انطلاقاً من مبدأ (القوة الناعمة) الذي يعتمد على الجاذبية، وتوجيه الأنظار، وأن يكون لمملكتنا العربية السعودية الحبيبة قوة روحية ومعنوية في الثقافة والفنون، مما يؤدي بالآخرين إلى احترامها، والإعجاب بها، فإن إنشاء إدارات ثقافية سعودية في العالم تشرف عليها وزارة الثقافة أصبح اليوم أمراً مهماً في نظري؛ لتقوم تلك الإدارات بالأعمال الثقافية والفنية المنوطة بها، بدلاً من الملحقيات الثقافية الحالية التي تهتم بالإجراءات التعليمية، والأنظمة الدراسية فقط، وما يتبع ذلك من تيسير شؤون لطلاب المبتعثين فحسب.
نحن اليوم إذن أمام مفترق طرق، نتطلع إلى أن يكون دور تلك الملحقيات الثقافية أكثر توهجاً، وأكثر تخصصاً، وذلك في أن يصل صوتنا الفني والثقافي للعالم بأسره؛ ليكون للمملكة العربية السعودية حضور فاعل ومؤثر في الشأن الثقافي، ولا سيما في الوقت الراهن الذي وصلت به الثقافة أوج تطورها وازدهارها في عهد قيادتنا الرشيدة، ودعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز حفظهما الله.
إن القوة الثقافية الناعمة من أهم ما يمكن أن يعرّف بمكانة مملكتنا العالمية الكبيرة، وقيادتها الحكيمة، وشعبها الأصيل، وجغرافيتها المميزة، وتاريخها العريق، وموقعها الإستراتيجي، وحجمها المؤثر في العالم أجمع، إضافة إلى منزلتها الكبرى في العالمين: الإسلامي، والعربي؛ كل هذا التميّز يجعل مملكتنا العربية السعودية جديرة بأن تلهم العالم برؤيتها، ورسالتها، ومكانتها، وبخاصة بعد أن أصبحت ضمن قائمة الدول العشرين (g20).
ويعد الأثر الثقافي الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية اليوم يعد أحد ركائز الإلهام على مستويات بعيدة، ولا سيما أن الثقافة جزء مهم في قائمة برامج التحول الوطني الذي تسير نحو تحقيقه المملكة؛ ولذلك جاء في المادة التاسعة والعشرين من الباب الخامس في النظام الأساسي للحكم: «ترعى الدولة العلوم والآداب والثقافة، وتعنى بتشجيع البحث العلمي، وتصون التراث الإسلامي والعربي، وتسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية»؛ لذلك فإن تأسيس ملحقية ثقافية في الخارج ذات طابع فني وثقافي تشرف عليه وزارة الثقافة سيجعلنا أكثر إلهاماً، وتأثيراً.
لقد باتت الثقافة اليوم في ظل هذا التحول مقوّماً مهماً من مقومات جودة الحياة، وكم أعجبتني كلمة سمو وزير الثقافة حين قال: «سنعمل في الوزارة بنهج تشاركي مع المبدع السعودي، رأسمال الثقافة، وسنذهب بعيداً لخلق بيئة تدعم الإبداع، وتساهم في نموه، وسنفتح نوافذ جديدة للطاقة الإبداعية عند السعوديين، وستظل الثقافة السعودية نخلةً سامقة في عالمنا. لدينا تراث غني، وتقاليد عريقة ومتنوعة تنتمي لـ13 منطقة، لدينا مبدعون من مجالات متنوعة، فاز العديد منهم بجوائز عالمية، وتمت استضافة أعمالهم في محافل دولية مختلفة»؛ لهذا فإن الثقافة اليوم أصبحت مركز إشعاع داخلي، وخارجي يتطلب منا تخصيص إدارات أو ملحقيات ثقافية بحتة بالتنسيق مع الجهات الأخرى كوزارة الخارجية مثلاً.
إننا اليوم بأمسّ الحاجة إلى التعريف بوطننا ثقافياً أمام العالم، ولا سيما وآمالنا تتزايد بتزايد رؤية مملكتنا الطموح، وبتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- الذي رسم شعاراً عظيماً، عندما قال: «هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجًا ناجحًا ورائدًا في العالم»، وبمتابعة مستمرة من سمو ولي عهده الأمين الذي علّمنا بأنه: «ليس هناك أي تحديات أمام الشعب السعودي العظيم».
ومن شأن تخصيص ملحقية ثقافية في الخارج أن يسهم في التعريف برؤية المملكة العربية السعودية، ونشر ثقافتها وتاريخها بشكل موسع، والاحتفاء بالمهرجانات الوطنية، كيوم العَلم، ويوم التأسيس، واليوم الوطني، وتنظيمها تنظيماً ثقافياً رائعاً، والتواصل مع وزارات الثقافة في الدول الصديقة، وعقد الاتفاقيات، والشراكات، وتبادل الثقافات، ودعم الساحة العلمية، والثقافية في الدول الأخرى بما يعزز من مكانة المملكة العالمية، وعقد المحاضرات العلمية، والثقافية، والأمسيات الشعرية، والمعارض الفنية المصاحبة، والمستقلة التي تدعم حضور المملكة العالمي، إضافة إلى التعريف بالخدمات الجليلة التي تقدمها المملكة للعالم، كخدمة الحاج والمعتمر، والإنجازات المتنوعة التي فازت بها المملكة، والتجارب الناجحة في مختلف المجالات، وربط الجهات الثقافية الداخلية بالمؤسسات الثقافية الخارجية، والتنسيق معها، ولأجلها، مثل مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، والجمعيات الأدبية والثقافية المتنوعة في المملكة.
ومن محاسن ذلك أيضاً الترويج للمناسبات الكبرى التي تستضيفها المملكة رياضياً، أو ثقافياً، على سبيل المثال: (دورة الألعاب الآسيوية للصالات 2025 - كأس التحدي الآسيوي 2026 – كأس أمم آسيا 2027 – الألعاب الأولمبية الشتوية 2029 – إكسبو 2030 – الألعاب الآسيوية 2034 – كأس العالم 2034م)، وغيرها.
** **
د. فهد بن محمد الشمري - أستاذ التربية الفنية المشارك بجامعة الملك سعود، الملحق الثقافي بماليزيا سابقاً، مشرف دراسي، وفنان تشكيلي، وباحث في نظريات العلاج بالفن.