الثقافية - علي القحطاني:
بمناسبة احتفال نادي جدة الأدبي باليوبيل الذهبي واستمرارية إقامة الملتقى لعشرين عاماً، التقت «الثقافية» مع د.ياسر أحمد مرزوق للحديث عن مسيرة نادي جدة الأدبي خلال خمسين عاماً، وهو مهتم بتوثيق سيرة ومسيرة النادي، وأصدر كتابين في هذا الشأن: «مسيرة 40 عاماً « و»قراءة في ملتقيات قراءة النص أعوام من العطاء 2000_2011م «وتحدث د. مرزوق عن نشأة أول مؤسسة رسمية ثقافية في المملكة، وكان مجموعة من الأدباء قد رفعوا بمقترحهم بإنشاء أندية أدبية تدعمها الدولة على غرار الأندية الرياضية, لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز -يرحمه الله- الرئيس العام لرعاية الشباب، فأبدى سموّه ترحيبه بالفكرة, وصدرت الموافقة على تأسيس أول نادٍ في المملكة بتاريخ 1395/2/29هـ وتم تكوين أول مجلس إدارة له برئاسة الأديب الشاعر الأستاذ محمد حسن عواد, ونيابة الأديب الأستاذ عزيز ضياء وعضوية عدد من الأدباء من بينهم الأمير عبد الله الفيصل والشاعر حسن القرشي والأستاذ محمد علي مغربي والأستاذ عبد الفتاح أبو مدين،
وفي اللقاء حديث عن دور عزيز ضياء ومحمد حسن عواد فضل لمن جاء بعدهم في بذر نبتة النادي، وكان للمرأة إسهامات في تاريخ النادي، ويرجع إلى عهد الأستاذ محمد حسن عواد الذي كان يدعم دور المرأة، ومنح النادي في عهده أول عضوية لامرأة سعودية الفنانة التشكيلية اعتدال عطيوي كما تحدث د. ياسر مرزوق عن مسيرة النادي في عهد رئيسه الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين الذي يكاد يجمع معاصرو الحركة الثقافية عبر الأندية الأدبية منذ تأسيسها قبل أكثر من خمسين سنة (1395 هـ/ 1975م ) أن نادي جدة الثقافي - في عهد رئيسه الأستاذ أبو مدين كان النادي الأبرز في عطاءاته وتفاعلاته وتأثيره في مجمل الحراك الثقافي خلال مرحلة خصبة وصاخبة وتجاذبات عنيفة غير مهادنة وصراع الجدد والقدماء والحداثة والتقليد، وكان ختام اللقاء بالحديث عن أهم ملتقى دوري ثقافي جاد لقراءة النص، وجاء هذا العام تتويجاً لعطاءاته ومنجزاته باختيار «الخطاب الأدبي والنقدي في نادي جَدَّة الأدبي- قراءاتٌ ومراجعاتٌ في منجز المرحلة» عنوانًا لجلساته، ومحورًا لأطروحاته في رغبة أكيدة منه لنقد المرحلة عطاء وإنجازًا.
أول مؤسسة رسمية
في يوم التاسع والعشرين من شهر صفر لعام 1395هـ / 1975م ولد نادي جدة الأدبي كما تفيد المخاطبات الرسمية، وكان للأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز الرئيس العام لرعاية الشباب فضل اعتماده أول مؤسسة رسمية في المملكة حدثنا عن البدايات ونشأة النادي؟
سأسرد عليك القصة من أولها حيث تشكّل أول تكوين رسمي لإدارة نادي جدة الأدبي الثقافي عن طريق الاجتماع الأول للجمعية العمومية للنادي, الذي تم فيه انتخاب مجلس الإدارة، وكان ذلك مساء يوم 1395/5/22هـ في متنزه (كيلو 10) بطريق مكة المكرمة, بعد خطاب صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز المؤرّخ بتاريخ 1395/2/28هـ, الموافق 1975/3/21م, الذي رحّب فيه باقتراح الأدباء إقامة أندية أدبية في البلاد. وكان سموّه قد التقى الأدباء على هامش مؤتمر إحياء سوق عكاظ. وهذا مثبت في كتاب أستاذ الجيل محمد علي قدس المعنون بـ «ورقات عن النادي الأدبي» الصادر عن مطابع دار البلاد بمناسبة اجتماع رؤساء الأندية الأدبية في جدة 17-1409/6/19هـ، حيث استمع سموه –رحمه الله- مقترحهم بإنشاء أندية أدبية تدعمها الدولة على غرار الأندية الرياضية, فأبدى سموّه ترحيبه بالفكرة, وأعلن أنه سيوافق على أول طلب يتقدم به الأدباء، حينها سارع كل من الأستاذين محمد حسن عواد, وعزيز ضياء بتقديم طلب تأسيس نادٍ أدبي في جدة, وفي اليوم نفسه صدرت موافقة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد رقم 3/1/11/423 وتاريخ 1395/2/29هـ, على تأسيس نادي جدة الأدبي. وجاء تأسيس مثل هذه الأندية ملبياً لحاجة في تلك الفترة الزمنية السابقة عندما طلبها بعض المثقفين والروّاد.
ومن خلال ذلك الاجتماع للجمعية العمومية - الذي زاد عدد الذين حضروه عن مئة أديب ومثقف وصحفي - بدأ نادي جدة الأدبي في تكوين أول مجلس إدارة له برئاسة الأديب الشاعر الأستاذ محمد حسن عواد، ونيابة الأديب الأستاذ عزيز ضياء, وعضوية كلّ من:
- أ. حسن القرشي.
- أ. محمود عارف.
- أ. محمد علي مغربي.
- الأمير عبدالله الفيصل.
- الأمير سعود بن سعد بن عبدالرحمن.
- أ. عبدالله الحصيّن.
- د. عبدالله منّاع.
- أ. عبدالفتاح أبو مدين- أميناً لصندوق النادي.
وكان أن عقد المجلس المنتخب أولى جلساته في منزل الأستاذ عزيز ضياء مساء يوم الأربعاء 1395/7/7هـ, تلته سبع جلسات كان آخرها في مساء يوم السبت 1395/11/12هـ بحضور غالبية أعضاء المجلس: (العواد/ضياء/المغربي/القرشي/أبو مدين/عارف/ الحصين/المناع).
محمد حسن عواد وعزيز ضياء
كان لضياء والعواد فضل لمن جاء بعدهم في بذر نبتة النادي، نود التوقف عند هاتين الشخصيتين الأديبيتين؟
مما لا شك فيه بأن هذين العلمين إجماعًا هما من قدّما طلب إنشاء نادٍ في جدّة، وهما العضوان المؤسسان للنادي لصدور الموافقة بتأسيس النادي باسميهما؛ وبمبادرة منهما. ولعلّ لروح الحماسة التي بدت منهما إبان طلبهما تأسيس النادي لتؤكد على ما يمتلكانه من عزيمة وإصرار، وما هما مهمومان به من شأن الأدب واللغة والثقافة، وما لتكوينهما الثقافي والأدبي من أثر بارز في مسيرتهما في النادي، وسنيّ عطائهما. ولعلّ إضاءة عجلى عن هذين الرائدين تكون فيها الإضاءة المرجوة؛ فمحمد حسن عواد مولود ومتوفّى بمدينة جدة، وعاش عمره في المملكة العربية السعودية، والتحق بعد الكتاتيب بمدرسة الفلاح وفيها كتب أشعاره الأولى التي دارت حول الحب والسخرية، ثم عمل على تثقيف نفسه بنفسه بالاطلاع والقراءة الواسعة .تدرج في العمل الوظيفي، فعمل معاونًا لرئيس لجنة التفتيش والإصلاح لمراقبة المدارس والمطبوعات (1345هـ)، ثم معاونًا لمدير شعبة الطبع والنشر بمكة المكرمة (1345هـ)، ورئيسًا لكتاب الغرفة التجارية، ثم مديرًا لصحيفة «صوت الحجاز بمكة المكرمة (1349هـ) . اختير عضوًا بمجلس الشورى (1372هـ)، ورئيس تحرير مجلة الحج (1374هـ)، وشارك في عدد من المؤتمرات الأدبية: منها مؤتمر الأدباء العرب بلبنان (1373هـ), مؤتمر الأدباء العرب بسورية )(1376هـ)، وزار مصر ولبنان وسورية. ولديه إنتاج أدبي زاخر يعد من المراجع المهمة في الأدب والنقد. له عدد من الدواوين، منها: آماس وأطلاس - والبراعم أو بقايا الآماس - ورؤى أبولون - ونحو كيان جديد - في الأفق الملتهب - وقمم الأولمب - عكاظ الجديدة - ديوان العواد- الجزء الأول والجزء الثاني- ملحمة الساحر العظيم، أو يد الفنان تحطم الأصنام (570 بيتًا (- له عدد من المؤلفات متعددة الموضوعات، منها: خواطر مصرحة- تأملات في الأدب والحياة - من وحي الحياة العامة- الطريق إلى موسيقى الشعر الخارجية. وهو على رأس قائمة الشعراء الساعين للتجديد في القصيدة العمودية، حيث عُدّ واحدًا من رواد قصيدة التفعيلة، ومن رواد حركة التنوير في بلاده، والمشتغلين بقضايا وطنهم، معتمدًا موسيقى الشعر الجديد، واللغة ذات الدلالة المتعددة، وكان لميله إلى الشعر الوجداني أثره في ظهور مساحة من الشعر العاطفي الكاشف عن جوانب متعددة في شخصيته.
وفي المقابل نجد الأستاذ عزيز ضياء هذا الأديب والمترجم والإذاعي اللامع، الذي درس في كتاتيب المدينة، ثم بالمدرسة الراقية الهاشمية، ثم مدرسة الصحة، ودرس لفترة في مدرسة الخديوي إسماعيل بالقاهرة، وتنقل بين الجامعة الأمريكية في بيروت ومعهد التحقيق الجنائي في كلية الحقوق بالجامعة المصرية، غير أن ظروف اندلاع الحرب العالمية الثانية اضطرته إلى العودة إلى المملكة. وقد أجاد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والتركية.
تدرج وظيفيًا في عدة مناصب حكومية وعسكرية، واضطر إلى مغادرة المملكة في نهاية الأربعينيات الميلادية متوجهاً إلى مصر ثم الهند حيث عمل في الإذاعة العربية في بومباي ثم عاد إلى المملكة بعد عامين من الإقامة هناك حيث عُيّن مديرًا لمكتب مراقبة الأجانب. ثم تم تعيينه وكيلاً للأمن العام للمباحث والجوازات والجنسية.
وقد عمل عزيز ضياء في الصحافة منذ وقت مبكر فكان من أوائل من كتبوا المقال السياسي في صحيفة البلاد أول صحيفة سعودية. وشارك في تأسيس صحيفة عكاظ، وتولى رئاسة تحريرها لمدة عشرة أشهر. ثم تولى رئاسة تحرير صحيفة المدينة في العام 1383هـ. تخصّص في المقال السياسي حيث كتب للإذاعة السعودية معلّقًا سياسيًا لحوالي 15 سنة، وكانت له سلسلة من المقالات السياسية. شارك بوصفه كاتبًا يوميًا وأسبوعيًا، وخلال فترات مختلفة في حياته في صحف مختلفة مثل: عكاظ، المدينة، الرياض، البلاد، الندوة ومجلات اليمامة والحرس الوطني والجيل. وقد كتب بالإضافة إلى المجال السياسي في المجالات الأدبية والاجتماعية. وتم إعادة نشر الكثير من هذه المقالات في سلسلة الأعمال الكاملة له. كما أسهم في تقديم كثير من البرامج والمسلسلات الدرامية المتنوعة في إذاعة جدة، وكان من أوائل من عملوا بترجمة الأعمال الأدبية الإنجليزية إلى العربية في المملكة حيث استفاد من فترة دراسته بالجامعة الأمريكية ببيروت فترجم ما يزيد على 30 عملاً روائياً ومسرحياً عالمياً لنخبة من الأدباء العالميين. كان عضواً في المجلس الأعلى للثقافة والفنون والأدب السعودي عند تأسيسه منتصف السبعينيات.
من أهم مؤلفاته ومترجماته:
• حمزة شحاتة قمة عرفت ولم تكتشف) 1977م.
• عهد الصبا في البادية, ترجمة 1980م.
• قصص من (سومرست موم) تعريب 1981م.
• النجم الفريد - قصص مترجمة.
• جسور إلى القمة - تراجم 1981م.
• تورتة الفراولة, قصص أطفال تعريب 1983م.
• سعادة لا تعرف الساعة, 1983م.
• قصص من تاغور, ترجمة 1983م.
• العالم عام 1984م لجورج أورويل - رواية مترجمة 1984م.
• ماما زبيدة, قصص 1984م.
• حياتي مع الجوع والحب والحرب, سيرة ذاتية 1995م.
• عناقيد الحقد. رواية نشرت على أجزاء في مجلة اقرأ.
• آراء في الفن والجمال, مجموعة نثرية.
• كان القلب يقول, مجموعة نثرية.
إسهامات المرأة في النادي
تاريخ المرأة في نادي جدة الأدبي الثقافي تاريخ قديم يرجع إلى عهد الأستاذ محمد حسن عواد الذي كان يدعم دور المرأة، ومنح النادي في عهده أول عضوية لامرأة سعودية الفنانة التشكيلية اعتدال عطيوي .ما مدى إسهامات المرأة في إصدارات النادي ومحاضراته ومنجزه الثقافي؟
آمن محمد حسن عواد منذ البدء بأهمية مشاركة المرأة في الحراك الأدبي تحديدًا من خلال نادي جدة كما تفضلتم حيث منح النادي في عهده أول عضوية لامرأة سعودية الفنانة التشكيلية اعتدال عطيوي، فكانت تلك الخطوة الأولى التي أعقبتها خطوات متتالية، تحديدًا من الموسم الثقافي لعام 1407هـ حين شاركت المرأة في نشاطات النادي المنبرية, بأن خُصّصت لها صالة مغلقة تمكنها من الحضور والاستماع والمشاركة في الحوارات والمداخلات عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة -بادئ الأمر- كما فتح المجال للمرأة للمشاركة في نشاطات النادي المتعددة, وبذا يكون النادي الأدبي الثقافي بجدة من أوائل الأندية التي أوجدت للمرأة الفرصة والإمكانات لتعبر عن رأيها, وتطرح أفكارها أداءً لدورها, وإبرازاً لثقافتها. وكان من أولى النشاطات التي شاركت فيها المرأة في ذلك العهد الأمسية القصصية التي جمعت كلاً من الأستاذة شريفة الشملان, والأستاذة رقية الشبيب, والأستاذة رجاء عالم, في شهر رجب من العام 1407هـ, ثم تلا ذلك الندوة التي اشتركت فيها الدكتورة خيرية السقاف بالاشتراك مع كل من الدكتور فهد العرابي الحارثي, والدكتور هاشم عبده هاشم, عن الصحافة وتنمية الوعي, وكذلك اشتراك الشاعرة فوزية أبو خالد مع الشاعرين علي الدميني, وعبدالله الزيد في أمسية شعرية. واشتركت القاصة نجوى هاشم مع القاص عبده خال في أمسية قصصية. كما ألقت الأستاذة مريم عبدالرحمن الغامدي مراجعة عن أدب الأستاذ عزيز ضياء في يوم تكريمه.
الدعم المالي
الدعم المادي عند تأسيس النادي يصل لحساب النادي كان في أول عهد تأسيسه 250 ألف مقدم من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد وتوالى الدعم السنوي بميزانية ما بين 800 و900 ألف كيف تقرأ هذا الدعم إلى يومنا هذا عندما حولت الأندية إلى القطاع غير ربحي؟
لعلّي أضيف هنا بأن الميزانية قد زادت إلى المليون ريال سنويًا ثم ثبُتت عند هذا الحد، مع عدم تأخر وزارة الثقافة والإعلام حينها في الدعم الزائد عن هذا المبلغ متى ما كان هناك حاجة لذلك. ثم جاء الدعم الكبير لكل الأندية الأدبية الثقافية في المملكة العربية السعودية من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –رحمه الله- بمبلغ عشرة ملايين ريال لكل نادٍ بعد الأمر السامي الكريم رقم أ/26 وتاريخ 1432/3/20هـ, القاضي بتقديم دعم لكافة الأندية الأدبية بالمملكة مقداره (10,000,000) عشرة ملايين ريال سعودي لكل نادٍ. ومن الطبعي بأن مثل هذا الدعم يأتي ليدل دلالة واضحة على حجم اهتمام الدولة أيدها الله بالأدب والأدباء، والثقافة والمثقفين. أما عن تحويل الأندية إلى القطاع غير الربحي فحتمًا لدى وزارة الثقافة اليوم توجهها الذي أخاله يصب من دون شك في المصلحة العامة، وفي مصلحة حراكنا الأدبي والثقافي بشكل خاص، ومؤشرات مثل ذلك واضحة للمتتبع والمهتم.
عبد الفتاح أبو مدين
يكاد يجمع معاصرو الحركة الثقافية عبر الأندية الأدبية منذ تأسيسها قبل أكثر من خمسين سنة (1395 هـ/ 1975 م ) أن نادي جدة الثقافي - في عهد رئيسه الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين كان النادي الأبرز في عطاءاته وتفاعلاته وتأثيره في مجمل الحراك الثقافي خلال مرحلة خصبة وصاخبة وتجاذبات عنيفة غير مهادنة وصراع الجدد والقدماء والحداثة والتقليد التي كان نادي جدة المحطة الأبرز فيها . وقام الملتقى الرابع عشر بتكريمه كشخصية محتفى بها. كيف تقرأ هذه المرحلة..؟
أتفق معك تمامًا بأن فترة رئاسة الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين –رحمه الله- كانت من أكثر الفترات صخبًا، وصدامية، وتفاعلًا، وتجاذبًا، وهي الفترة التي امتدت من 1401هـ - 1426هـ، شهد النادي خلالها نشاطات وإسهامات ثقافية متنوعة، وإليه ينسب الفضل في صياغة سياسات النادي المرتبطة بالمجتمع وتنويع منتجاته وأدواره من إقامة محاضرات وندوات ومؤتمرات، وأعمال مطبوعة ودوريات متخصصة وترجمة. وأسهم كذلك في إصدار عدد من الدوريات الشهيرة على مستوى العالم العربي، كجذور الخاصة بنقد التراث العربي، ونوافذ الخاصة بالترجمة للأعمال الأدبية العالمية، وعلامات في النقد الأدبي والثقافي، والراوي المعنية بالسرد وقضاياه، وعبقر التي تعنى بالشعر العربي. كما أسس مجلة الرائد الثقافية، وفي عهده تم تأسيس كيان (ملتقى النص) التابع للنادي، وكذلك جماعة (حوار). ربع قرن من الزمان لهو حقيق بخلق التغييرات والتجاذبات والصراعات؛ لكنني أنظر إلى الأمر من منظور آخر ألا وهو جماليات مثل هذا الصراع الذي بدوره أخرج لنا هذه الثنائيات التي أثرت الساحة الأدبية والثقافية وألهبتها؛ إذ الاختلاف سنة كونية مهما بدا لنا من سلبياتها.
ملتقى قراءة النص
كيف كانت إرهاصات وبدايات «ملتقى قراءة النص» الذي ينظمه نادي جدة الأدبي الثقافي، وتنعقد جلسات أعماله مرة كل عام، تأسس عام 2000 والآن يتخطى ربع قرن من عمره، ويقدّم في كل عام نقاشاً في تخصص أدبي وأعلاماً خدموا الحراك الثقافي في المملكة. وجمعت تلك الأوراق في دوريات حتى غدت مرجعاً للطلبة في الدراسات العليا لدراسة الأدب السعودي .. ليتك تستفيض الحديث عن هذا الملتقى المهم؟
من أجمل ما يمكن أن يقال عن هذا الملتقى العتيد إنه ملتقى نوعيّ يعد مرجعاً أساساً للمهتمين والمتابعين للشأن الأدبي والثقافي, لا أقول في حدود مملكتنا الحبيبة فحسب؛ ولا في إطار عالمنا العربي المترامي الأطراف؛ بل قد يتعدى الأمر إلى أبعد من تلك الحدود, وتلك الأطر.
ربع قرن من العمل الأدبي الثقافي المتجدد الذي اضطلع ويضطلع به نادي جدة الأدبي, الذي سعى إلى تأصيل الفعل الثقافي ليس في حدود مدينة جدة الموقع الجغرافي للنادي, وإنما إلى حدود أوسع مكاناً وفكراً, وقد غطت إصدارات النادي المطبوعة بتنوعها أجزاء كبيرة من عالمنا العربي بما تحمله من قيم كبرى, وأطروحات متنوعة متجددة؛ لكن ظلت فكرة الحوارية المباشرة التي يتبناها النادي أملاً لا بد من تحقيقه بوصفه هدفًا سعى إلى تحقيقه تمثل في الحرص على تقديم الذات وفهم الآخر من خلال ملتقى يدعى إليه الأدباء والمثقفون والمهتمون.
وجاءت الانطلاقة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف, بالدعوة إلى ملتقى أدبي بعنوان: (قراءة النص), وذلك خلال شهر رجب من عام 1421هـ / أكتوبر 2000م, حيث استضاف النادي أكثر من ثلاثين باحثاً في حقول مختلفة؛ ليتحول ذلك الحلم إلى حقيقة, وذلك الأمل إلى واقع ملموس تميّز به نادي جدة الأدبي الثقافي, وكم كان من الجميل أن يُحتفى على هامش عدد من الملتقيات بشخصية أدبية ثقافية, أثرت الساحة الأدبية أو الثقافية عطاء وفكراً ونقداً؛ فاستحقت الحفاوة والتكريم.
هذا وقد تنوّعت المحاور التي وضعت لكل ملتقى, فتنوعت معها القراءات والبحوث والدراسات المقدّمة, فكان أن تناولت النص وإشكالياته وتأويلاته كمنطلق لباقي الملتقيات, والترجمة بوصفها نقطة تلاقٍ بين الثقافات, وشكلاً من أشكال الحوار الإنساني, وتناولت كذلك مسيرة الشعر في المملكة العربية السعودية, ومكة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 1426هـ, وحمزة شحاتة, كرمز من رموز الأدب العربي السعودي, ثم بعده يأتي العواد وخطابه الثقافي والإنساني, والسيرة الذاتية في أدبنا العربي السعودي, ثم الرواية في الجزيرة العربية, وصولاً إلى الشعر العربي المعاصر في عالم متغير، وغير ذلك من الموضوعات والمحاور المتجددة.
إن المتتبع لنشاط هذا الملتقى ليدرك بأنه قد ترك بصمته ولمّا يزل في ساحتنا الأدبية والفكرية والنقدية والثقافية، وقد أحسن النادي هذا العام باختيار «الخطاب الأدبي والنقدي في نادي جُدة الأدبي- قراءاتٌ ومراجعاتٌ في منجز المرحلة» عنوانًا لجلساته، ومحورًا لأطروحاته في رغبة أكيدة منه لنقد المرحلة عطاء وإنجازًا، وقد كان.
** **
@ali_s_alq