تهدف رواية «هذا جناه الأدب على أحلام»، للروائية: نهى عاصم (صدرت عن دار نشر غراب المصرية في 2023م)، إلى إبراز مواقف مختلفة من حياة المرأة أحلام منذ أن وطئت بقدميها عتبة قسم شرطة سيدي جابر بالإسكندرية وهي في حالة من اللا وعي التام إلى أن دخلت سجن الزوجية بوعيها التام.
بادئ ذي بدء، نستطيع القول بأن الأعمال الأدبية الذي ورد ذكرها في رواية «هذا جناه الأدب على أحلام» بدت كأنها واحدة من أهم العوامل الرئيسة التي أثَّرت تأثيرا كبيرا على حياة بطلة الرواية، ليس فقط فيما يخص علاقتها بالآخرين وإنما تعدى الأمر إلى تأثيرات سلوكية ونفسية، تَمثَّل ذلك في تقمُّصها للشَّخصيات وقدرتها على الإيحاء بأنها هي نفسها الشّخص الذي يؤدّي دوره في تلك الأعمال الإبداعية.
في روايتنا «هذا جناه الأدب على أحلام» الروائية الأستاذة نهى خلقت عالما تخيليا واختارت الأحداث والشخصيات بعناية فائقة، حيث جاءت الشخصية الرئيسة في هذا العمل «أحلام» لتتقمص أدوارا متعددة ولتنخرط في عوالم مختلفة بشكل أو بآخر. لقد أصبحت أحلام الراوي العليم بكل شيء يتعلق بشخصيات عالمها الروائي، وهي بذلك تُعدّ محور الرواية الأساسي والشخصية العالمة بأحداث الروايات التي تقرأها وتتعايش مع شخصياتها وتتقص أدوارا مهمة فيها، ولهذا فأحلام البطلة تمثل بؤرة الصراع ومن حوله تتحرك الشخصيات الأخرى.
إلا أنه لا أحد يعرف مَن هي أحلام التي أطلت علينا بوجهها في «هذا جناه الأدب على أحلام» وما إذا كانت شخصية أحلام محض خيال أم شخصية حقيقية. المؤكد أن الروائية الأستاذة نهى أرادت من خلال الدور الذي تلعبه أحلام إبراز رحلة الانتصار للمظلوم والوقوف في وجه الظالم. انطلاقا من تيمة الظلم ونقيضه العدل، فقد استعانت الأستاذة نهى بالروايات التي تم ذكرها في «هذا جناه الأدب على أحلام» كوسيلة للتعبير من خلالها عن الخير والشر في صراع دائم تظهر من خلاله شخصية أحلام وهي تحاول استعادة العدل والانتصار للمظلوم وتغيير مجريات الأحداث وفقا لرؤية الكاتبة عن المجتمع والمرأة والظلم الذي عايشته النساء في فترات مختلفة.
سنقتصر في هذه الدراسة الموجزة على تأثر أحلام بالظلم الذي وقع على المرأة في رواية دعاء الكروان للأديب الكبير الدكتور طه حسين عندما تلبَّسَتها شخصية المدافع عن حقوق المرأة المظلومة، تلك المرأة جثم فوق صدرها مجموعة من الكائنات البشرية التي بدت ككوابيس تشل حركة النائم فلا يستطيع الحركة.
الكابوس الأول حسي تّمثَّل في أب تخلى عن أبوته وأهمل بيته وانشغل بنزواته وشهواته فتشتت عائلته بعد مقتله.
الكابوس الثاني معنوي تّمثَّل في العامل الاقتصادي المتردي الذي فَرَض على إحدى بنات تلك العائلة «هنادي» أن تقبل مرغمة بالعمل خادمة في بيت من بيوت الموسرين، الأمر الذي جعلها تتعرض لاعتداء جنسي.
الكابوس الثالث حسي تّمثَّل في صورة الخال الذي قتل ابنة أخته هنادي بدعوى الحفاظ على شرف العائلة.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يجعل طه حسين في دعاء الكروان يحكم على هنادي بالقتل بينما يحكم نجيب محفوظ في رواية «بداية ونهاية» على نفيسة التي تعرضت لنفس الإغواء الذي تعرضت له هنادي بالانتحار؟ في حين تحاول الأستاذة نهى أن تكشف الظلم الواقع على المرأة وأن تتبني حلا مصبوغا بلون الدم يسهم في رفع الظلم عنها، إذ إن فساد المجتمع يكمن في التغاضي عن أخطاء أصحاب النفوذ من الطبقات الاجتماعية الغنية ومحاسبة المخطئين من البسطاء الذين ينتمون إلى طبقات اجتماعية فقيرة.
إن رغبة أحلام في قتل خال هنادي ما هي إلا محاولة من الكاتبة الأستاذة نهى للدفاع عن المرأة التي خذلها القريب قبل البعيد وخذلها مجتمعها الذي لم يوفر لها الحماية اللازمة ولم يصن لها كرامتها.
لقد استطاعت الأستاذة نهى من خلال البنية السردية لرواية «هذا جناه الأدب على أحلام» أن تبرز شخصية أحلام القوية التي تنتصر للمظلوم من الظالم وأن تكشفت من خلال السرد العميق رؤيتها الخاصة للمرأة والمجتمع.
** **
أيمن منير - أكاديمي وكاتب مصري