لايخفى على الجميع دور المملكة العربية السعودية الرائد في الأعمال الإنسانية والإغاثية والتنموية في مختلف دول العالم، ومد يد العون للدول العربية والإسلامية والصديقة، بغية تخفيف معاناتهم جرّاء الحروب، والكوارث الطبيعية، والتهديدات التي تتعرض لها المنطقة، وهذا ما لمسناه في ثنايا النصوص الرِّحْلية السعودية، ومن ذلك ما جاء في رحلة إدريس الدريس مدن تمطر دمًا عندما شاركت المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمير الرياض آنذاك، لمساعدة المسلمين في البوسنة والهرسك من قبل الهيئة السعودية العليا، حيث كانت مقدمة الكتاب تلخص دور المملكة العربية السعودية الريادي في العمل الإغاثي حيث قال: في سنواتنا البكر كان شعارنا ادفع ريالًا تنقذ عربيًا، وكان سلمان بن عبدالعزيز هو مبتكر وأبو هذا الشعار الذي ترعرع في نفوسنا واتسعت دائرته ريالًا.. فريالًا، ثم كبرت القضايا وكبر معها ريالنا ليصبح ريالات.
وتجاوز فلسطين ومعها الدول العربية ليشمل أفغانستان والصومال والبوسنة والهرسك وغيرها، ومنذ ذلك الشعار وقبله كانت عباءة الأمير سلمان تمتد أروقتها لتصبح مظلة واسعة بظلها كل فقير ومسكين ومأزوم.. وكل يتيم وأرملة وعجوز.. وفي خلال جولاتنا في مدن البوسنة والهرسك كنا نلتقي العديد من المسؤولين هنا، وكانت ألسنتهم تلهج بذكر الأمير سلمان والشكر له ولأهل هذا الوطن.
ويقول: في اليوم التالي لوصولنا غادرنا الصباح الباكر مدينة (سبلت) متجهين إلى مدينة (بلوتشا) وهي ميناء كرواتي يحاذي دولة البوسنة والهرسك، حيث إن 99 % من الواردات إلى ميناء (بلوتشا) تتجه إلى البوسنة والهرسك، وهناك تم اطلاعنا على مخازن الهيئة السعودية العليا لرعاية شعب البوسنة والهرسك وفيها يتم تخزين المواد الإغاثية التابعة للهيئة.
يقول مسؤول المخازن في الهيئة السيد / عبدالله محمد الطلحي إن هذه المستودعات تستوعب كميات كبيرة من الحبوب والدقيق والتمور والأرز والزيوت وإنه عن طريق مدينة (سبلت) تم إدخال ما يعادل 55 طنًا من بذور البطاطا لزراعتها هناك والتي تمثل الوجبة الرئيسة عند أهالي البوسنة والهرسك ودعواتهم كلما أثمرت هذه البذور. ويكمل إدريس الدريس حديثه: دخلنا موستار على مشارف الشفق وعلى الفور اتجهنا إلى موقع البلدية، حيث كان كبار مسؤولي المدينة في انتظارنا.. كان دخولنا مصحوبًا بمظاهر فرح واحتفال لم أشهدها من قبل.. وفي طريقنا إلى مقر المحافظ كانت المدينة قد تسربلت تمامًا بالظلام.. ولم تكن إلا أنوار الحافلة التي تقلنا دليلنا على تلمس خطوات الصبية وهرولة الشباب من أمام وخلف وعلى جوانب الحافلة.. عندما وصلنا مقر المحافظ الذي أقام لنا حفلًا مبسطًا.. وجدنا هناك كبار مسئولي الدولة في انتظارنا، وكان الشيخ الدكتور أيوب جانيتش نائب رئيس الجمهورية في مقدمة المسؤولين والأهالي الذين احتفوا على نحو يليق بمن هم أكبر وأكثر حظوة ومقامًا منا، كيف يحدث كل هذا لنا. ولماذا؟ قالوا لنا –تفسيرًا للمسألة- يكفي إنكم من المملكة العربية السعودية أكبر دولة عربية وإسلامية ودولية تمد لنا ولشعبنا يد المساعدة.. ولو لم يكن ذلك كافيًا لزدنا عليه أنكم أول وفد عربي يدخل موستار.. وإن أتيح لكم دخول سراييفو من بعد فلن يكون سبقكم إلى هذا الإنجاز أحد من المسلمين.
وهكذا فقد تولى الشيخ جانيتش الترحيب بنا، حيث قال: أنا سعيد بلقائكم وزيارتكم لنا، إن تكبدكم المخاطر لدليل صادق على حب السعوديين لنا ودليل على عدم محدودية دعم المملكة العربية السعودية لإخوانهم المسلمين.. ونحن نشكر لكم ولكل السعوديين وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين هذا الحرص وهذه العناية، ونشكر لكم كل ما قدمتموه وما تقدمونه من دعم عيني ومعنوي.
ولم تقتصر جهود المملكة العربية السعودية في بناء المساجد وتوفير احتياجاتها على الحرمين الشريفين والمساجد داخل المملكة، بل شملت المساجد في الدول الإسلامية ودول العالم حيث اعتنت بها وأنشأت على نفقتها جملة من المساجد والمراكز الإسلامية وملحقاتها في دول العالم وأسهمت في تمويل مساجد أخرى، ومن ذلك مسجد الفيصل والجامعة في باكستان.
يقول محمد المجذوب: واكتفينا بزيارة المشروع العظيم الذي تنهض بتحقيقه أموال الحكومة السعودية، فشاهدنا الهيكل المدهش لمسجد الفيصل-رحمه الله- ذلك الذي لم نقرأ عن مثله ولم نشهد ما يشبهه، لا من حيث الضخامة ولا من حيث التصميم.. وعلى الرغم من كونه لا يزال هيكلًا في حالة البناء، فهو واحد من أعاجيب الهندسة المعمارية.
من خلال الرحلات السابقة نجد أن النص الرِّحْلي السعودي يعزز دور المملكة العربية السعودية الخارجي، حيث يوضح ثقلها السياسي ودورها السيادي بين دول العالم، لأنها تمثل القلب النابض للأمة الإسلامية والعربية، ولأنها الركيزة الرئيسة لاستقرار المنطقة وصمام أمانها في مواجهة الكوراث الطبيعية والحروب والتهديدات التي تتعرض لها المنطقة، دون النظر في تباين السياسيات والديانات، فقدمت الدعم للمنكوبين وأغاثت المحتاجين، وقامت ببناء المساجد والجامعات عبر منظماتها حتى أضحت بفضل الله رائدة العمل الإنساني والإغاثي ومن أكبر الداعمين له.
** **
د. فهد الشمري - دكتوراه في الأدب والنقد والبلاغة
منصة إكس: @Fahad2626