منذ الجاهلية، كانت القصص التي تروى حول الكائنات الغريبة والبطولات الخارقة، تمثّل تجليات مبكرة للأدب العجائبي، ثم تطورت بشكل كبير في العصور الإسلامية، خاصة في العصر العباسي وما بعده، لتصل إلى ذروتها في بعض المؤلفات الكبرى ومن أبرز النصوص العجائبية في الأدب العربي كتاب الف ليلة وليلة ، كما أن رسالة الغفران لأبي العلاء المعري نموذج آخر للأدب العجائبي
واستخدم فيها المعري أسلوب السخرية والتعليق على الواقع الاجتماعي والثقافي من خلال خيال مفرط.
أما في مقامات الحريري والهمذاني بالرغم أنها تبدو واقعية، فإنها تمتلئ بالقصص العجيبة، والحيل الغريبة، والتنقلات غير المعقولة.
كما أن الأساطير والسير الشعبية مثل الزير سالم، وسيف بن ذي يزن امتلأت بحكايات غرائبية وأصبحت مصدراً وامتدادا للأدب العجائبي إلى وقتنا الحاضر .
وفي الأدب العجائبي تحفيز الخيال والتأمل فهو يساعد على إطلاق العنان للخيال، والتفكير بما هو أبعد من الواقع .
والأدب العجائبي في التراث العربي ليس مجرد قصص خرافية، بل هو مرآة لثقافة عريقة، دمجت الحكمة بالقوى الخارقة، والواقع بالخيال، لتعكس فهماً معقداً للعالم، وتطرح تساؤلات وجودية واجتماعية ما تزال حيّة حتى اليوم.
ويُعدّ الأدب العجائبي لونا من ألوان الأدب وأكثرها انفتاحاً على الخيال، إذ يُزاوج بين الممكن والمستحيل، ويُدخل القارئ في عوالم تتجاوز الواقع الحسي، متوغلا في المجهول والمفارق. ولعلّ من اللافت أن كثيرا من خصائص ما يعرف اليوم بـ»الخيال العلمي» أو «الفنتازيا» كانت موجودة منذ قرون طويلة في نصوص تراثية عربية، تجلّت فيها روح الاكتشاف، والدهشة، والتأمل في الماورائيات، بل وحتى في تصور علوم لم تكن قد وجدت بعد.
وبالرغم من أن الخيال العلمي كتصنيف أدبي حديث ارتبط بالثورة الصناعية وازدهارها حيث أن اللاممكن سابقاً قد أصبح ممكننا الآن ، بل ولا يكتفي بتصوير المستحيل، إنه يحاول تقديمه بآلية منطقية أو ضمن نظام داخلي متماسك، وهي سمة جوهرية في الخيال العلمي. ففي كلٍّ منهما، نجد انزياحا عن الواقع، وإدخالا لعناصر غريبة سواء أكانت آلات غير مألوفة، أو مخلوقات عجيبة، أو قوانين فيزيائية جديدة ولكن ضمن حبكة مقنعة للقارئ.
وفي كتاب ألف ليلة وليلة كما ذكرت، ذلك العمل الضخم الذي شكّل منجما لا ينضب من الغرابة والسحر والخيال. ففيه نجد الرحلات إلى جزر مجهولة، والتقاء بكائنات غير بشرية، وتحوّلات خارقة للطبيعة، بل وحتى ما يُشبه روبوتات بدائية مثل التماثيل المتحرّكة وخدم السلاطين الآليين، في مشاهد تلامس ما نصادفه اليوم في أدب الخيال العلمي.
ومثلها «التوابع والزوابع» لابن شهيد الأندلسي، التي تُمثّل أحد أوائل النصوص السردية التي نسجت علاقة بين عالم الجنّ والشعراء، وجعلت من الخيال فضاءً للتقييم والنقد الأدبي. هذه الرسالة، على طرافتها وسخريتها، تنطوي على تصور عجائبي لعالم موازٍ، فيه محاكمات فكرية وتخيلات خارقة للطبيعة، تشي بذائقة أدبية كانت مأخوذة بعوالم الغيب والأسطورة والاختراقات الذهنية العميقة.
واليوم يبقى الأدب العجائبي مساحة خصبة لتجديد الخيال العربي، وهو ليس مجرد هروب من الواقع، بل عودة إليه من زاوية مغايرة، وإن صلة هذا الأدب بالخيال العلمي، سواء في الماضي أو الحاضر، تفتح أبوابا واسعة لقراءة تراثنا بنظارات جديدة، وتغذية مستقبلنا الأدبي من جذوره العميقة.
أما دعم وزارة الثقافة لهذا الأدب ، فقد تمنح هواة هذا الأدب أجنحة ليحلقوا في فضاءه ، وإنها تُدرك أن الحضارات لا تُبنى فقط بالمباني، بل بالأفكار. وأن كل إنجاز علمي، كان في الأصل قصة، أو حلما، أو سطرا كتب في عزلة كاتب، تجرأ على تخيّل المستحيل.
قد يتحوّل الخيال العلمي من زينة في رفوف مكتباتنا، إلى صوت فاعل في تشكيل وعينا الثقافي، بفضل رعاية مؤسساتية واعية، ترى في الأدب جسراً نحو الغد، وفي الخيال مرآة لما نود أن نسير عليه.
شخصياً لاتستهويني الأعمال التي فيها الخيال العلمي كوني محبا للأعمال السردية الواقعية سواء قراءة أو نتاجا لي . لكن هذا لايعني أنه لاجمهور له . بل كل قارئ وكاتب له ذائقته التي ينحاز لها .
** **
- براك البلوي