رؤية - خالد الدوس:
صدر مؤخراً كتاب مبادئ ومدخل إلى دراسة علم الاجتماع لمؤلفه أ. د. محمد بن إبراهيم السيف تناول فيه هذا العلم بغير غموض وبإخراج مريح وحروف مناسبه مُشكلاً بها غِذاءً أصيلاً ونظيفاً لطلبة العلم والباحثين ليصحبهم في رحلة ممتعة ومفيدة في علم الاجتماع وبلا شك أن هذا الكتاب يعكس تجليات الامتنان والتقدير وترجمة صادقة لوفاء المؤلف نحو أستاذه الراحل الدكتور عبد الله الخليفة -رحمه الله- الأب الروحي لعلم الاجتماع الحضري السعودي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وقبل الولوج في أعماق فصوله والتصوف في نظرياته يوجّه المؤلف رسالته التعليمية إلى أقسام علم الاجتماع وهي رسالة وطنية في ظل رؤية المملكة 2030 التي يحتاج فيها المجتمع وسوق العمل إلى باحثين متمكنين من المهارات المنهجية واستخدام البرامج البحثية بما يخدم ويواكب حداثة التغير الرقمي والتقني في تصميم البحوث الكمية والكيفية والقدرة على قياس الإنتاج والجودة والتحليل بدون الاستغراق في المعارف النظرية.
في بدايته تناول المؤلف ماهية علم الاجتماع مقارنةً مع عدد من العلوم لإيصال فكرة هذا العلم بكل منطقية خالية من التعقيد والملل، ليعرج بعدها إلى مواضيعه وكأنما يقود القارئ بيده ويقشع الضباب ممن اختلطت عليه العناصر ليفصل بينها بشرحٍ وافٍ مع ضرب للأمثلة لنخرج بفهم صافٍ ومعرفة نقية وواضحة ليحصر بعدها العوامل المتعلقة بنشأة المشكلة الاجتماعية بحيث لا تخلو من الأمثلة المستقاة من الواقع الاجتماعي لضمان وصول الفكرة والفهم السليم.
ويقدم طرحاً مستساغاً للعقول في البناء الاجتماعي وبما يحويه من أنساق عديدة لتكون للقارئ اللبنة الأساسية والأولية لفهم المجتمعات الإنسانية ومدى ارتباط تلك الأنساق مع بعضها البعض.
وفي الفصل الثاني تناول الخبير الاجتماعي د. محمد السيف موضوع التغير الاجتماعي والتحولات الرقمية .. وفي هذا الفصل نجد المؤلف يطرح سؤالاً جوهرياً يكون فيه الجواب هو الفيصل حول الجدل بين وقوف علم الاجتماع أمام عتبات ميدان جديد يُعرف بعلم الاجتماع الرقمي أو أمام عتبات نسق جديد يُعرف بالنسق الرقمي.
وطرح المؤلف جوابه بطريقة منهجية مرتبطة بالبحث الاجتماعي وتوضيح المتغيرات المستقلة والتابعة فيه مع تضميد الحجة بعرض سوسيولوجي في تقسيم المجتمعات الإنسانية والتي على ضوئه كان الجواب مع تبيان نقطة صفر افتراضيه خرج بها المؤلف في فترة التحول الرقمي على طريقة المنهج المقارن لقياس أثر هذا التحول على شبكة العلاقات الاجتماعية والتي على أساسه نشأ نسق جديد في البناء الاجتماعي يُعرف بالنسق الرقمي.
ليتناول بعدها خصائص هذا النسق الجديد في ضوء نظرية تطوير النسق الخاصة بتالكوت بارسونز عالم الاجتماع الأمريكي المعروف.
أما في منهج البحث الاجتماعي لهذا النسق تناول فيه عدداً من الإجراءات المنهجية كتحديد المتغيرات ورصد الأثر وعدم الإغفال في الكشف عن مستويات التوافق الاجتماعي.
وأضاف المؤلف من صميم خبرته المنهجية عند المقارنة بين النسق الرقمي والتقليدي إلى استخدام المنهج المقارن معززاً طرحه بمجموعة من الأمثلة التي تُلهم الباحثين وطلاب العلم إلى مشاريع دراسية مستقبلية.
كما وجه المؤلف عند فحص النسق الرقمي في المجتمع ومعرفة كونه تقليدياً أم حديثاً عبر الاستفادة من معيار بارسونز لخصائص النسق الحديث والمتطور.
وختم الفصل بعرض لتاريخ المجتمع السعودي في التحولات الاجتماعية الرقمية وصمود الأسرة أمام هذا العصف من بداية البث المسموع (الراديو) وصولاً إلى برامج التواصل الاجتماعي والتطبيقات الخدمية مع حصر لأهم التحولات الاجتماعية بسبب التحول الرقمي.
وفي الفصل الثالث تطرق البروفيسور السيف إلى علم الاجتماع ودراسة التغير الاجتماعي.
حيث بّين المؤلف في هذا الفصل تفسير العلماء لدراسة التغير الاجتماعي حيث أخذ بشرح منهج علم الاجتماع في دراسته من خلال اتجاهين رئيسيين الأول هو الاتجاه الاجتماعي الصراعي (مكافحة الفساد) مع تبيان شيوعه في المجتمعات الإنسانية ويفسر هذا الاتجاه أن التغير الاجتماعي ما هو إلا عملية صراعية يترتب عليها حدوث الظواهر والمشكلات وكذلك عملية دفاعية عن الحقوق والواجبات يكون فيها العامل الاقتصادي محركاً أساسياً لعملية التغير كون المصالح الاقتصادية هي من تحكم كل شيء ويوضح هذا الاتجاه أن المجتمعات الإنسانية مكونة من طبقتين أساسية -البرجوازية والبروليتاريا.
بينما تضمن الفصل الرابع منهج البحث في علم الاجتماع.. ويشرح المؤلف كيف يتناول هذا العلم طريقته الخاصة في دراسة المشكلات والظواهر الاجتماعية مع توضيح ما يتميز به علم الاجتماع في التفسير عن بقية العلوم الاجتماعية الأخرى والذي يعتمد على ربط المشكلة أو الظاهرة الاجتماعية بالبناء الاجتماعي ككل وأن من الخطأ تفسيرها دون النظر إلى المجتمع واعتباره وحدةً كُلية وربطها بالطابع الكلي لتنظيم وثقافة المجتمع.
ويأتي المؤلف بمثال رائع ومشوق لطريقة علم الاجتماع في علاج المشاكل الأسرية بتصميم عملي واستراتيجي يكون نبراساً للباحثين والمرشدين في حل المشاكل الأسرية والزوجية والاجتماعية بشكل عام.
وهو بذلك ينقلنا من الأسلوب النظري إلى التطبيقي بما يخدم طبيعة المجتمع المعاصر حتى نلتمس نتائج علمية والأجمل بأنها أكثر إقناعاً.
ويعرج المؤلف في الفصل الخامس إلى موضوع النظريات في علم الاجتماع وفيه يقدم الفصل اللغة التي يتحدث بها هذا العلم ومن خلالها يتخاطب بها الباحثون في عمل دراساتهم العلمية مُفككاً بذلك روابط التعقيد التي لطالما أحاطت بها واستحال على كثير من القراء استيعابها ليهدي فهماً نعرف من خلاله الأفعال والعلاقات الاجتماعية وتفسير المشكلات والظواهر الاجتماعية ويشتمل الفصل على مجموعة من النظريات في علم الاجتماع يرافقها شرحٌ يطيب للعقل قراءته واستيعابه.
في الفصل السادس والأخير يأخذنا المؤلف بخبرته العلمية في حقول هذا العلم الواسع وفروعه الحيوية مُترجماً لنا بزوغ هذه الميادين في علم الاجتماع ..كعلم الاجتماع الأسري وعلم الاجتماع الرقمي وعلم الاجتماع الثقافي وعلم الاجتماع التربوي وعلم الاجتماع الانحراف والجريمة.
في الختام نجد أن الكتاب كان بوتقة لكثير من المعارف العلمية والدراسات قام المؤلف بصهرها في مرجع واحد يكون دليلاً لقاصدي هذا العلم من كافة أطيافه ومستوياته مذللاً لهم صعوبات كثيرة ومختصراً بذلك الكثير من الوقت والجهد وإن في هذا العمل نموذجاً نادراً لمعاني الوفاء والعرفان والتي لا يبتغي منها المؤلف سوى الأجر من الله والدعاء لكل من تصله نسخة (رقمية) من هذا الكتاب راجياً من المولى عزوجل أن يتقبل هذا العمل خالصة لوجه الكريم.