في لقائه مع الإعلامي عبدالله المديفر، يعكس حديث الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ عن العلم والقيادة عمقًا فكريًا ورؤية متكاملة تتجاوز المفاهيم التقليدية التي غالبًا ما تختصر العلم في تحصيل المعلومات أو القيادة في السلطة، فيتضح من حديثه كيف أن الشيخ يعيش بصدق كل كلمة ينطق بها، وكيف أن تجربته الشخصية تشهد على تكامل مفهومي العلم والقيادة، باعتبارهما ليسا مجرد مفاهيم نظرية، بل ممارسات حياتية وأسلوب في التعامل مع تحديات الواقع.
العلم بوصفه رسالة وحياة
في حديثه عن العلم، لا يمكن تجاهل العلاقة التي تربط الشيخ بعالمه الداخلي، وعشقه المستمر للبحث، فهذه العلاقة ليست مجرد وسيلة للحصول على المعرفة، بل هي تفاعل عميق مع ما وراء الظواهر، تتجاوز مبدأ التحصيل الذهني إلى رحلة مستمرة نحو الحقيقة. إن العلم عند الشيخ صالح هو أسلوب حياة وغاية تتجاوز الفرد إلى الأمة، فمعرفته ليس المقصود منها فقط الإجابة عن الأسئلة، بل تعزيز الوعي الفردي والجماعي بالمسؤولية تجاه المجتمع؛ لتشكيل عقلية تنظر إلى المعرفة باعتبارها القوة الحقيقية التي تبني الأجيال، ومن هنا يصبح العلم أداة فاعلة لصياغة أفق الأمة، وأساسًا لتحفيزها نحو تقدم شامل.
القيادة في فكر الشيخ صالح بن عبدالعزيز
لم يكن حديث الشيخ عن القيادة مجرد تناول لصفات القائد من حيث القوة الشخصية، بل كان تعبيرًا عن فهمه العميق لأبعاد القيادة الحقيقية. ففي حديثه عن سمو ولي العهد، نجد أن الشيخ لم يكتفِ بتسليط الضوء على بعض الملامح الظاهرة، مثل الكاريزما والقدرة على اتخاذ القرار، بل تأمل أبعادًا أعمق تتعلق بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق القائد، والمشاركة الاجتماعية والفكرية في خدمة الوطن، وبهذا المعنى تصبح القيادة عند الشيخ صالح مرادفًا للتواضع والقدرة على الاصطفاف مع الآخرين في نفس المسار؛ لتحقيق هدف أسمى يتجاوز الذات، معبّرًا عن حكمة وقوة الشخصية القيادية لسموه؛ حيث لا تقتصر القيادة على اتخاذ القرارات الحاسمة فحسب، بل على تقديم نموذج في التضحية والفداء لخدمة الوطن والمجتمع.
تجربة الشيخ الشخصية: من الهندسة إلى العلم الشرعي
إن التحول الكبير في حياة الشيخ من دراسة الهندسة إلى التوجه نحو العلم الشرعي هو تجربة غنية لا تقتصر على تغيير في مجال الدراسة فحسب، بل هي بمثابة نقطة تحول روحية وفكرية؛ فالهندسة بتفاصيلها الدقيقة والمنهجية، ساعدت الشيخ في تطوير قدراته على التفكير المنطقي والتحليل العقلاني؛ ما جعل فهمه للعلم الشرعي أكثر عمقًا ويقينًا، وهكذا، فإن هذا التحول لم يكن مجرد تغيير مسار مهني، بل كان جزءًا من رحلة نفسية وروحية أدرك من خلالها الشيخ قيمة العلم الشرعي وأثره العميق في بناء شخصية الإنسان وتوجيهه نحو تحقيق رسالته في الحياة. وبتكامل المنهج العقلي مع النصوص الشرعية، أصبح لدى الشيخ القدرة على النظر إلى الأمور من منظور شمولي، يجمع بين الحكمة العقلية واليقين الروحي.
دور الإعلام في نشر الوعي
بالنسبة للشيخ صالح، الإعلام ليس مجرد وسيلة للتسلية أو النقل السطحي للأحداث، بل هو أداة حيوية لبناء الوعي المجتمعي. وتأكيده على نجاح الإعلامي عبدالله المديفر في برنامج «في الصميم» يوضح أهمية دور الإعلام في توجيه الحوار الوطني وفتح الآفاق أمام المتلقي، إن الإعلام حسب رؤية الشيخ يجب أن يكون منبرًا لتبادل الأفكار العميقة، وأن يكون نافعًا في نشر القيم العليا التي توجه الأمة نحو النمو والتطور، فلا يقتصر دور الإعلام على نقل الأخبار، بل يجب أن يسهم في تشكيل الرأي العام، وإثراء الفكر الوطني، وتوجيه النقاشات إلى مسارات تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة.
العلم والقيادة في منظور شامل
إن رسائل الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ لا تقتصر على مجرد الكلمات التي يرددها، بل هي دعوة حية لإعادة النظر في الطريقة التي نتعامل بها مع العلم والقيادة في حياتنا اليومية، العلم عند الشيخ ليس عملية تجميع للمعلومات، بل هو عملية بحث متواصل في جذور الفكر الإنساني، في حين أن القيادة ليست مجرد تصدر للمناصب، بل هي التزام وواجب يعكس علاقة تنموية مع المجتمع والوطن.
إذن، كان حديث الشيخ صالح دعوة للعودة إلى الجذور: العودة إلى العلم كقيمة حية ونشطة في المجتمع، والعودة إلى القيادة كمسؤولية ذات أبعاد روحية وعقلية تتجاوز النواحي المادية، وكما أن رحلة الشيخ في العلم الشرعي بدأت بحافز داخلي من معلم في مرحلة الثانوية، فإن رسالته تكمن في أن التأثير العميق يأتي من الأشخاص الذين يعملون بصدق من أجل العلم، والذين يحملون همّ الأمة في قلوبهم، دون أن يكون ذلك مشروطًا بمكانة أو منصب. إن هذه الدعوة تمثل دعوة إلى ضرورة أن تكون القيادة عملية تربوية تتجاوز مجرد إدارة الموارد، بل تشترك فيها مسؤولية القيم والأخلاق التي تشكل هوية الأمة وتوجه مسارها نحو المستقبل.
من خلال هذا الحديث، يتجلى أن الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ لا يقتصر في رؤيته على بناء مجتمع علمي أو قيادي فحسب، بل يسعى إلى بناء قاعدة معرفية وإنسانية تمتزج فيها مسؤولية الفرد والمجتمع، وتلتقي فيها العقول مع القلوب في مسيرة تقدم مستدامة.
** **
- علي بن سليمان الدريهم