سواء عند أفلاطون أوعند ابن خلدون.
ــ والمثل الآخر عن الرئيس جو بايدن في مسألة انضمام دول البلقان إلى الناتو، فقد كان له خطاب مختلف تماما قبل وبعد استلامه الرئاسة. فقبل استلامه الرئاسة قال: (لم تمدد حلف الأطلسي شرقا ليشمل دول البلقان فهذا سيستفز روسيا ويدفعها إلى حرب ضروس ) (7) ، لكننا نرى أن بايدن قد قال خطابا مختلفا بعد استلامه الرئاسة حيث قال: (لأوكرانيا الحق في الانضمام لأي تحالف) (8)، وهكذا أصبح خطاب بايدن خطابا مزدوجا حاله حال أفلاطون وابن خلدون.
لكن ما أريد أن أضيفه هنا انّ الخطاب القرآني قد وضع صورة مفصلة عن وضع الملوك، وهو تعبير مجازي عن الجيوش التي يقودها هؤلاء الملوك، عندما قالت ملكة سبأ (بلقيس) وذكره الله تعالى في محكم التنزيل من سورة النمل: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (9).
فالمسألة لا علاقة لها بالبدو أو بازدواجية الخطاب لدى ابن خلدون وإنما نظرة ابن خلدون كانت مبنية على تغلب جيش بني هلال وبني سليم على أهل المغرب العربي، وما فعلوا بهم، والنسق الخطابي لابن خلدون يتماشى مع ما ذكره الله في القرآن على لسان ملكة سبأ (بلقيس) فلا يوجد أي جديد به، وكذلك ما فعله التتار ببغداد أو بالمدن التي احتلوها، وما فعلته أمريكا عام 2003 باحتلالها للعراق.
4- نسق الشعرنة:
على وفق رؤية الناقد الدكتور عبد الله الغذامي أن مفهوم الشعرنة لم يختص فقط بالشعر بشكل عام والشعر العربي بشكل خاص، بل اهتم بمختلف الخطابات مثل نسق الفحولة أي (تفحيل الخطاب وصناعة الطبقية)(10).
بمعنى إقصاء المرأة من ممارسة الكتابة سواء كمهنة أوكموهبة وحصرها في الرجل فقط حسب رؤية الناقد فهذا نوع من أنواع النسقية أوالشعرنة ، وتفحيل الشعراء وتصنيفهم إلى طبقات حسب رؤية الناقد إلى نشوء الطبقات الثقافية. ثم يصل الناقد إلى تعريف الشعرنة بقوله: ( فالشعرنة وصفٌ لنوع من الأنساق المضمرة)(11).
والواضح من رؤية الناقد انّه لازال يطور شرح فلسفته حول الأنساق حتى يصل إلى خلاصة مهمة جدا، وقد تكون هي ثيمة وإيقونة الموضوع أوالكتاب برمتّه حيث يقول: ( النسقية ظاهرة بشرية تصدر عنها كل الثقافات البشرية)(12) .إذ إن أدوات فلسفة النقد الثقافي هي الأنساق المضمرة وفحص الخطابات باستخدام وسائل منها:
ـ المجازات الكلية.
ـ التورية الثقافية.
ـ الجملة الثقافية.
ـ الدلالة النسقية.
بينما خطاب النقد الأدبي يقوم على الواقع السياسي والاجتماعي، ويستخدم أدوات المجاز والتورية و الاستعارة والتشبيه والبلاغة وغيرها.. حيث يقول الناقد: ( أن النقد الثقافي يتأسس على تلمس الأنساق المضمرة وفحص الخطابات للنبش عن المضمرات النسقية وفق منهجية تعتمد مفاهيم المجازات الكلية والتورية الثقافية - - إلخ) (13).
لكن لماذا يصرّ الناقد على تكرار التعريف بالفرق بين النقد الثقافي والنقد الأدبي، وقد سبق أن وقف عندها بعمق في الكتاب الأصلي (النقد الثقافي، مقدمة نظرية وقراءة في الأنساق الثقافية العربية)، فتكرار نسقية خطابه في هذه الجزئية التي توضح اعتماد ذات النسق في طروحاته السابقة، وبهذا وضع الناقد نفسه بذات ا لموضع الذي وضع غيره به من تكرار خطابه النسقي (طبيب يداوي الناس وهو عليل).
بل وجدت العديد من الشروحات في هذا الكتاب تكرر نفس الطرح في الكتاب الأصل بذات المفاهيم وذات الدروس، وكأنّها بدت لي إعادة إلى محاضراته السابقة و إلى قاموسه اللغوي والاصطلاحي والمفاهيمي. فلقد لاحظت هذا التكرار بدأ من (ص 29 إلى 37) هي ذات المعلومات التي طالما تكررت بشكل دوري، وهذا يعني أن الناقد يتبع ذات النسقية في خطاباته السابقة، ممكن أن يتحرر من هذه الحلقة إلى حلقات ومساحات أوسع في فلسفة طروحاته.
5- المجاز الكليّ:
ممكن أن نضع تعريفا للمجاز الكليّ حسب رؤية الناقد الدكتور الغذامي بأنّه مجاز ثقافي ليس بلاغيا. أيّ أنّه سمة تلمح من خلال نسق الخطاب الثقافي مركز على المصطلحات الكبرى من عدالة ومساواة وحرية، أي كل ما هو عالي المثالية التصور في الخيال البشري، ثم يأخذ الناقد من الحلم الأمريكي مثلا: فالحالمون بالحرية والنجاة في مخيالهم البشري ثم فجأة يصطدمون بتلاشي هذا الحلم نتيجة اتساع الجرائم وانفلات السلاح، وتعجز دولة الحلم إلى حماية الناس وكيف تحوّل الحلم إلى كابوس والعدالة إلى ظلم والأمان إلى خوف.
6- التورية الثقافية:
يمكن لنا أن نعرّف التورية الثقافية برؤية إنسانية بين ما هو مادي وما هو معنوي، لكون مفهومها قريبا ولكن نيلها بعيد، فالقيم العليا التي يطمح لها الإنسان في الخير والعدالة والحرية والمساواة، التي يتمناها ويريدها ويسعى لها، لكن السؤال:
ـ هل سينالها؟
ـ هل ستتحقق هذه المثل العليا التي يراها في مخياله وفي أحلامه وفي عقليته؟ أم أن اصطدامه بالواقع يبعدها عنه؟
وهكذا تتحول الأمنية إلى أمنية عقيمة التحقق، فهذه تورية ثقافية حسب رؤية الناقد. إذ إن المثل العليا وتطبيقها أو نيلها نوع من أنواع التوريات الثقافية فإننّا: ( نهجس بشيء ونتطلع له، ونأنس بتمنية النفس فيه، ولكننا نكتشف أنه يبتعد كلما اقتربنا منه) (14).
و لقد لمسنا رؤية الناقد الدكتور الغذامي النقدية من قبل في قراءة الأنساق الثقافية العربية المضمرة وقد دعا منذ عقود إلى ضرورة الاشتغال على النقد الثقافي كبديل معرفي ومنهجي للنقد الأدبي، لأجل الحفر في النصوص عميقا، وكشف الأنساق المضمرة في أغوارها. ذلك أن النقد الأدبي وإن أفلح في قراءة النصوص جماليا وفنّيا؛ إلا أنه تعامى عن العيوب النسقية المختبئة تحت عباءة الجمالي، التي أسهمت في التستر على عيوب الثقافة العربية.
بينما يعدّ النقد الثقافي من أهم المناهج والنظريات النقدية التي أفرزتها دراسات ما بعد الحداثة، وقد جاء كرد فعل على المناهج السابقة التي ظلت تعنى بالأدب إمّا من جانب صوره الفنية والجمالية (النقد الأدبي). أو باعتباره بنية لسانية شكلية (النقد البنيوي) من جانب آخر، ومن ثمّة جاءت الدراسات الثقافية التي تهتم باستنطاق الأنساق المضمرة في النصوص؛ وربطها بسياقاتها الثقافية والتاريخية التي أنتجتها، محاولة بعد ذلك فهمها وتفسيرها وفق رؤية ثقافية موسّعة.
النقد الثقافي يعد أداة من أدوات قراءة النص، وليست مهمته إلغاء النقد الأدبي، ولكن نجده ليفسح المجال للثقافي منه أن يكشف ويضيء المضمر، بهدف تجاوز النص إلى الخطاب. هذا هو الجانب المطروح كما قدمه الدكتور الغذامي.
فالنقد الثقافي ليس عودة إلى الوراء لطمس الحدود بين دوائر أدبية الأدب وجماليته، فهو لا ينحصر في توجه منهجي واحد أو إجراءات بعينها، أو أنه الحل الأمثل لتوافق المدارس النقدية معاً، لكنه قد يكون إطاراً من الافتراضات ويوجد بدرجات متفاوتة داخل المدارس النقدية، فقد تجاوز التعامل مع النص كموضوع وأصبح النص لديه ليس ما هو مكتوب، بل ممارسة إنسانية مادية أو فكرية لها دلالة، وهو ما يشمل الواقع اليومي أو الحدث التاريخي على السواء.
ولاسيما أن القراءة فعل اجتماعي سياسي جذري، ينفذ إلى بنية المعنى والعلاقات الاجتماعية، وهي متوافقة بذلك مع موقف الغذامي، فلابد ضرورة التحرر من رق النقد الأدبي، لكن النقد الأدبي باعتباره نقداً جامعاً ولا يمكن تعويضه من خلال النقد الثقافي وحده، إذ يعد الأخير جزءا لا يتجزأ من النقد الأدبي.
فضلا عن ذلك أسهم الانقلاب المعرفي الذي مس المنظومة النقدية الأدبية المعاصرة بتأثير من فلسفة ما بعد الحداثة واستراتيجيتها التفكيكية في ظهور مجال نقد النقد الأدبي بصيغته الابستيمولوجية الحداثية، وعليه جاءت هذه الرؤية التحليلية ساعية قدر المستطاع لرفع اللبس النقدي والمنهجي حول خصوصية هذا المجال الفكري المتجدد والإحاطة المعرفية بماهيته مفهوما مصطلحا ومنهجا.
لقد استندت هذه الدراسة على استراتيجية قراءة قائمة على تحديد مفهوم نقد النقد الأدبي وفق الوعي المعرفي والنقدي المعاصر، ومنه مقاربة منظومته الاصطلاحية في منجزه التنظيري والتطبيقي، دون تجاوز إشكالية المنهج المعتد به في قراءة الخطاب النقدي القائم على حدود التعدد والاختلاف والنسبية.
الخاتمة:
يتألف الكتاب أقصد ـ إشكالات النقد الثقافي ـ من ستة فصول:
ـ الفصل الأول والثالث شرح المصطلحات الستة التي كانت السبب الحقيقي وراء تأليف هذا الكتاب ـ إشكالات النقد الثقافي ـ.
لكن كعادة الدكتور عبد الله الغذامي إنه استفاض في شرح مفاهيم أخرى وذلك لإغناء وإثراء الكتاب، قد يكون السبب فنيا أو فكريا لا نعرف لكن على وفق المقدمة التي وضعها الناقد الغذامي أن السبب الرئيس لهذا الكتاب هو لشرح المصطلحات الستة ثم رأى أن يتوسع في موضوعات أخرى كالفلسفة وتتبع نسق الخطاب الشعري الجاهلي لدى امرئ القيس، وطرفة بن العبد.
ـ وتوسع في الفصل الثاني من الكتاب في مفهوميّ العقلنة والفلسفة بل استفاض في شرحهما.
الغذامي منظر الخطابي النسقي:
رحلة مع الغذامي لم يترك محور أو أي مبحث إلا وتناول وتعمقت رؤية من باب الخطاب النسقي، وكأنّه في رصد دائم لنسقية الخطاب في كل تحليلاته سواء أكانت أدبية شعرية أم نثرية أو فلسفية بل تعدى في ذلك إلى مجالات أخرى من مفهومه النظري حول النقد الثقافي.
إذ يرصد العقل والفلسفة من خلال منظار نسقية الخطاب ويلج إلى تحليل وتفكيك هذه الرؤى والمساجلات من باب النقد الثقافي، وزاوية الخطاب النسقي، حتى تحوّل هذا الأخير إلى ميزان الذهب الذي يزن به مسارات الفلسفة ورصد للعقل وطرق عمله في النظر إلى الأشياء وإدراكها. فكأنّه يتحول من ناقد إلى منظرـ أقصد بالمنظر صاحب نظرية ـ إلى فيلسوف ومن ثم إلى عالم أي عالم فينومينولجي أي العالم الذي يدرس الظواهر.
ـ أمّا في الفصل الرابع فقد وقف أمام مفاهيم المجد والسلطة والحبكة والعلم الضار والحرية والمحاماة والرياضة.. وفي كل هذا يحاول التوسع في مفهوم النقد الثقافي، ويرصد كل المفاهيم من باب نسقية خطابها، وبذلك نجح بإسقاط ما نظّر إليه، بل كأنّه يريد أن يوصل رسالة مفادها إن نظريته المسماة بالنقد الثقافي ممكن تطبيقها على مختلف مجالات الحياة بما فيها جاذبية الأرض.
إذ يمنح دروسا في الكيفية التي يمكن بها إسقاط مفهوم النقد الثقافي على كل هذه المفاهيم وغيرها بالطريقة وبالكيفية التي شرح وتناول بها هذه الموضوعات من خلال التحليل الدقيق من زاوية نسقية الخطاب.
ـ ويستمر في الفصلين الخامس والسادس التوسع في مفاهيم النقد الثقافي وتطبيقه على مجالات أوسع مثل الهويات الضائعة، العدالة الضارة والهوية المختطفة. وأخيرا في الفصل السادس من الكتاب أسقط مفهوم النقد الثقافي على فكرة المكان الذهني والعيني عند ابن سينا والغزالي وقام بتحليل المفهومين حسب رؤية الفيلسوفين العربيين، ثم قارن بين الوشم والطلل في شعر طرفة بن العبد وامرئ القيس، وكان له رأي يحترم بانّ طرفة لم يسرق بيت امرئ القيس بل الرواة والمدونون هم الذين خلطوا بين الشاعرين، ونظر إلى كل هذه الأفكار والرؤية محللا إياها من باب النقد الثقافي متتبعا نسقية الخطابات شعرًا ونثرا.
إذ إن هذا الكتاب كما قلت في البداية جاء ليكمل مشروع الناقد ويوضح الكثير من الغموض واللبس ويجيب عن أسئلة مهمة طرحت على الناقد والمفكر والفيلسوف المبدع دكتور عبد الله الغذامي.
** ** **
الفهرس
(1) إشكالات النقد الثقافي أسئلة في النظرية والتطبيق: عبد الله الغذامي، المركز الثقافي العربي ـ الدار البيضاء ـ المغرب. الطبعة الأولى، 2023، 7.
(2) المصدر نفسه:7
(3) المصدر نفسه: 13
(4) المصدر نفسه:15
(5) المصدر نفسه: 19
(6) المصدر نفسه: 19
) 7) المصدر نفسه: 28.
( 8 ) المصدر نفسه: 28.
(9) سورة النمل:34
(10) المصدر نفسه:29
(11) المصدر نفسه:33
(12) المصدر نفسه:30
(13) المصدر نفسه:31
(14) المصدر نفسه:55
** **
د. رائدة العامري - استاذ قسم اللغة العربية بجامعة بابل بجمهورية بالعراق