يقول الله تعالى مبشِّرًا الصابرين على مصائب الدنيا: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} ويقول -عزّ وجلَّ- مخبرًا عن حقيقة: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}.
إن من المسلمات التي يدركها المؤمن المتصف بالإيمان الكامل أنه مهما طالت به الحياة، فإن مصيره ومآله إلى الموت، ولو شاء الله أن يعصِمَ أحدًا منه لعصم سيّد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم، فالحياة الدنيوية زائلةٌ فانية.
ورغم هذه الحقيقة الجليّة الواضحة إلا أن الإنسان يفجع وعيناه تدمع، وقلبه يحزن على فراق الأحبة والأصحاب، ويعلم أن الدنيا كظل غمامة كما وصفها الشاعر ابن المعتز بقوله:
ألا إنما الدنيا كظل غمامة
إذا ما رجاها المستظل اضمحلتِ
فلا تك مفراحًا إذا هي أقبلت
ولا تكُ مجزاعًا إذا هي ولّتِ
لقد كان يوم الأحد التاسع من شهر رمضان المبارك في عام 1446هـ يومًا حزينًا عليّ؛ إذ جاء القدر المحتوم بمفارقة أخينا وحبيبنا الدكتور سعد الدايل أحد أعضاء هيئة التدريس في كلية المعلمين في الرياض سابقًا من هذه الدنيا إلى دار القرار، مما جعلنا نصاب بالذهول، والصمت الرهيب الذي أخذ المشاعر والقلوب بسبب رحيل الفقيد العزيز إلى دار الآخرة، التي كلنا في هذه الرحلة ذاهبون إليها عاجلاً أو آجلاً. وخلاصة ثمرات معرفتي بالفقيد -رحمه الله- أنه كان رجلاً شهمًا وكريمًا ومضيافًا يكرم ضيوفه وأصدقاءه ومحبيه، وأصبح الكرم صفة أصيلة ملازمة له، وكان يستضيف زملاءه وأحبابه من أعضاء هيئة التدريس من كلية المعلمين؛ لتناول طعام العشاء في شهر رمضان المبارك لأكثر من عشر سنوات جعل الله ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة. ومما كان يتحلَّى به -رحمه الله- اتّصافه بالأخلاق الجميلة والسجايا الأصيلة، فلا تراه إلا باسمًا هاشًّا باشًا، واضح السيرة، وطيب السريرة، محبًا للدعابة، خفيف الروح، باسم الوجه ضاحك السن محبًّا للآخرين، وكانت سيرته زكية تفوح عبيرًا وعطرًا، وقد شهد له بذلك من عرفه وتعامل معه.
حقًّا فقدنا أخاً كريمًا ومربيًّا فاضلاً وصديقًا عزيزًا، وهذا جزء مما عرفته عن الدكتور سعد خلال ثلاثة عقود من الزمن.
واحسرتي ولوعتي يا دكتور سعد على رحيلك عنّا من الدار الفانية إلى الدار الباقية! فالدموع ذُرِفت، والقلوب توجّعت، ورأيت لوعة الفراق في محيَّا أبنائك وأسرتك وأرحامك ومحبيك وأصدقائك. رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة، وألهم ذويك ومحبيك الصبر والسلوان، وجعلك الله قدوةً تمتد عطاءً في أبنائك البررة وذريتك (عبدالرحمن وعبدالإله)، وجعل فيهم الخير والبركة والصلاح، إنه سميع مجيب الدعوات، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- د. زيد الدريهم